توظيف القناة 14 لهندسة وعي الإسرائيليين

03 مارس 2025
إسرائيليون يشاهدون خطاب لنتنياهو في تل أبيب، نوفمبر 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعزيز الإعلام اليميني: قرر الائتلاف الحاكم في إسرائيل منح القناة 14 اليمينية امتيازات خاصة، مثل البث عبر منصة بلاس الرقمية دون رسوم، لتعزيز الإعلام اليميني ودعم توجهات اليمين المتطرف.

- تأثيرات سياسية وإعلامية: يُعرف القانون الجديد بـ"قانون الرشوة الصغيرة" ويهدف إلى تشجيع القناة 14 على تبني سردية اليمين المتطرف، مما زاد من نسبة مشاهدتها وتأثيرها في المشهد الإعلامي والسياسي الإسرائيلي.

- تداعيات على حرية الصحافة: تراجع حرية الصحافة في إسرائيل بسبب تبني القنوات خطاً تحريرياً ينسجم مع الحكومة، مما أثر سلباً على ترتيب إسرائيل في مؤشر حرية الصحافة العالمي.

في خطوة جديدة تعكس توجهاً لتكريس منظومة إعلامية، تعمل على هندسة وعي الإسرائيليين وفق توجهات اليمين المتطرف، قرر الائتلاف الحاكم في تل أبيب منح القناة 14 اليمينية الحق في بث برامجها عبر منصة بلاس الرقمية سنة إضافية أخرى، وإعفائها من دفع الاستحقاقات المالية المطلوبة منها مقابل هذه الخدمة، في الوقت الذي تقرر فيه حرمان قناتي 12 و13 المنافستين من هذه الميزة. 
وقد أعلن النائب الليكودي دفيد بيتان، رئيس اللجنة البرلمانية المسؤولة عن إقرار التشريعات المتعلقة بالإعلام في الكنيست، الثلاثاء الماضي، أنه سيتم خلال الأسبوع المقبل (هذا الأسبوع) التصويت على قانون خاص بالقراءتين الثانية والثالثة يشرع منح الأفضلية للقناة 14 التي تمثل أهم أبواق اليمين المتطرف.
وفي تقرير نشره الأربعاء الماضي، أشار موقع العين السابعة، الذي يعنى بمتابعة شؤون قضايا الإعلام في إسرائيل، إلى أن القانون الجديد يعفي القناة 14 أيضاً من دفع ما تراكم عليها من مستحقات مالية للحكومة بفعل عدم تسديدها الرسوم في الفترات السابقة.
وأطلق موقع العين السابعة على القانون اسم "قانون الرشوة الصغيرة"، في إشارة إلى أن الائتلاف الحاكم من خلال هذه المزايا يهدف إلى تشجيع القناة 14 على مواصلة اتجاهات تغطيتها الإعلامية، ولا سيما تبني سردية قوى اليمين المتطرف. 
وبحسب تقرير نشره الصحافي شالوم يروشالمي في موقع زمان يسرائيل فإن التشريع الجديد سيضيف 150 ألف مشاهد جديد إلى قائمة مشاهدي القناة.
ويعد وزير الاتصالات الليكودي شلومو كرعي، المفوض بحكم منصبه بتنظيم قطاع الإعلام في إسرائيل، المسؤول المباشر عن منح القناة 14 المزايا، بالتنسيق مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. فمنذ توليه منصبه الوزاري قبل عامين ونصف العام أوضح كرعي الذي ينحدر من عائلة هاجرت من تونس، بشكل لا يقبل التأويل أنه عازم على إعادة تنظيم قطاع الإعلام في إسرائيل بما يخدم خطاب اليمين الإسرائيلي، بزعم أن الإعلام واقع تحت تأثير "النخب اليسارية". لذا لم يكتف كرعي بالعمل على منح مزايا تفضيلية للقناة 14، بل يسعى بكل قوة إلى تكريس سياقات تسمح بصعود المزيد من القنوات ذات التوجه اليميني. 
وفي تقرير نشره في موقع زمان يسرائيل لفت الباحث بنحاس عنبري إلى أن التمهيد لتدشين المزيد من القنوات التلفزيونية اليمينية وراء إعلان كرعي خطتَه لإغلاق سلطة البث الرسمية. ويجزم عنبري أن كرعي لا يسعى إلى إعادة صياغة المنظومة الإعلامية من أجل خدمة خطاب اليمين السياسي فقط؛ بل أيضاً امتثالاً لتعليمات مرجعيات دينية ترى وجوب توظيف الإعلام في تسويق المسوغات "الفقهية" التي تشرع تهجير الفلسطينيين. وأعاد عنبري إلى الأنظار حقيقة أن الوزير كرعي يجاهر بأنه يرى في الحاخام مئيرمزوز (تسعيني ولد في تونس) مرجعيته الدينية الوحيدة، لافتاً إلى أن مزوز معروف بحماسه لأفكار الحاخام مئير كهانا الذي أسس حركة "كاخ"، أواخر سبعينيات القرن الماضي، والتي كانت أول حركة سياسية في إسرائيل، تطالب علناً بتهجير الفلسطينيين. وبحسب عنبري، فإن هذا يفسر حقيقة أن مزوز يعد أيضاً الأب الروحي لحركة "القوة اليهودية" التي يتزعمها وزير الأمن القومي السابق إيتمار بن غفير الذي يدعو أيضاً إلى طرد الفلسطينيين.
لكن المزايا التي تمنح للقناة 14 لا تقتصر على الجانب المادي، بل تتمثل أيضاً في حقيقة أن هذه القناة هي الوحيدة التي يوافق نتنياهو على إجراء مقابلات معها، في حين يقاطع كل القنوات المحلية الأخرى.
وقد أسهمت المزايا التفضيلية التي منحتها حكومة نتنياهو للقناة إلى انقلاب على معدلات مشاهدات القنوات التلفزيونية في إسرائيل. فبحسب تقرير نشرته صحيفة معاريف حلت "14" في المرتبة الثانية بنسبة مشاهدة 8.9% بعد القناة 12 التي تحظى بنسبة مشاهدة 13.2%، وتمكنت من إزاحة القناة 13 إلى المكان الثالث بنسبة مشاهدة 6.4%، في حين حلت القناة كان التابعة لسلطة البث الرسمية في المكان الأخير بنسبة مشاهدة 3.9%.
ومن الواضح أن احتفاء حكومة نتنياهو بالقناة 14 يرجع بشكل خاص إلى حماسها منقطع النظير إلى حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال في قطاع غزة. وكما نقلت صحيفة هآرتس في عددها الصادر في 24 سبتمبر/ أيلول الماضي عن ثلاث منظمات حقوقية إسرائيلية فإن القناة 14 دعت منذ بداية الحرب 50 مرة إلى إبادة الفلسطينيين و150 مرة إلى ارتكاب جرائم حرب منذ بداية العدوان على قطاع غزة.

