تونس: "سحل إلكتروني" يهدّد حرية التعبير والإعلام

تونس: "سحل إلكتروني" يهدّد حرية التعبير والإعلام

20 سبتمبر 2021
يشنّ أنصار سعيد حملات ترهيب ضد معارضيه (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

يكاد الإجماع يكون مطلقاً حول حقيقة واحدة ما بعد ثورة تونس سنة 2011، وهو أن هذه الثورة حققت مكسباً رئيسياً هو حرية الصحافة والتعبير بعد سنوات من تكميم الأفواه ومعاقبة كل من يعبر عن رأيه بالسجن أو التشريد وكل وسيلة إعلام لا تنصاع للخطوط الحمراء التي وضعتها السلطة، يتعرض العاملون فيها للتنكيل ويتمّ غلقها.

بعد نجاح الثورة التونسية، أصبحت تونس أكثر حرية، وفقاً لجل التقارير الدولية آخرها التقريرالسنوي الذي أصدرته مؤسسة "فريدوم هاوس" حول الديمقراطية في العالم سنة 2021، قبل أيام، حيث صُنفت تونس من الدول الحرة. لكن هذه الحرية وخاصة حرية الصحافة والتعبير تُدقّ نواقيس الخطر حولها، في ظل حالة من الاحتقان غير مسبوقة تعرفها مواقع التواصل الاجتماعي بين من يناصرون ما أقدم عليه الرئيس التونسي قيس سعيد يوم 25 يوليو/تموز2021 وبين من يرون أن ما قام به انقلاب على الدستور التونسي غير مقبول. وحتى الذين اختاروا الحياد لم يسلموا من هجمات هؤلاء المتعصبين لهذا الطرف أو ذاك، حيث وصفت 7 منظمات تونسية، منها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين وجمعية مديري الصحف، في بيان لها قبل أسبوع، ما يحصل، "بعمليات السحل الإلكتروني تقوم بها مليشيات إلكترونية تعمل على إسكات كل صوت مخالف لها". كما طالبت المنظمات، الرئيس التونسي قيس سعيّد، بالتحرك لحماية الصحافيين والفاعلين الثقافيين والفكريين من "ممارسات المليشيات الإلكترونية التي تمارس عليهم السحل الإلكتروني".

واعتبر نقيب الصحافيين التونسيين، محمد ياسين الجلاصي، في تصريح لـ"لعربي الجديد"، ما يحصل أمرًا خطيرا يهدف إلى نشر الرعب في نفس كل من يريد التعبير عن موقفه حول ما يحصل في تونس، مستشهدًا في ذلك بما حصل للأستاذة الجامعية سناء بن عاشور المختصة في القانون الدستوري التي اعتبرت ما حصل يوم 25 يوليو/تموز أمراً غير دستوري، لتتعرض لعمليات تهجم وسب وشتم لها ولعائلتها من قبل أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد، والذي دعاه الجلاصي إلى القيام بدوره، باعتباره رئيسًا يتمتع بكل السلطات في تونس، في حماية الصحافيين والمفكرين وكل من يريد أن يعبر عن رأيه بكل حرية، حتى وإن كان مختلفًا مع رأي الآخرين.

محاولات لإسكات وسائل إعلام مخالفة لرأي سعيد وتهديدات لصحافيين باتت تشكّل خطراً على سلامتهم

مؤشرات التخوف على حرية الصحافة والتعبير بدأت ملامحها تبرز من خلال محاولة إسكات كل وسيلة إعلام تعبّر عن رأي مخالف لأنصار الرئيس التونسي، حيث تعرضت محطات إذاعية مثل "موزاييك أف أم" و"راديو الديوان" و"كاب أف أم" إلى هجمات وصلت الى حدّ المطالبة بغلقها. كما تعرض العاملون فيها مثل الياس الغربي وهيثم المكي ومحمد اليوسفي إلى هجمات أصبحت تهدد سلامتهم الجسدية.

من ناحية أخرى، زُجّ بالنائب بالبرلمان المجمدة أعماله ياسين العياري في السجن بسبب تدوينات نشرها بعد 25 يوليو/تموز 2021 ترفض ما قام به الرئيس التونسي، وهو ما أكده محاميه الذي بين أن عملية سجن العياري تعود إلى إعلان موقفه الرافض لقرارات سعيد وهو ما تنفيه السلطات التونسية.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

والجمعة الماضية، أعلن الناطق الرسمي باسم محاكم محافظة سوسة علي عبد المولى أن النيابة العمومية التونسية أذنت بإلقاء القبض على ستة أشخاص، من بينهم صحافيون، على خلفية شبهة الاعتداء على أمن الدولة الداخلي وتلقي أموال مشبوهة من الخارج. وأضاف عبد المولى أن القوات الأمنية انتقلت إلى مقر شركة فى منطقة القلعة الكبرى في محافظة سوسة، من دون تحديد اسمها، وحجزت 23 وحدة مركزية للخدمات الإعلامية، واستنطقت العاملين فى المؤسسة، وقررت منعهم من السفر واحتجازهم إلى حين استكمال التحقيق. كما أصدرت النيابة العمومية بطاقة جلب فى حق صاحب الشركة وزوجته وشخص ثالث، وهم موجودون في الخارج. إعلان النيابة العمومية لم يقدم توضيحات إضافية عما حصل، ومن هو الطرف الخارجي المتهم بتمويل هذه الشركة، لكن مصادر ذكرت أن الأمر يتعلق بشركة إنتاج إعلامي، بدأ نشاطها منذ يوليو/تموز 2019، وهي معروفة بإدارتها عدداً من الصفحات على موقع "فيسبوك" لصالح أطراف سياسية تونسية، في فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي شهدتها تونس نهاية عام 2019.

