تغطية أفغانستان في الدنمارك: جدل المهنية والحياد

تغطية أفغانستان في الدنمارك: جدل المهنية والحياد

27 اغسطس 2021
تنتشر تصريحات تطالب بمنع وصول الأفغان إلى الغرب تزامناً مع حملة الإجلاء (فرانس برس)
+ الخط -

أين هي حدود المهنية في تغطية الحدث الأفغاني؟ سؤال يتدحرج سريعاً نحو جدل عن تعاطي وسائل إعلامية غربية حين يكون على لسان مراسل/ة، بخلط الموقف الشخصي بالقصة الإخبارية، وهو سجال لا بد سيتوسع بعد أن صارت القصة تعكس "انطباعات" ومواقف تقرع "الغرب" و"شعب أفغانستان الذي لم يقاتل طالبان" على المقلب الآخر. هذا عدا عن أن تناقض الخطابين الإعلامي "المتعاطف بقوة" مع الشعب الأفغاني، بما في ذلك تقديم قصص "بطولية" في إنقاذ هنا وهناك  من ناحية، والمشهد مع تصريحات ساسة أحزاب وحكومات عن ضرورة "تجنب وصول الأفغان"، إلى أوروبا على الأقل، في الجانب الآخر. 

في السياق، تبرز قصة مراسلة دنماركية كنموذج على مجمل التناقض الحاصل. فقد وجدت مراسلة "القناة الثانية" (TV 2) الدنماركية، سيمي جان، نفسها وسط عاصفة من اتهام "غياب الحيادية". غادرت جان بالاتجاه المعاكس، نحو كابول، لتقدم مراسلَتها من هناك اتهامات ضمنية عن تحيزها وعدم مهنيتها. رغم ذلك لم تثر تغطيتها تلك امتعاضاً، لكنها ما أن كتبت على موقعها الشخصي رأياً، لم يشذ بالأساس عن التغطية، حتى فُتح عليها النار من مواطنيها وساسة في كوبنهاغن. 

القصة ببساطة أن جان ظلت تقدم الحدث الأفغاني من عدسة ولغة صحافية تتحدث عن "مليشيات" تسيطر على كابول وعن النساء، كما في بقية التغطية الإعلامية في بلدها الدنمارك التي تبرز من ناحية بشاعة السيطرة على كابول ومنع "آلاف اليائسين التعلق بالطائرات والوصول إلى المطار". وفي الأخرى موقف غريب يقول: صفر لاجئين من أفغانستان، بانهماك سياسي واضح، ليس فقط من جانب اليمين المتشدد، بل حتى من يسار الوسط الحاكم. 

بعد أسبوع على التغطية، انهمرت الاتهامات لها بغياب المهنية والحيادية وانتهاج تحيز حيال الخبر الأفغاني لأنها كتبت على حسابها في "تويتر": "هذا الذي يجري ليس مأساة (تراجيديا) تتكشف. هذا خذلان لا يُقارن، وأشعر بالعار، كدنماركية وأوروبية وكامرأة وأم وابنة، وكإنسانة، أن يجري كل هذا باسمنا، فكل ذلك كان يمكن تجنبه". وبعد ذلك قامت بالإشارة إلى وسمي "السياسة الدنماركية" #dkpol و"الإعلام الدنماركي" #dkmedier.

تغريدتها تلك اعتبرت "مخزية" و"غير محترمة". والنار التي فتحت عليها ليس لأنها اعتبرت "متحيزة" في نقلها واقع محاصرة قوات طالبان لمطار كابول ومشاهد الباحثين عن طرق خروج خوفا من بطش الحركة التي تسيطر على البلاد، بل لأنها لامست ازدواجية التعاطي الأوروبي، وبلدها، مع القضية الأفغانية. بمعنى شعور مراسلة بـ"العار" تصدر تغطية بعض الصحافة، كشركة "بيرلنغكسا" الإعلامية الليبرالية التي نقلت غضب الناس من مشاعر وعاطفة مراسلة صحافية إزاء مشهد غير إنساني يمر فيه الأفغان. وصل الأمر بأحد قادة حزب "الشعب الدنماركي" القومي المتشدد، وهو متحدث باسم لجنة الخارجية والدفاع فيه، سورن إسبرسن، إلى القول إن المراسلة "سمحت لنفسها أن يأخذها الوضع بعيدا". وصلة اتهامات مطولة قدمها إسبرسن، ونقلتها صحافة كوبنهاغن، الثلاثاء الماضي، باعتبار ما دونته المراسلة "غير محترم، فهذا الشيء المتعلق بخجلنا وعارنا استمعنا إليه لـ25 سنة، هذا هراء، فالشعب الأفغاني هو الذي سمح لطالبان (بالسيطرة) والقاعدة بإقامة معسكرات إرهابية في بلادهم. لقد تصرفت قواتنا المتحالفة بشكل مثالي في الحرب". وذكر هذا السياسي المتشدد أن الغرب، بمن فيه القوات الدنماركية، "أعادوا بناء الجسور وغيرها من الأشياء التي دمرتها الحرب". وطالب إسبرسن القناة الثانية التلفزيونية أن "تشرح لسيمي جان أن هناك حدودا لما يمكن للصحافي أن يذهب إليه في تغطيته". 

