استمع إلى الملخص
- مواقع مثل "كلير ستوري نيوز" تنشر تقارير كاذبة باستخدام مصادر مشبوهة لتبدو موثوقة، مستغلة ثقة الجمهور بوسائل الإعلام التقليدية.
- في ظل فوضى المعلومات، تتزايد أزمة الثقة في الصحافة، حيث تستخدم الجهات المعادية أدوات الذكاء الاصطناعي لتقليد المؤسسات الموثوقة، مما يسهل انتشار الروايات الكاذبة.
ادعى موقع إخباري مزيف، زوراً، أن رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي يدفع أموالاً لصحافيين غربيين لتشويه صورة الرئيس الأميريكي دونالد ترامب، في إطار سلسلة من التقارير المضللة التي تنشرها مواقع مرتبطة بروسيا تحاكي وسائل الإعلام الحقيقية. ووفقاً لباحثين، فإن هذه الأساليب التضليلية، التي تأتي وسط جهود دولية مكثفة لإنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات مع روسيا، تهدف إلى تقويض أوكرانيا وزعزعة ثقة الجمهور بوسائل الإعلام الرئيسية.
وتعد هذه المزاعم جزءاً من اتجاه متزايد يتمثل في نسب معلومات كاذبة إلى مؤسسات إعلامية معروفة، ما يبرز كيف يجرياستغلال وسائل الإعلام لنشر معلومات مضللة حول أوكرانيا.
رسائل مزيفة ومصادر مشبوهة
في وقت سابق من هذا الشهر، نشر موقع "كلير ستوري نيوز" تقريراً كاذباً زعم فيه أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يستخدم أموال دافعي الضرائب الأميركيين لدفع رواتب صحافيين غربيين لاستهداف ترامب. وأرفق التقرير بصورة لرسالة يُفترض أنها صادرة عن مكتب زيلينسكي إلى رئيس البرلمان الأوكراني، تطالب بوضع "خطة" لـ"خلق صورة سلبية" عن ترامب.
لكن وفقاً لمنصة التحقق الإعلامي InVID، فإن الرسالة مزيفة، حيث أُجري تعديل رقمي على الختم والتوقيع، كما أن تنسيقها لا يتطابق مع خطابات زيلينسكي الرسمية، حسب ما أفاد موقع نيوزغارد المختص بمكافحة التضليل الإعلامي. وصنف "نيوزغارد" موقع كلير ستوري نيوز ضمن المنصات الروسية المؤثرة، مشيراً إلى صلته بالمطلوب الأميركي جون مارك دوغان، الذي فر إلى روسيا وأصبح أحد مروجي الدعاية الكرملينية. بعد أسبوع من نشر التقرير، ظهر المقال والرسالة المزعومة على موقع USATimes.news، وهو موقع آخر يشتبه الباحثون في أنه مدعوم من روسيا.
روسيا وإيران
تحاول هذه المواقع جعل المعلومات الكاذبة تبدو أكثر مصداقية من خلال استغلال ثقة الجمهور بوسائل الإعلام الحقيقية.
وقالت الباحثة في "نيوزغارد" ماكنزي سادغي لوكالة فرانس برس: "غالباً ما تصمم هذه المواقع لتقليد أسلوب وتخطيط وهوية الصحف المحلية التقليدية، ما يساعد في تمرير الروايات الكاذبة عبر مصادر تبدو مستقلة وجديرة بالثقة". وأضافت أن الهدف ليس مهاجمة الإعلام مباشرة، بل "الركوب على موجة مصداقيته للوصول إلى جمهور قد يكون متشككاً تجاه مصادر الدعاية الرسمية". وحتى الآن، حددت "نيوزغارد" 1,265 موقعاً تزعم أنها تقدم أخباراً محايدة، لكنها في الواقع مدعومة من جهات حزبية أو حكومات معادية، بما في ذلك روسيا وإيران.
ادعاءات كاذبة
في الشهر الماضي، دحض مدققو الحقائق في فرانس برس ادعاءً زائفاً بأن زيلينسكي اشترى مقر أدولف هتلر السابق "عش النسر" في ولاية بافاريا الألمانية. ونُشرت هذه المزاعم عبر موقع ألماني يدعى aktuell-nachricht.de، ويزعم أنه وسيلة إعلامية، لكنه لا يحتوي على تاريخ نشر للمقال أو اسم كاتبه. كما أدرج الموقع اسم شركة وعنواناً في صفحة التعريف الخاصة به، لكن فرانس برس لم تتمكن من العثور على أي منهما.
ووفقاً للمنظمة الألمانية غير الربحية Correctiv، فإن هذا الموقع مرتبط بشبكة التأثير الروسية المسماة Storm-1516. وقد ربط مسؤولون استخباراتيون غربيون وباحثون في التضليل الإعلامي هذه الشبكة بجون مارك دوغان، الذي كان نائب شريف في فلوريدا قبل أن يسافر إلى روسيا هرباً من تهم تشمل الابتزاز.
عصر فوضى المعلومات
تقول سادغي: "المفارقة هي أن الجهات التي تقف وراء هذه العمليات غالباً ما تكون معادية تماماً لوسائل الإعلام الرئيسية، لكنها تبذل جهوداً هائلة لتقليدها". وأوضحت أن سيل الأكاذيب الذي تروجه هذه المواقع يعكس واقعاً جديداً في عصر فوضى المعلومات، حيث تتزايد أزمة الثقة في الصحافة السائدة. في السابق، كانت المواقع الدعائية تعتمد على فرق من الكُتّاب، لكن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي توفر الآن وسيلة أرخص وأسرع لإنشاء محتوى مزيف يصعب تمييزه عن المعلومات الحقيقية. إلى جانب ذلك، هناك اتجاه متزايد يتمثل في إسناد معلومات زائفة إلى مؤسسات إعلامية مرموقة.
تقليد وسائل الإعلام الكبرى
من بين الأمثلة على ذلك، مقطع فيديو صُمّم ليبدو كأنه تقرير من "وول ستريت جورنال"، يروج مزاعم كاذبة بأن نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس رفض لقاء مسؤول أوكراني رفيع المستوى. كما جرى تداول غلاف مزيف لمجلة إيكونوميست يحذر من "نهاية العالم" والحرب العالمية الثالثة بسبب الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا.
وحذر تقريرٌ منفصلٌ لـ"نيوزغارد" من أن "مُروّجي المعلومات المضللة يُقلّدون عمداً أسماء وشعارات وتنسيقات المؤسسات الإخبارية الموثوقة، بما في ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي، لجعل ادعاءاتهم الكاذبة تبدو حقيقية". وأضاف التقرير: "إنهم يستغلون مصداقية هذه المؤسسات، ويهدفون إلى زيادة فرص انتشار هذه الرواية الكاذبة على نطاق واسع، وتصديقها على الرغم من أنها لا أساس لها من الصحة".
(فرانس برس، العربي الجديد)