وفي الوقت الذي تحابي فيه حكومة نتنياهو القناة 14 على هذا النحو، فإنها لا تتردد في معاقبة وسائل الإعلام التي تتحدى سردية هذه الحكومة. وقد قررت الحكومة التوقف عن نشر إعلانات في صحيفة هآرتس في أعقاب محاضرة ألقاها مالك الصحيفة عاموس شوكين في لندن قبل شهرين، اعتبر فيها مقاتلي حركة حماس أنهم "مقاتلون من أجل الحرية". وعلى الرغم من أن شوكين قد تراجع عن كلامه وادعى أنه لم يقصد الإشادة برجال "حماس"، ومع أن محرري وكتاب الصحيفة تنافسوا فيما بينهم لمهاجمة الحركة، بعد التصريحات المنسوبة إلى شوكين، أصرت الحكومة على مواصلة تطبيق القرار.
وقد أدى هذا الواقع إلى دفع القنوات التجارية إلى تبني خط على صعيد التغطية والتحرير ينسجم مع توجهات الخطاب الإعلامي للحكومة. ففي مقال نشرته هآرتس، لفت الكاتب عيدو دفيد كوهين إلى أن قنوات التلفزة الإسرائيلية باتت "نسخة كبيرة" من القناة 14، من حيث جوهر تغطيتها لمسار الحرب على قطاع غزة واستماتتها في الدفاع عن الرواية الحكومية وتجاهلها المتعمد الفظائعَ التي يرتكبها جيش الاحتلال.
ولعلّ أحد أبرز الأمثلة على منافسة القنوات الإسرائيلية، القناة 14، على دغدغة غرائز الانتقام لدى جمهور المشاهدين الإسرائيليين، ما أشارت إليه ياسمين ليفي، ناقدة الإعلام في "هآرتس" من إقدام داني كشمارو، أبرز مقدمي البرامج الحوارية في القناة 12 على توثيق نفسه وهو يضغط على زر جهاز كان بحوزة لواء المشاة جولاني لتفجير منزل في جنوب لبنان قبل ثلاثة أشهر أثناء العدوان على لبنان، حيث بُثّ هذا المشهد في حينه مباشرة في برنامج "أستوديو الجمعة" الذي يقدمه.
وقد أفضى هذا الواقع إلى تكريس نمط الصحافة المجندة، التي يرى البعض في إسرائيل أنها تضر بمصالح الدولة الاستراتيجية.
وقد حذر جنرال الاحتياط إسحاق بريك، الذي تولى عدداً من المواقع المرموقة في قيادة الجيش الإسرائيلي من خطورة "الصحافة المجندة" وأثرها في تضليل الجمهور من خلال سعيها لتبييض صورة الحكومة. ففي مقال نشرته أخيراً صحيفة معاريف، كتب بريك: "الصحافة المجندة إحدى أخطر المشكلات التي يواجهها شعب إسرائيل لأنها تحثو التراب في عيون الجمهور ولا تطلعه على الحقيقة وهو ما أسهم في جعل هذا الجمهور لا يبالي لأنه يعتقد أن الأمور تسير على ما يرام، مما يجعله لا يمارس الضغوط على المستويين السياسي والعسكري لتغيير الواقع".
وقد أدى هذا الواقع إلى إقرار المؤسسات الصحافية العالمية المستقلة بواقع حرية الصحافة البائس في إسرائيل. فبحسب مؤشر حرية الصحافة الأخير الذي صدر عن منظمة مراسلون بلا حدود (مقرها باريس) حلت إسرائيل في المرتبة101، من أصل 180 دولة.

المساهمون