لم يقتصر الأمر عند المستوى السياسي المتوسع في رده الغاضب على لسان برلمانيين دافعوا عن مشاركة بلادهم، الدنمارك، في التحالف. فقد وجدت ردود أفعال المواطنين العاديين طريقها إلى الصحافة أيضاً، مذكرين إياها بأن "صياغة التقارير المشحونة عاطفيا ونشرها على وسائل التواصل ليست من المهنية، وبـ"تضحيات كوبنهاغن ومقتل 44 جنديا دنماركيا". بل ذهب البعض للقول: "لست خجولا ولا أشعر بعار. لقد فقدنا 44 جنديًا في حرب تحرير شعب لا يريد أن يقاتل من أجل هذه الحرية بنفسه، لكنهم يفرون بمجرد ظهور طالبان"، كما كتب كورت جانيك في رده على الصحافية المراسلة. هذا إلى جانب عشرات الردود الغاضبة التي تحمل شعب أفغانستان مسؤولية سيطرت طالبان بلغة مباشرة، وأحيانا فوقية وتسخر من الواقع الأفغاني برمته، خالطين بين رفض استقبال الأفغان وإبداء التعاطف مع النساء على وجه الخصوص. وحاول البعض التعاطف معها بالقول: "تقاريرك تلمسني بعمق. بصفتك صحافية، غالبًا ما يُقال لك إن إظهار المشاعر أمر غير مهني، لكن بالنسبة لي، إنه أمر قوي للغاية"، كما كتبت شارلوت هيدمان إيلسو. 

ومن جانبهم، ذهب صحافيون، ومن بينهم مراسل حربي سابق، مثل لاسى يانسن، لتفهم وضع المراسلة في منطقة نزاع معتبرًا أنه "أمر مفهوم عندما يبدأ الصحافيون في الحديث عن مشاعرهم، وخصوصا إذا كان المراسلون يرون التهديدات ضد السكان المحليين الذين عملوا معهم لسنوات، وقد يكون ذلك سببا آخر لظهور المزيد من المشاعر الشخصية في التغطية". وشدد يانسن، بحسب ما نقلت "بيرلنغسكا"، على أن تزايد الطلب على المراسلين التلفزيونيين "يجعل من الصعب، كحال كابول، الحصول على معلومات موثوقة لنقلها، وهذا يعني أن الصحافي يستعيض عن ذلك باللجوء إلى التحدث عن مشاعره". 

من ناحيته، ذكر أستاذ "المدرسة الدنماركية للإعلام والصحافة"، فليمنغ تايت سفيث، أنه "هناك ميل أكثر عند الصحافيين في وسائل الإعلام التقليدية للظهور بمواقف شخصية، كعلامة تجارية، أكبر من ذي قبل، وخصوصا إظهار العاطفة على التلفزيون". وقال سفيث إن "المؤثرين وغيرهم على وسائل التواصل لا يخفون مشاعرهم وآرائهم القوية". 

وفي جواب عما إذا كان هناك تغيير في الخط التحريري والسماح بإظهار المشاعر الشخصية لصحافية، رفض محرر الشؤون الخارجية في القناة الثانية ياكوب فيسينغ، وجود أي تغيير. وذكر فيسنغ بأننا "نشهد مأساة من صنع الإنسان حيث لا يستطيع الأفغان الذين مُنحوا الحماية الحصول عليها بسبب إخلاء فوضوي يتم انتقاده من جميع الجهات", واعتبر أن "سيمي جان بصفتها مراسلة في الخطوط الأمامية تتفاعل مع حقيقة أنها تتحمل المسؤولية باستمرار عن الأحداث حول أشخاص يائسين لا تستطيع مساعدتهم. ومن ثم فهي تبلور الشعور الذي تضطره للرد على هؤلاء الناس من دون توقف". 

المساهمون