استمع إلى الملخص
- فيلم "تفاوض تحت النار" يوثق الوساطة القطرية بين طالبان والولايات المتحدة من 2001 إلى 2021، ويعرض التحديات التي واجهتها في أفغانستان، عُرض في "منتدى قطر للوساطة".
- يركز الفيلم على التاريخ السياسي للمفاوضات باستخدام الوثائق والشهادات الحية، مع رسومات غرافيك لتقديم تعبير بصري، مع الحفاظ على الحياد وكسب ثقة الأطراف.
تنفرد قطر بين دول العالم بجعلها فض المنازعات والوساطة وتشجيع آليات الأمن والسلم الدوليين بطرق سلمية مادة دستورية وردت في المادة السابعة من الدستور القطري الصادر عام 2003. بذلك، لا يستغرب اختيار الدوحة لهذا الدور في ملفات سياسية دولية خطيرة، دعمت هذا الاختيار ثقة أفرقاء سياسيين في العالم في الدور المحايد الذي تلعبه الوساطة القطرية، وكذلك الخبرة التي اكتسبتها عبر سنوات طويلة في مهمة بالغة الصعوبة.
واختار قطاع البرامج في التلفزيون العربي إنتاج فيلم وثائقي عن الوساطة القطرية طويلة المدى منذ 2001 حتى 2021 بين طالبان والولايات المتحدة الأميركية. في زمن قياسي، أنجز الفيلم "تفاوض تحت النار.. كواليس الوساطة القطرية في أفغانستان"، وعُرض أخيراً ضمن "منتدى قطر للوساطة" الذي عقد دورته الأولى بتنظيم مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني التابع للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة. والفيلم واحد من نوع وثائقي يكون الجهد المركزي فيه حكماً هو البحث والإعداد.
هذا الفيلم الخاص بمفاوضات أفغانستان السادس في سلسلة وثائقيات بعنوان "كواليس"، بدأ التلفزيون العربي منذ سنة ببثها. وعقب عرض الفيلم، دعا مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، غسان الكحلوت، في كلمة إلى إكمال التجارب الوثائقية التي تعلقت بملفات سياسية تفاوضية كبرى مثل دارفور وتشاد، وبالتأكيد المفاوضات الأخيرة المستمرة منذ 14 شهراً من دون انقطاع إلا لأوقات قصيرة والمتعلقة بفلسطين والعدوان على غزة.
وكان فيلم "تفاوض تحت النار" من أكثر العروض الوثائقية إثارة، لأنها بالفعل لم تكن مفاوضات في أوقات الهدنة، بل بقيت تراوح صعوداً وهبوطاً في عمليات شد وجذب، وكان الوسيط القطري يشرف على أدق التفاصيل ويعاين الحساسيات التي لطالما هددت بانهيار المفاوضات، ومن ذلك التهديد والوعيد من طرف والرد بتصعيد لا يقل مستوى، بما رافق ذلك من انتظار الوسيط وصبره وبحثه الدؤوب عن حلول وسط.
تتبع الوثائقي مراحل حرجة من تاريخ أفغانستان، بدءاً من سقوط كابول وانهيار نظام طالبان، مروراً بتدخل قطر لدعم الوساطة عبر الملا عبد السلام ضعيف، ودورها في اقتراح حضور طالبان مؤتمر بون، وصولاً إلى استضافة محادثات السلام في الدوحة بناءً على اقتراح من الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان. كذلك برزت أهمية فتح مكتب طالبان في الدوحة بوصفها خطوة محورية لتمكين الحوار بين الأطراف المتنازعة.
وحين رأينا الشخصية الهامة وصاحبة الكاريزما، الملا عبد الغني برادر، يفاوض الأميركان، فإن المشهد لا يكتمل بهذه السهولة، إذ قُطع طريق شائك لجعل أحد السجناء الطالبانيين في سجون باكستان لصالح أميركا طرفاً يقبل الأميركي بوساطة قطرية الإفراج عنه ليصبح على الطرف المقابل من طاولة التفاوض. وقد مهد حضور برادر في المشهد لحوار مباشر بين الولايات المتحدة وطالبان، خصوصاً خلال مرحلة إدارة الرئيس باراك أوباما.
