ثلاثة أفلام في "سالونيك 2025": ثرثرةٌ تتناقض قِيمها الوثائقية

14 مارس 2025
زِمين في "متصل": حوار مع الذات والتاريخ (الموقع الإلكتروني لـ"سالونيك الوثائقي 2025")
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تستعرض الأفلام الثلاثة في مهرجان سالونيك الدولي للأفلام الوثائقية مواضيع متنوعة، حيث يركز "لعبة المواعدة" على الشباب الصينيين وعلاقاتهم العاطفية، بينما يعرض "عيون غزة" الحياة اليومية للشباب الفلسطينيين تحت الحصار، ويقدم "مُتصل" سيرة العالم السوفييتي دمتري زِمين وخياره للموت الرحيم.

- تتميز الأفلام بأساليب سردية مختلفة، حيث يعتمد "مُتصل" على تسجيلات قديمة، بينما يركز "لعبة المواعدة" على الحوارات الاجتماعية، ويستخدم "عيون غزة" تقنية الريبورتاج.

- تشترك الأفلام في تقديم تجارب إنسانية عميقة، حيث يعكس "مُتصل" التغيرات العالمية، ويبرز "لعبة المواعدة" التحديات العاطفية، ويصور "عيون غزة" الواقع القاسي تحت الاحتلال.

اختلاف مواضيع ثلاثة أفلامٍ، معروضة في الدورة الـ27 (6 ـ 16 مارس/آذار 2025) لـ"مهرجان سالونيك الدولي للأفلام الوثائقية"، يُقابله مشتركٌ واحد، يكمن في أنّ الرجل شخصية أساسية، إنْ يكن في مقتبل الشباب، أو قبيل انتهاء العمر: "لعبة المُواعدة" (2025، 90 دقيقة) للصينية فايلِت دو فانغ (برنامج "عروض خاصة")، و"عيون غزة" (2024، 50 دقيقة) للفلسطيني محمود أتاسي (برنامج "آفاق مفتوحة ـ أفلام طويلة")، و"مُتصل" (2025، 105 دقائق) للروسية فيرا كريشفْسْكايا (برنامج "آفاق مفتوحة ـ أفلام طويلة")، والأخير يروي فصولاً من سيرة العالِم السوفييتي دْمتري زِمين، الذي يُقرّر إنهاء حياته، فينُفّذ على نفسه "الموت الرحيم"، في 22 ديسمبر/كانون الأول 2021، قبل أشهرٍ قليلة من احتفاله بعيد ميلاده الـ89 (مولودٌ في 28 إبريل/ نيسان 1933).

أمّا الشباب فيحضرون في فيلمي "لعبة المواعدة" و"عيون غزة"، رغم أنّهم يواجهون تحدّيات حياتية غير متشابهة إطلاقاً، لأنّ الأربعة في الفيلم الصيني يبحثون عن فتيات لأي نوعٍ من العلاقة بهنّ، خاصة الزواج، بينما الشبان الثلاثة في التحقيق التلفزيوني لأتاسي يعيشون حرب إبادة إسرائيلية، مندلعة كردّ على "طوفان الأقصى" (السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023). العالِم السوفييتي مختصّ بالاتصالات، ولنباهته يتعاون سرّياً مع سلطات بلده، قبل أنْ يُصبح فاعل خير، ويدعم المعارض الروسي ألكسي نافالني (1976 ـ 2024). "مُتصل (Connected)"، يوثّق سيرته الحياتية والمهنية بصوته وحضوره المباشرين، مستعيناً بأشرطة تسجيلية قديمة لمقابلات تلفزيونية معه، وصُور فوتوغرافية منذ طفولته وشبابه، ويبدأ بكلامٍ لأوغي فابِلا، ضابط الشرطة الأميركي الذي يُصبح رجل أعمال، له علاقات وطيدة بزِمين منذ سنين طويلة.