وكتب المدير التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين الفاهم بوكدوس أن "عشرات الصفحات التي تُتهم الشركة المذكورة بإدارتها عملت لأشهر عديدة على تعفين الأجواء العامة واستهداف المخالفين لمنظومة الحكم، غير أن استيفاء معلوماتها، والشخصية منها بالخصوص، من أجهزة الدولة يعني أولياً أننا إزاء تشكيل وفاقي يستهدف الأشخاص والمؤسسات، بما يعني أن إمكانيات حصر التحقيق في عدد من الموظفين سيمكن الأطراف الرئيسية في عدد من أجهزة الدولة من الإفلات من العقاب، ويفتح الباب واسعاً لإعادة إنتاج الممارسات نفسها ومواصلة عقلية المليشيات الإلكترونية، ولكن لصالح أطراف ولوبيات أخرى، وهو الأخطر في الموضوع". وأضاف أن "رقابة وسائل الإعلام والرأي العام على التحقيق في قضية Installingo أكثر من ضرورية، حتى لا تخفي شجرة شركة الإنتاج المذكورة غابة استعمال الأجهزة واللوبيات والإمكانيات المالية واللوجستية لتشكيل عصابات إلكترونية تستهدف المعارضين والمنتقدين والمخالفين في الرأي، وهو ما حذر منه بيان لعدد من الهياكل المهنية والمنظمات الحقوقية منذ أيام، وحّمل رئيس الجمهورية مسؤولية التصدي لها، وهو الممسك بكل السلطات في مرحلة الإجراءات الاستثنائية".

هجمات إلكترونيّة ضدّ كل من يرى أن إجراءات سعيد غير دستورية

من جهة ثانية، طالب صحافيون بتوضيح تفاصيل القضية، كي لا يزج بالعاملين في المهنة في أتون خلافات بين أطراف سياسية، فكتب الإعلامي سرحان الشيخاوي: "خطوة إيجابية، إن ثبتت التهم الموجهة لمن تم اعتقالهم. شخصياً، دعوت وزارة الداخلية أكثر من مرة لتفكيك شبكات سحل الناس على مواقع التواصل الاجتماعي. أرجو أن يتم تفكيك الشبكات التي قامت أخيراً بسب وشتم وجلد الصحافيين الذين يخالفون رأي الرئيس، وعدد من السياسيين الذين تم تشويههم وهتك أعراضهم، وألا تقتصر العملية على من هاجموا الرئيس فقط".

لكنّ الخطر الأبرز على حرية الصحافة والتعبير، وفقاً لمحمد ياسين الجلاصي، مصدره أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد الذين يرفضون كل رأي مخالف لهم. حيث إنّه وبمجرد نشر تدوينة أو بث وسيلة إعلام لما يتعارض مع ما يذهبون إليه، يشنّون هجوماً إلكترونياً على صاحب الرأي، تستعمل فيه ألفاظ نابية وتمسّ فيه عائلات من يعبر عن رأيه، وهو ما اعتبره شكلاً من أخطر أشكال الترهيب لكل مخالف للرأي، قد تكون مآلاته سيئة جدًا على حرية الصحافة والرأي والتعبير، وقد يعود بتونس إلى مربع الاستبداد الأول، الأمر الذي يستدعي الكثير من اليقظة من قبل المنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان.

الخطر الأبرز على حرية الصحافة والتعبير مصدره أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد 

في المقابل، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد يوم 2 أيلول/ سبتمبر الجاري، أثناء لقائه بممثلي منظمات حقوقية تونسية، أنّ "حرية الصحافة والرأي والتعبير مضمونة في تونس وأنه لا مجال للمس منها من أي طرف". تأكيدٌ أتى بعد يوم من الاعتداءات التي حصلت على الصحافيين والمتظاهرين في الشارع الرئيسي للعاصمة التونسية، وهو ما خلّف حالةً من الغضب عمل الرئيس التونسي على امتصاصها من خلال استقباله لممثلي هذه المنظمات مركزًا على أن حرية الصحافة والتظاهر السلمي مضمونة. ضمانةٌ لا يبدو أنها مطمئنة إلى حدّ الآن، في ظل المؤشرات عن التراجع الذي تشهده حرية الصحافة والرأي والتعبير وتتالي الاعتداءات اللفظية في المجال الإلكتروني على كل مخالف للرأي، تسود المخاوف من تحوّله إلى تهديدات جسدية ومباشرة.

المساهمون