ثقافة كُتب المهرجانات السينمائية: لا نقد بل مجرّد محاسن المُكرَّمين

ثقافة كُتب المهرجانات السينمائية: لا نقد بل مجرّد محاسن المُكرَّمين

14 مارس 2022
خالد الصاوي في "مراكش 2014": إجاباته أفضل ما في الحوار (جلال مرشيدي/وكالة الأناضول)
+ الخط -

 

سمة بارزة تجمع بين كتب المُكرّمين في معظم المهرجانات السينمائية المصرية، يصعب معها اعتبار أيّ واحدٍ منها "مُؤَلَّف"، وأقصى ما يمكن وصفه به أنّه "تمّ إعداده". هناك مقدمة، ثم حوار يختلف طوله بين كتاب وآخر، وربما يقتصر على صفحتين اثنتين فقط، تعقبه مقتطفات من الصحافة الفنية، أو كتابات وأقوال لفنانين ومقرّبين من الشخصية المُكرّمة، أياً كان تخصّصها، تُشبه غالبيتها ما يُقال من مديح زائد في حفلات التأبين، على غرار "اذكروا محاسن موتاكم". لكنّهم هنا يذكرون محاسن المُكرَّمين، ويغضّون الطرف عن ذكر أي نقدٍ سلبي، أو الإشارة إلى نقاط ضعف، رغم أنّ معرفة نقاط الضعف هذه يتعلّم منها المرء، ويستفيد منها أكثر.

من هذه الكتب، اثنان صدرا عن "مهرجان القاهرة السينمائي" في دورته الـ43 (26 نوفمبر/ تشرين الثاني ـ 6 ديسمبر/ كانون الأول 2021):

يعكس الأول ثقافة عدم احترام الكتاب، بصناعة نماذج سهلة تُنتَج وتُعلَّب في أسبوع واحد، عنوانه "واحد الناس" عن كريم عبد العزيز، للناقد طارق الشناوي، في 191 صفحة، بينها 40 صفحة "مديح" من زميلات وزملاء ومخرجين، من دون تحليل الشناوي لتلك المدائح، رغم أنّ الحوار لطيفٌ ومُسلٍّ (45 صفحة)، مع أنّه (الحوار) لا يهتمّ أبداً بحديث مُعمّق عن فنّ أداء هذا الممثل، بل مجرّد تساؤلات عن كواليس الأفلام والأدوار، وعن العائلة، والذين عمل معهم، وعلاقته بوالديه. حوار لا يخرج عن إطار الحكايات الفنية. الجزء الثالث، الذي يشغل أغلب الكتاب (60 صفحة)، استمرار لنهج صاحبه في كتبٍ سابقة له، يتمثّل في جَمع مقالات له منشورة في صحف ومواقع، عن أفلامٍ مثّل فيها عبد العزيز، الذي له في بعضها 3 أو 5 أسطر فقط، وفي أخرى يُجري مقارنة مع أفلامٍ لا علاقة له بها، ما يحثّ على التساؤل: لماذا هذا الاستسهال وعدم احترام ثقافة الكتب المصنوعة عن المُكرّمين؟ لماذا تقبل مهرجانات مصرية إعادة طبع مقالات منشورة سابقاً، تخلو من التحليل السينمائي، ومن إشارات إلى فنّ الأداء، خاصة إذا كان المُكرَّم نجماً سينمائياً؟

الكتاب الثاني بعنوان "نيللي امرأة من كبرياء"، للسيناريست والناقدة ماجدة خير الله، في 62 صفحة، تُصبح 53 فقط من دون الصُور والفيلموغرافيا، منها 10 صفحات تروي فيها صاحبته عن علاقتها بنيللي منذ مرحلة الجيرة بينهما، عندما كان الجيران يتلصّصون عليها، ثم أفلام الممثلة التي كتبت الناقدة السيناريو لها، ولماذا تعطّلت. مُقدمة فيها تفاصيل دقيقة ومملّة أحياناً، لا تهمّ القارئ. كأنّ خير الله صارت محور الكتاب، لا النجمة الاستعراضية المُكرَّمة.

المثير للدهشة أنّ ماجدة خير الله تنتقد "مَنْ يختزلون تجربة نيللي في خانة الاستعراض فقط"، مؤكّدة أنّها "قدّمت عشرات الأدوار في السينما والتلفزيون، ووقفت أمام أهم نجوم السينما في مصر ولبنان". مع ذلك، فإنّها لم تُفسّر سبب اختيارها أفلاماً ضعيفة المستوى، لا تُحسَب لصالح نيللي. كما أنّها لم تقدّم أي تبرير عن سبب اختيارها أفلاماً من دون غيرها: هل هذا ما كان متاحاً لها، أم أنها لم تجد وقتاً كافياً لتأمّل تجربة النجمة الكبيرة؟ لماذا أسقطت تماماً تجربتها الاستعراضية المتميّزة، والفريدة من نوعها في العالم العربي؟

كتاب ماجدة خير الله نموذجٌ لكتب لا يصحّ أبداً أنْ يُصدرها مهرجان عريق كـ"مهرجان القاهرة السينمائي"، ولا يليق بنجمة سينمائية واستعراضية، ذات تجربة شديدة الخصوصية في تاريخ السينما والدراما المصرية والعربية.