الثرثرة وصفٌ صالح للأفلام الثلاثة، رغم أنّ خفايا "مُتصل" تعكس مساراً تاريخياً لعالَمٍ يعيش تبدّلات جذرية، ولبلدٍ (الاتحاد السوفييتي ـ روسيا)، ولعلاقات دولية، ولعلمٍ ومعرفة وتواصل (سرّي ـ علني)، كما لصداقة بين "خصمين" يُصبحان صديقين. أمّا "لعبة المواعدة"، فمكترثٌ بوضع محلي للغاية، وبفئة عمرية محدّدة، مع أنّ في الهوامش تفاصيل عن حياة وبيئة واجتماع وسياسة. بينما يكتفي "عيون غزة" بتصوير يوميات غزة بعيون شبابية، تلاحقها كاميرا بلال سالم ومعتصم أبوالعسر في تجولٍ بين أنقاضٍ وفي أمكنة تحاول صموداً أمام آلة القتل الإسرائيلية، وفي لقاءات مع أناسٍ يريدون عيشاً كريماً في بلدهم.

إنْ تُبنى ثرثرة "مُتصل" على إعادة رسم ملامح زمنٍ بفتراتٍ، يتناقض بعضها مع البعض الآخر، فإنّ 90 دقيقة (لعبة المواعدة) تبدو أطول بكثيرٍ من كلامٍ يُقال، وفي بعضه مشاعر ورغبات، وما يُشبه الخيبات. "مُتصل" يستعيد "أزمنة" شاهدة على انقلابات جذرية في عالَمٍ ومجتمعات وعلاقات، فتبدو الثرثرة فيه أقرب إلى مرآة تعكس سيرة ذاتية، جزءٌ كبيرٌ منها مرتبط بعالَمٍ ومجتمعات وعلاقات، ما يُخفِّف قليلاً من ثقلها وسلبيتها. بينما ثرثرة "لعبة المواعدة" تخرج، أحياناً، عن ركيزةٍ درامية/جمالية في النوع الوثائقي، لفراغٍ يعتري فصولاً عدة، ولإطالةٍ غير مُبرّرة فنياً وجمالياً.

في "عيون غزة"، المشغول بتقنية الريبورتاج التلفزيوني، غيابٌ تام لفن التوثيق السينمائي، رغم أنّ مهرجاناً وثائقياً كـ"سالونيك" يختاره لعرضه في برنامجٍ، وهذا، بحدّ ذاته، مهمّ أخلاقياً، لتقديمه (الريبورتاج) لحظات قاسية من عيشٍ أقسى في جغرافيا، يصفها المؤرّخ الإسرائيلي آلان بابيه بـ"أكبر سجن على الأرض" (عنوان كتابٍ له صادر عام 2017). هذا غير مانعٍ قراءة نقدية، ترى فيه ريبورتاجاً عادياً لا أكثر. فالصُور الواقعية، التي تؤكّد جُرماً إسرائيلياً بحقّ مدنيين ومدنيات، تبدو كأنّها الناطق الوحيد بوضعٍ غير إنساني وغير أخلاقي تفرضه إسرائيل بقوة الجريمة التي لها.

يقول شبانّ "لعبة المواعدة" ما يشعرون به في حالةٍ تُصيبهم، وما يقولونه غير موجّه إلى الكاميرا (وي غاو)، بل في لقاءات بينهم، في سهرة أو عشاء، أو سيراً على الأقدام، أو تجوّلاً في ساحة. هذا حاصلٌ في "عيون غزة" أيضاً، فالكاميرا تلاحق وتُصوّر وتوثّق من دون مواجهة مباشرة مع الشخصيات. أمّا "مُتصل"، فالكاميرا (هِيْكو جيلبرتو وأدريان بتروسيان) تلتقط أقوال دْمتري زِمين في شيخوخته، كأنّها تنبش في ذاته وروحه وأعماقه، إلى جانب تسجيلات بصرية/سمعية قديمة.

المساهمون