جائزة بيكتيت و"الإنسان"... شهود على تحوّل العالم

05 فبراير 2025
من أعمال غوري غِل (موقع الجائزة)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- انطلقت المصورة غوري غِل في رحلة توثيقية إلى راجستان، حيث عاشت مع العائلات الرحّالة، مسجلةً صراعاتهم وحكاياتهم، مما أهلها للفوز بجائزة بيكتيت للتصوير الفوتوغرافي في دورتها العاشرة.
- جائزة بيكتيت، التي تأسست عام 2008، تُعد من أرفع الجوائز في التصوير، وتهدف لتسليط الضوء على التحديات البيئية والاجتماعية، وتمنح الفائز 100 ألف فرنك سويسري.
- شهدت الدورة العاشرة مشاركات متميزة لمصورين عالميين، مثل يائيل مارتينيز وفيديريكو ريوس إسكوبار، مما يعكس قوة التصوير كأداة للتغيير الاجتماعي.

في ليلةٍ صحراويةٍ باردة، حيث يمتزج السكون بصوت الرياح، جلست المصورة الهندية، غوري غِل (Gauri Gill)، وسط جماعة من الرُحَّل، تلتفُّ حولها وجوهٌ مألوفة، تشعُّ من عيونها حكاياتٌ لم تُروَ بعد. لم تكن غِل مجرّد مصورةٍ تبحث عن لقطةٍ جيدة، بل كانت رحّالةً تسير على حافة الزمن، تسجل بحسٍّ شاعريٍّ ما لا تلتقطه العين المجرَّدة، عن صراعات البقاء وحكايات الفقد، ومسرّات صغيرة تُختلس من قسوة الحياة. بدأت غِل رحلتها في إقليم راجستان الهندي، كما تقول بتساؤلات حول المشقة التي تكابدها الفتيات في هذه القرى النائية في سبيل تحصيل العلم. لكن سرعان ما تحوّل السؤال إلى نهرٍ متشعِّب يأخذها بين القرى والبلدات، حيث وجدت نفسها وسط عائلاتٍ رحَّالة يعيشون في بيوتٍ من الطين. عاشت المصورة معهم مواسم الفيضان والجفاف، ورافقت البدو في هجراتهم، وشاهدت كيف تنسج النساء قصصهن، وكيف تتوارث العائلات أعباء الماضي كما تتوارث الأرض.
تتجاوز صور غوري غِل التوثيق البصري لحياة الصحراء، لتقدّم لنا سرداً يمتزج فيه الضوء بالذاكرة، فلا يكون الناس مجرد موضوعاتٍ فوتوغرافية، بل شهوداً على تحوّل العالم. رأت المصورة الهندية الصحراء فضاءً نابضاً بالحياة، حيث القسوة والدفء يتجاوران، والكاميرا تصبح جسراً بين المُشاهَد والمُتخيَّل، بين المُصور والناس، وبين الحكاية والحقيقة. هذه السلسلة المصورة التي التقطتها غوري غِل في الصحراء الهندية فازت بجائزة بيكتيت (Pictet) للتصوير الفوتوغرافي في دورتها العاشرة التي حملت عنوان "الإنسان". تُعرض هذه الصور نفسها حالياً في مقر مؤسسة فوتوغرافيسكا شنغاهاي مع عدد من الأعمال الأخرى التي وصلت إلى التصفيات النهائية في هذه المسابقة. ومن المقرر أن ينتقل المعرض لاحقاً إلى قصر ديلا غران غواردا في فيرونا الإيطالية، حيث يستمر من الثامن من فبراير/شباط الحالي إلى الثاني من مارس/آذار المقبل.
جائزة Pictet من أرفع الجوائز العالمية في مجال التصوير الفوتوغرافي، وتُمنح للمصورين الذين يركزون على القضايا البيئية والاجتماعية. أسست الجائرة عام 2008 مجموعة Pictet المصرفية السويسرية، وتهدف إلى تسليط الضوء على التحديات العالمية الكبرى من خلال التصوير الفوتوغرافي. تحمل الجائزة شعار "التصوير من أجل الاستدامة"، وتشجع الفنانين على تقديم أعمال توعّي الجمهور حول قضايا، مثل تغير المناخ والفقر والاستهلاك المفرط والانتهاكات البيئية. وهي تنظم مرة كل 18 شهراً، ويحصل الفائز على 100 ألف فرنك سويسري، ما يجعلها واحدة من أكبر الجوائز المالية في التصوير الفوتوغرافي.
إضافةً إلى أعمال غوري غِل، شهدت الدورة العاشرة للجائزة مشاركات متميزة لمصورين عالميين، تناولوا مواضيع متنوعة تعكس التحديات الإنسانية والاجتماعية. بين هؤلاء المصورين، قدم المكسيكي يائيل مارتينيز سلسلة من اللقطات الليلية التي وثق من خلالها حياة العائلات المكسيكية التي فرت من العنف، بحثاً عن مستقبل أفضل، وتعكس التحديات التي يواجهونها والأمل الذي يحملونه.
بدوره، وثّق المصور الكولومبي فيديريكو ريوس إسكوبار رحلة المهاجرين الذين يعبرون المنطقة الحدودية التي تربط بين كولومبيا وبنما. تُظهر صوره المخاطر التي يواجهها هؤلاء المهاجرون، من التضاريس الوعرة والظروف المناخية القاسية إلى التهديدات الأمنية. تعكس هذه الأعمال معاناة المهاجرين في سعيهم نحو حياة أفضل، وتسلط الضوء على قضايا الهجرة والتشرد.
وتحت عنوان "حديقة الاعترافات"، قدمت المصورة البريطانية، سيان ديفي، أعمالها التي التقطتها في حديقة منزلها. حولت ديفي حديقة منزلها إلى مساحة اعتراف، فدعت الناس إلى القدوم والتصوير وسط الطبيعة. التقطت ديفي صوراً تعكس الحميمية والانتماء، وتُظهر تفاعل الإنسان مع الطبيعة، إضافة إلى القصص الشخصية للمشاركين. تعكس هذه الأعمال العلاقة بين الإنسان والبيئة، وأهمية التواصل والاعتراف في تحقيق السلام الداخلي.

أما المصورة الأميركية فاسانثا يوغانانثان، فركزت على توثيق حياة الأطفال في المناطق المتأثرة بالكوارث الطبيعية. في إحدى مجموعاتها، صورت أطفالاً وُلِدوا بعد إعصار كاترينا في نيو أورلينز. تعكس صورها براءة الأطفال وقدرتهم على التكيف، والتطع إلى مستقبل أفضل رغم التحديات التي يواجهونها. وقدمت المصورة البريطانية فانيسا وينشيب مشاهد التقطتها في مدارس شرق الأناضول في تركيا، إذ ركزت على وجوه الفتيات الصغيرات. تعكس هذه الصور براءة الأطفال وتطلعاتهم، إضافةً إلى التحديات التي يواجهونها في مجتمع ريفي مُحافظ. تُظهر الأعمال قوة الأمل والإصرار على تحقيق الأحلام رغم الصعوبات المحيطة.
منذ تأسيسها، لعبت جائزة بيكتيت دوراً محورياً في تسليط الضوء على القضايا البيئية والاجتماعية من خلال الفوتوغرافيا، وتُشجع المصورين على استكشاف التحديات التي تواجه البشرية. تمثّل الأعمال المشاركة شهادة على قوة التصوير الفوتوغرافي كأداة للتغيير الاجتماعي وتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية.

المساهمون