إلى ذلك، هناك نموذجان آخران صدرا عن "مهرجان الإسكندرية السينمائي"، في دورته الـ37 (25 ـ 30 سبتمبر/ أيلول 2021)، من 17 كتاباً آخر، سمتها البارزة عدم احترامها فنّ إخراج الكتب، فـ"الفونت" صغير جداً، يحتاج إلى عدسة مُكبّرة للقراءة، والصُور مُصغّرة بشكل غير لائق، وجودتها ضعيفة للغاية. كُلّ إصدار يُستَهلّ بمقدمة، بعنوان "إسكندرية يا غرامي"، موقّعة باسم الأمير أباظة، رئيس المهرجان، يتحدّث فيها عن برنامج الدورة، من دون إشارة إلى الإصدارات: لماذا هذه المقدمة؟ لماذا لم تُكتب مقدمة خاصة بشخصية كلّ إصدار؟

 

 

الكتاب الأول بعنوان "عمر عبد العزيز.. النقد بشفاه تبتسم"، لأحمد سعد الدين، في 95 صفحة، تخلو من أي حديث عن الأسلوب الإخراجي للمُكرَّم. هذا غائبٌ أيضاً عن الحوار معه، المتمحور حول مشروع التخرّج، والعائلة، والعمل. وعندما تناول أفلامه، اكتفى بسيناريوهاتها ومواضيعها، والعلاقة بالنقد الاجتماعي والظرف التاريخي والممثلين والممثلات. وعندما تذكّر اسم المخرج، أشار إلى إجادته في اختيار الممثلين والممثلات، قبل عودته إلى السيناريو، كأنّ المخرجَ كاتبُه.

في كتاب سعد الدين مشاكل عدّة، أبرزها التالي: عند الحديث عن الأفلام، يقتبس جُملاً وأفكاراً من آخرين، ومن المخرج نفسه، من دون الإشارة إلى المصادر، ومن دون التوثيق. هذا يندرج في بند السرقات الفكرية.

أما الكتاب الثاني، "خالد الصاوي.. وجوه وهوامش" (104 صفحات)، للصحافية ناهد صلاح، فيُوثِّق المصادر والمراجع، كما أنّه أفضل حالاً من الكتب السابقة، لأنّ صلاح بذلت جهداً أكبر نسبياً، فخصّصت بعض العناوين لدراسة تجربة الصاوي: "بريق الجرأة"، و"تجليات الممثل"، و"بصمة الكوميديا الجديدة"، و"فدان شطارة"، و"نجم مشروط"، و"النجم الشارد". لكنّها استعانت، كالآخرين، بمتقطفات وشهادات من دون تحليلها.

أكثر ما يعيب الكتاب أنّ الأسئلة، في الحوار مع المُكرَّم، متحفّظة جداً، وتخلو من جرأة كافية لطرح ما يُثير نقاشاً عن نقاط ضعفه، والأفلام التي أداؤه فيها مبالغ به، خصوصاً في بداياته، كما في "جمال عبد الناصر" (1999) لأنور القوادري. مع ذلك، تظلّ إجابات الصاوي أفضل ما في الكتاب، لأنّه يكشف عن فلسفة عميقة في شخصيته، ويتحدّث بلغة بسيطة وسلسة، رغم عمق أفكاره، على نقيض ناهد صلاح، التي تكتب بلغة أدبية مُتكلِّفة، تُنفِّر من القراءة أحياناً. كما أنّها لم توجِّه إليه أي نقد، كأنّه أسطورة خالية من نقاط ضعف، مع أنّ الصاوي نفسه أشار إلى حوار بينه وبين أحمد زكي، عن دوره في "ناصر 56" (1996) لمحمد فاضل، قائلاً إنّ زكي تحدّث عن نقاط ضعف وقوة. لكنّ صلاح لم تقتنص الفرصة لتسأله عن ذلك.

من زاوية أخرى، يُثير الكتاب تساؤلاً: إذا كنّا في زمن الصورة، وموضوع الكتاب أحد أهم نجوم فنّ الأداء، فلماذا يُتَعامَل مع الصُور المرفقة بعدم حِرفية ومهنية واحترام؟

هذا كلّه يدعو إلى مطالبة مهرجانات السينما في مصر إلى أنْ تُولي الكتب قدراً أكبر من الحِرفية والمهنيّة والاحترام، مَتناً وإخراجاً، وإلى عدم البُخل عليها، وألّا يقتصر الاهتمام على السجادة الحمراء والاستعراض الإعلامي.

المساهمون