تيغراي... حكاية مشتعلة في القرن الأفريقي

تيغراي... حكاية مشتعلة في القرن الأفريقي

23 نوفمبر 2020
أصبح التيغرانيون من الشعوب المضطهدة المغلوب على أمرها (Getty)
+ الخط -

صار اسم تيغراي، أخيرًا، وسماً له متابعوه في نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، وسط ترقبٍ لمآلات الأمور في القرن الأفريقي بأكمله، وما إذا كانت نيران الغضب ستنطفئ سريعاً، أم إنها ستمتد لتشتعل بها قوميات مجاورة داخل الفيدرالية الإثيوبية الهشّة أو خارج حدودها باتجاه دول الجوار. إنه صراع قديم يتجدد من حين إلى آخر، معبراً عن أزمة الأعراق المتنافرة والمسيَّجة داخل دولة تسعى حكوماتها المركزية لبسط نفوذها بكافة السُّبل.

وفي أثناء الحروب يرتفع حديث السياسة، لتتوارى خلفه حقائق الجغرافيا والتاريخ والثقافة، تلك الحقائق التي نحاول أن نعود إليها. يقع إقليم تيغراي في شمال ثيوبيا، وتبلغ مساحته 102 ألف كيلومتر مربع، يحده من الشمال إريتريا ومن الغرب السودان، ويحده داخل إثيوبيا من الشرق منطقة عفر ومن الجنوب أمهرا. ويبلغ عدد سكان الإقليم حوالي 5.7 ملايين نسمة معظمهم من العرقية التيغرانية التي تتحدث اللغة التغرينية وهي لغة سامية جنوبية، إلى جانب أقليات عرقية أخرى بعضها يتحدث لغات محلية وبعضها تتحدث العربية والفرنسية والإسبانية. وأغلب السكان من المسيحيين الأرثوذكس مع وجود أقليات مسلمة وكاثوليكية وبروتستانتية.  

علوم وآثار
التحديثات الحية

تمتد عرقية تيغراي إلى إريتريا المجاورة وتشكل 55% من سكانها بتعداد يبلغ 3.4 ملايين نسمة تقريباً. من أشهر أعلام التيغراي من الجانب الإثيوبي رئيس الوزراء السابق ميلس زيناوي ومدير منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس، ومن الجانب الإريتري الرئيس أسياس أفورقي. ومن الأسماء التاريخية الإمبراطور يوهانس الرابع إمبراطور إثيوبيا (1872-1889)، وآلولة إنغيدا الذي تصدى للاستعمار الإيطالي وانتصر عليه في معركة عدوة سنة 1869. مدينة ميكيلي هي عاصمة الإقليم، وتضم بعض الآثار مثل قصر الإمبراطور يوهانس الرابع (حكم بين 1871-1887).  ومن أبرز مدنه، مدينة أكسوم في شرق الإقليم، وهي العاصمة الأولى للحبشة ومقر كنيستها منذ القرن الأول الميلادي وحتى الثاني عشر، وتوجد بها كنيسة مريم سيدة جبل صهيون التي تعد مزاراً مسيحياً مقدساً. ويقال إن أكسوم تحتوي على تابوت العهد الذي يضم ألواح موسى الحاوية للوصايا العشر. كما تضم مجموعة أخرى من الآثار مثل بعض النصب الحجرية ومسلة أكسوم التي يبلغ ارتفاعها 24 متراً، ومسلة الملك إيزانا التي يبلغ ارتفاعها 21 متراً، والتي تعود للقرن الرابع الميلادي وتوثق دخول الملك إيزانا إلى المسيحية وفتحه للمدن المجاورة. وقد أدرجت منظمة "يونسكو" بقايا المدينة القديمة ضمن قائمة مواقع التراث الإنساني في 1980. ويقول المسلمون إن أكسوم كانت مقر أصحمة بن أبجر الحبشي الذي أكرم وفادة المهاجرين المسلمين في صدر الإسلام. 

يبلغ عدد سكان الإقليم حوالي 5.7 ملايين نسمة معظمهم من العرقية التيغرانية التي تتحدث اللغة التغرينية وهي لغة سامية جنوبية

ارتبط تاريخ عرقية تيغراي بتأسيس مملكة أكسوم التي بقيت قروناً طويلة، لكن بعد أن فقدت السلطة، أصبح التيغرانيون من الشعوب المضطهدة المغلوب على أمرها، بل إنهم عانوا أكثر مما عانت القوميات الإثيوبية الأخرى، وعادة ما كانوا في مواجهة قومية الأمهرا المسيطرة. وبعد مقاومة طويلة عادوا إلى السلطة مرة أخرى بعد سقوط نظام منجستو هيلامريام في 1991م، وبالرغم من قلة أعدادهم فقد سيطروا على مفاصل الدولة والثروة.   

من المشكلات المعاصرة التي تعرضوا لها أيضاً تلك الطريقة التي تم بها ترسيم الحدود بين إريتريا وإثيوبيا، حيث انشطرت هذه القومية بين الدولتين، فانشطرت معها ولاءات القومية الواحدة بين الدولتين، لدرجة نشوب حرب شرسة على الحدود في منطقة بادمي بين عامي 1998 و2000 خلفت عشرات الآلاف من الضحايا. أما في الداخل الإثيوبي فإن الصراع بين القوميات الثلاث التيغراي والأمهرا والأورومو عادة ما كان يشهد تبادلاً في التحالفات، فقد تحالفت التيغراي والأورومو وخاضوا نضالا طويلاً ضد هيمنة الأمهرا المطلقة منذ عهد منليك الثاني وحتى نهاية حكم هيلاسيلاسي في 1974م، لكن الآونة الأخيرة شهدت تحالفاً واضحاً بين الأمهرا والأورومو ضد التيغراي، وهو تحالف يجسده شخص رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي الذي ولد لأب مسلم من عرقية الأورومو ولأم مسيحية من عرقية الأمهرا، والذي أعلن حربه الضروس لقمع غضب التيغراي... إنه آبي أحمد الحائز على جائزة نوبل للسلام! 

المساهمون