تكوين الذكريات: اكتشاف مسار لفهم الذاكرة طويلة الأمد

20 ديسمبر 2024
حجب الذاكرة قصيرة المدى لم يعُق تكوين الذاكرة طويلة المدى (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اكتشف الباحثون مسارًا جديدًا لتكوين الذكريات طويلة الأمد بشكل مستقل عن الذكريات قصيرة الأمد، مما يغير الفهم التقليدي للذاكرة ويشير إلى مرونة أكبر في الدماغ.
- استخدم الباحثون تقنية البصريات الجينية لتعطيل إنزيم CaMKII في الفئران، مما منع تكوين الذاكرة قصيرة الأمد، ومع ذلك، تشكلت الذاكرة طويلة الأمد بشكل مستقل.
- يفتح الاكتشاف آفاقًا جديدة لفهم ومعالجة الاضطرابات المرتبطة بالذاكرة، ويثير تساؤلات حول إمكانية تعزيز المسار الموازي لتكوين الذاكرة طويلة الأمد علاجياً.

اكتشف باحثون في علم الأعصاب مساراً جديداً لتكوين الذكريات طويلة المدى في الدماغ. تشير نتائج الدراسة التي نشرت يوم 5 ديسمبر/كانون الأول الحالي في مجلة Nature Neuroscience إلى أن الذاكرة طويلة الأمد يمكن أن تتشكل مستقلةً عن الذاكرة قصيرة الأمد، وهو الاكتشاف الذي يفتح إمكانات مثيرة لفهم الحالات المرتبطة بالذاكرة.

يُنقَل جزء صغير من الذكريات قصيرة المدى -تلك الأكثر صلة بنا- إلى ذاكرتنا طويلة المدى، حيث تُخزَّن لأيام أو سنوات أو عقود. يشبّه العلماء الذاكرة برحلة من التجارب المسجلة والمخزنة داخل الدماغ. تقترح النظريات التقليدية أن تشكيل الذاكرة يتبع مساراً خطياً، تشفر التجارب أولاً كذكريات قصيرة الأمد ثم تدمج في ذكريات طويلة الأمد.

في الدراسة الجديدة يقدم الباحثون تحولاً جذرياً، يفترض وجود مسار موازٍ، حيث يمكن أن تتشكل الذكريات طويلة الأمد بنحو مستقل عن الذكريات قصيرة الأمد.

تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة ميونغ شين، زميلة الأبحاث في علوم المخ والأعصاب في معهد ماكس بلانك للعلوم العصبية، إن هذا الاكتشاف "يشبه العثور على مسار سري إلى معرض دائم في الدماغ". وتضيف الباحثة في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن النظرية السائدة اقترحت وجود مسار واحد تُدمَج فيه الذكريات قصيرة الأمد في الذكريات طويلة الأمد. "ومع ذلك، لدينا الآن أدلة قوية على وجود مسارين متميزين على الأقل لتكوين الذاكرة، أحدهما مخصص للذكريات قصيرة الأمد والآخر للذكريات طويلة الأمد. هذا قد يعني أن أدمغتنا أكثر مرونة مما كنا نعتقد سابقاً".

ركز فريق البحث على إنزيم حيوي في الخلايا العصبية يسمى CaMKII، الذي يلعب دوراً حيوياً في تشكيل الذاكرة قصيرة المدى. باستخدام نهج مبتكر في علم البصريات الجينية، عطّل العلماء هذا الإنزيم مؤقتاً باستخدام الضوء، ما أدى إلى منع تكوين الذاكرة قصيرة المدى في الفئران بشكل فعال.

تدور التجربة حول اختبار سلوكي: الفئران تفضل بشكل طبيعي الأماكن المظلمة، ولكن عندما تخاف في مكان مظلم معين، فإنها عادة ما تتجنبه في المستقبل.

توضح شين أنه عندما عطّل الباحثون تكوين الذاكرة، بدا أن الفئران تنسى تجربتها المخيفة في غضون ساعة وتدخل المساحة المظلمة مرة أخرى بسهولة. ومع ذلك، جاءت المفاجأة بعد أيام أو أسابيع أو حتى أشهر. الفئران نفسها التي لم تظهر أي تذكر للحدث بعد حدوثه بفترة قصيرة بدأت تتجنب المساحة المظلمة مع مرور الوقت، ما يشير إلى وجود دليل واضح على تكوين الذاكرة طويلة الأمد.

تشير هذه النتيجة غير المتوقعة إلى أن حجب الذاكرة قصيرة المدى لم يعُق تكوين الذاكرة طويلة المدى. "لقد فوجئنا في البداية بهذه الملاحظة، لأنها كانت غير متسقة مع كيفية اعتقادنا بتكوين الذكريات. لم نكن نعتقد أن من الممكن أن يكون هناك ذاكرة طويلة الأمد لحدث ما دون وجود ذاكرة قصيرة الأمد. ومع ذلك، بعد تكرار هذه التجارب واستخدام أدوات وأساليب متعددة للتحقق من نتائجنا، اقتنعنا" تقول الباحثة، وتلفت إلى أنه بدلاً من أن يكون تشكيل الذاكرة طويلة الأمد عملية خطية تتطلب وجود الذاكرة قصيرة الأمد، يجب أن يوجد مسار موازٍ لتشكيل الذاكرة طويلة الأمد يتجاوز الذاكرة قصيرة الأمد.

وفقاً للمؤلفين، فإن اكتشاف مسار موازٍ لتكوين الذاكرة طويلة الأمد له تداعيات كبيرة على فهم الحالات المتعلقة بالذاكرة ومعالجتها. أكدت شين إمكانات هذا الاكتشاف في تحسين العلاجات المتعلقة بالاضطرابات الإدراكية وتدهور الذاكرة المرتبط بالعمر. "هذا الاكتشاف الجديد قد غير فهمنا. نحن الآن نحقق في كيفية حدوث هذا المسار المكتشف حديثاً لتكوين الذاكرة طويلة الأمد"، تقول الباحثة.

تحدى هذا الاكتشاف الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن الذاكرة طويلة الأمد تعتمد فقط على الذاكرة قصيرة الأمد ويثير تساؤلات جديدة عن الآليات وراء تشكيل الذاكرة. على سبيل المثال، هل يمكن للدماغ الاستفادة من هذا المسار الموازي للاحتفاظ بالذكريات طويلة الأمد لدى الأفراد الذين يعانون من عجز في الذاكرة؟ هل من الممكن تفعيل أو تعزيز هذا المسار علاجياً؟ وهو ما يفتح آفاقاً أوسع لعلم الأعصاب، وفقاً للدراسة.

المساهمون