توثيقٌ فلسطينيّ يدين جرماً إسرائيلياً

توثيقٌ فلسطينيّ يدين جرماً إسرائيلياً

23 نوفمبر 2020
رونا سيلع: أرشفة التوثيق الفلسطيني (يوتيوب)
+ الخط -

 

يُثير الفيلم الوثائقي نقاشاً دائماً. مفرداته وأقواله وآليات اشتغاله، غربياً وعربياً، تزداد أهمية وجماليات. علاقته بالأرشيف سؤال يُحرّض دائماً على تفكير وتأمّل، فالأرشيف ـ السرّي الذي يُكشف عنه أو عن بعضه لاحقاً، وغير السرّي لكنْ غير المبثوث أو المنشور أو المُتداول ـ مليء بمواضيع تصلح لإنتاجات كثيرة. الذاكرة والتاريخ يضخّان معطيات ومرويات شفهية، قابلة للتحوّل إلى صُوَر وثائقية، يتفنّن مخرجون كثيرون في صُنعها.

الصراع الفلسطيني مع الكيان الإسرائيلي غير ناضب. أشكاله متنوّعة. بعضه يتّخذ من الأرشيف، المُغلق عليه، مادة حيّة لكشف واقع أو لتأكيد مقولة أو لتثبيت حقيقة. الصُور، الفوتوغرافية والمُسجّلة تلفزيونياً أو تسجيلياً، كفيلة بتبيان مخفيّ يُريد الإسرائيلي إخفاءه، بل تغييبه، لترويج رواية يكتبها هو، نصّاً وصُوراً، كما يحلو له. اشتغالات على أرشيفٍ كهذا أداة فعّالة في مزيدٍ من تعرية وحشٍ إسرائيلي صهيوني، رغم أنّ وحشاً كهذا غير مُحتاج إلى أدوات تعرية، فعنفه وبطشه وتزويره مكشوفة كلّها، والأرشيف إضافة موثّقة تؤكّد عنفه وبطشه وتزويره.

نصوصٌ واعترافات موثّقة، يكتبها ويقولها إسرائيليون، جزءٌ أساسيّ من أرشيف تحاول إسرائيل طمسه، بينما يجهد باحثون ومنقّبون ومؤرّخون، إسرائيليون وغير إسرائيليين، في إعادته إلى الضوء. "نهب وإخفاء" (2017) مثلٌ على ذلك (الكتابة عنه نابعةٌ من مُشاهدةٍ متأخّرة له): وثائقي للإسرائيلية رونا سيلع يندرج في إطار التنقيب عن المخبّأ في الأرشيف، الذي يُدين عدواً من خلال أفعاله الجُرمية، وبعض تلك الأفعال يتمثّل بنهب أرشيف فلسطيني مُصوّر، يكشف توثيق الفلسطيني فصول يومياته، منذ ما قبل نكبة 1948 إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

 

 

الأرشيف الفلسطيني منهوبٌ، ففيه إدانةٌ لأفعال جُرميّة إسرائيلية صهيونية، وهذا يقوله ضابط إسرائيلي لن يظهر وجهه أمام الكاميرا، إذْ ينتبه إلى صُور أرشيفية تُذكّره بلحظات نهب ممنهج للأرشيف الفلسطيني من "مركز الأبحاث الفلسطيني" في بيروت، لأنّ جنوداً إسرائيليين يتنبّهون إلى أنّ الصُور الفوتوغرافية، تحديداً، برهان على نضال يومي للفلسطيني، بغير السلاح أيضاً. صُوَر كهذه ملتقطة في أماكن مختلفة في فلسطين المحتلّة، تؤكّد أنّ الفلسطيني يُطارد عدوّه في كلّ مكان، ويوثّق أفعاله الجُرمية في كلّ مكان.

نهبٌ كهذا، في مراحله التاريخية المختلفة، يعكس رعب الإسرائيليّ الصهيونيّ من صُوَر وأشرطة مسجّلة، لأنّها كفيلةٌ بإدانته وتأكيد جرائمه. "نهبٌ وإخفاء" يُبرهن أنّ الإسرائيليّ الصهيونيّ يسرق الصُور وينهب الأرشيف ويتلاعب بالكلمات، وأنّه غير مُتردّد عن تفتيش جثث فلسطينيين يقتلهم، لإخفاء ما يملكونه من صُور، هي جزءٌ من هويتهم وتاريخهم وحكاياتهم. يُبرهن أيضاً أنّ هذا العدوّ يمنح نهب الأرشيف والوثائق وسرقتها وقتاً وجهداً أساسيين في حروبه وجرائمه، لأنّ في أرشيفٍ ووثائق كهذه إدانة مؤكّدة له.

الفيلم الوثائقيّ هذا مُنبثق من توثيق تُصدره رونا سليع في كتاب "لمعاينة الجمهور ـ الفلسطينيون في الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية" باللغة العبرية (2009)، قبل أنْ يُترجمه علاء حليحل إلى اللغة العربية، يُصدره "المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)" في رام الله (2018)، مع مقدّمة لأنطوان شلحت، يُشير فيها إلى أنّ الاستنتاجات الفكرية، التي يتضمّنها الكتاب، لن تكون أقلّ أهمية واستبصاراً: "الاستعمار الصهيوني الكولونيالي لفلسطين، في 1948 كما في 1967 وصولاً إلى يومنا الراهن، لم يتمّ في الحيّز الجغرافي فحسب، بل أيضاً في حيّزَي الوعي والذاكرة"، مضيفاً أنّه "في هذا السياق، يُنظر إلى الأرشيفات الكولونيالية، على غرار الأرشيف الإسرائيلي، بصفتها مواقع لإنتاج الرواية التاريخية، بواسطة منظومات محو وإخفاء".

المساهمون