وجاءت في الفيلم مراحل مفصلية في تاريخ المباحثات، من بينها أول لقاء بين السفير القطري مطلق القحطاني مع المبعوث الأميركي، زلماي خليل زاد، وكذلك شهادة محمد المسند، مستشار أمير قطر للأمن الوطني وللسفير القطري مطلق القحطاني المبعوث الخاص لوزير الخارجية لمكافحة الإرهاب وفض المنازعات سابقاً، وسفير دولة قطر لدى مملكة هولندا ومحمد سهيل شاهين عضو وفد التفاوض عن طالبان، ورئيس مكتب حركة طالبان في الدوحة، إلى جانب رونالد نيومان سفير الولايات المتحدة السابق في أفغانستان.
وفي مناقشة أعقبت العرض الذي أقيم في قاعة الريان في فندق الشيراتون، وأدارها الإعلامي في التلفزيون العربي محمد اليحيائي، تحدثت دينا الدمرداش مديرة قسم الوثائقيات والتحقيقات في الفضائية عن أبرز مزايا هذا الشغل الوثائقي الخاص بالكواليس. قالت إن الفعل السياسي له شكل ملفات ووثائق تسجّل ما كان يجري طوال مدة التفاوض بين الأطراف المتنازعة، وبرنامج "كواليس" الذي ينتجه التلفزيون العربي "يفكر في أن يقدم إلى المشاهد تاريخاً على شكل قصة، بما يجعل الرهان أكثر ليس على الوثائق، وهي مهمة فعلاً، ولكن أيضاً على الشهادات الحية من شخصيات فاعلة، وهو الأمر الذي حققناه في هذا الفيلم". ولفتت إلى أن هذا التوجه يأخذ وقتاً طويلاً ومضنياً للتأكد من أدق التفاصيل، والتعبير عنها بصرياً من خلال رسومات الغرافيك لإعطاء أقرب تعبير إنساني عن وقائع لم نكن موجودين فيها، في أثناء وقوعها.
أما منتج برنامج "كواليس"، محمد عبد العزيز، فتناول تفاصيل البحث في المواد التي تحمل الفيلم نحو سيرورة قصصية مكتملة قدر الإمكان، مثل جمع المعلومات وفحص المذكرات، معلقاً بأنّ من المشوق تذكر هذه الرحلة، وصولاً إلى عرضها في الفندق ذاته الذي كانت تجري فيه المفاوضات. ولفت إلى أن الغرف المغلقة السرية تخبئ سيرة دبلوماسية حاول القائمون على الفيلم الوصول إلى مقاربة موضوعية تحكي القصة من دون أن تكوّن رأياً مباشراً، ولربما هذا يشبه إلى حد بعيد أمثولة الوساطة نفسها التي تدعو إلى الحياد حتى تكسب ثقة طرفين، كما قال. بدت الحوارات غير طويلة، بما يشير إلى مونتاج يسميه المشتغلون في الحقل الفيلمي "المخرج الأخير"، وهو هنا كان معتمداً على جمل قصيرة، كما أوضح عبد العزيز، بغية عمل حوار بين ثلاثة أطراف: طالبان وأميركا وقطر.
كالعادة، لا يمكن للفيلم أن يقول كل شيء، وليس مضطراً إلى فعل ذلك. فهو هنا، رداً على سؤال، قال عبد العزيز إن ثمة شهادات عديدة تتعلق بالمعونات الخيرية التي قدمتها قطر، غير أن التأسيس درامياً لفيلم مدته ساعة تلفزيونية (57 دقيقة) يضطر إلى أخذ زاوية وترك أخرى.