استمع إلى الملخص
- تتكرر أسماء شركات التجسس الإسرائيلية مثل باراغون وإن إس أو، المرتبطة بالاستخبارات 8200، في القرصنة العالمية، مما يهدد الثقة في التطبيقات التكنولوجية وخصوصية المستخدمين.
- تواجه شركات التكنولوجيا تحديات بسبب تكنولوجيا التجسس الإسرائيلية، مما يثير تساؤلات حول دورها في التكنولوجيا العالمية وتأثيرها على حقوق الإنسان.
قبل أيام، أعلنت شركة واتساب (تملكها شركة ميتا) عن تمكّنها من إيقاف محاولة قرصنة أقدمت عليها شركة شركة باراغون الإسرائيلية، إذ تبين أن الأخيرة استهدفت نحو 90 شخصاً (لم تُحدد أسماءهم) من بينهم صحافيون وعاملون في المنظمات المدنيّة. استهداف "واتساب" يعني استهداف المحادثات المشفرة التي تدعي "ميتا" نفسها أنها لا تستطيع معرفة محتواها، ما يعني أن الشركة الإسرائيلية أفقدتنا الثقة حتى في هذا النوع من التطبيقات التي تدّعي حماية بيانات ومحادثات المستخدمين. بصورة ما، هدّدت إسرائيل أساليب التواصل الآني التي تفخر بها شركات التكنولوجيا الحديثة.
يتكرّر دائماً عند الحديث عن برامج التجسس التابعة لإسرائيل اسم جهاز الاستخبارات 8200، المسؤول عن أغلب تطبيقات وشركات القرصنة والتجسس العالميّة، إذ سبق "باراغون" شركة إن إس أو مطورة برمجية بيغاسوس للتجسس. هناك عناصر من الفرقة الإسرائيلية الاستخباراتيّة نفسها في الشركتين.
يكمن القول، خصوصاً بعد تفجيرات أجهزة "بيجر" تابعة لعناصر في حزب الله اللبناني على يد الاحتلال الإسرائيلي في سبتمبر/أيلول الماضي، توازياً مع جهود التنصت والتجسّس، إننا أمام خطر حقيقي من تحول التكنولوجيا الحديثة من شكل اقتصادي قائم على التواصل إلى شكل للهيمنة والسيطرة، وأحياناً تهديد حياة مستخدمي هذه التكنولوجيا التي تختصر بـ"القدرة على التواصل الآني".
ما تسعى إليه هذه الشركات الإسرائيلية (وربما نجحت) هو أن نفقد الثقة بهذه التطبيقات. وهنا نحن أمام صراع بين رأس المال والأهداف العسكرية والسياسيّة: هل ستسكت هذه الشركات عن الخسائر التي تلحق بها بسبب تكنولوجيا التجسس الإسرائيليّة؟ شركة ميتا، بعد اكتشاف حادثة "واتساب"، أرسلت إلى الشركة الإسرائيلية أمر "منع تعرض"، لكن هل هذا يكفي؟
الإجابة واضحة: لا. هذا ما يعيد إلى الأذهان مصطلح "الفيروسات المرتزقة"، في إشارة إلى التطبيقات والبرامج التي تستخدم لاختراق الهواتف والحواسب التي، للمفارقة، أغلبيتها تعود ملكيتها إلى إسرائيل. وجود الشركات الإسرائيلية في العالم الرقمي يهدّد هذه الشركات نفسها وقدرتها على الإيفاء بوعودها تجاه المستخدمين/المستهلكين.
هناك جانب آخر مرتبط بتطبيقات هذه الشركات، وهو حرماننا من الثقة والخصوصيّة، التي أصبح واضحاً الآن أنها مهددة بالانتهاك. لا توجد شركة نجت من عمليات القرصنة والتجسس. وهنا السؤال: ما الذي تعدنا به برامج ومنصات التواصل الاجتماعي؟ السرية والخصوصية، بشرط ألا نثير غضب عناصر الفرقة 8200 وإلا فإنها ستخترق أجهزتنا. هذا بالضبط الأثر السياسي لدولة الاحتلال في عالم التكنولوجيا، الذي من المفترض أن تعيد عمالقة التكنولوجيا/الشركات النظر في دور شركات التكنولوجيا الإسرائيليّة، فضلاً عن الدول نفسها التي أدانت هذه الشركات بوصفها تهديداً لحقوق الإنسان.
نحن أمام مرتزقة رقميين، مقنّعين بشركات تكنولوجيّة، كشركات السلاح التي تبيع "منتجاتها" من دون الاهتمام بتطبيقاتها العملية وأثرها. المفارقة أن هذه الشركات تزداد غنى وتنوعاً وقدرة على الاختراق. نعم هذه قواعد العمل التكنولوجي، لكن الواضح أن عمل القراصنة لم يعد كما كان سابقاً؛ ناشطون يريدون نشر بيانات حساسة، أو مخربون يسعون إلى الابتزاز، بل شركات بموظفين ورواتب، عملهم يتمثّل في تهديد نمط الحياة الذي فرضته التكنولوجيا المعاصرة، وترسيخ ما يسمّى "أثر الرعشة"، أي الخوف من الكتابة والتعبير عبر وسائل التواصل خوفاً من التسريب أو التجسس.
هذه ليست المرة الأولى التي تقاضي فيها "ميتا" شركة إسرائيلية؛ إذ سبق أن قاضت "إن إس أو" بسبب اختراقها هواتف نحو 1400 شخص عام 2019. عُرقلت المحاكمة قليلاً حينها، لأن الشركة الإسرائيلية باعت برمجياتها بموافقة الدولة لوكالات الاستخبارات الرسمية، ما جعل الاتهامات توجه للشركة وليست لدولة إسرائيل. هنا نعود للمشكلة الرئيسية: إسرائيل وما يرتبط بها يتمتع بمناعة فوق القانون، حتى إن ارتكبت الشركات التابعة لها جرائم وانتهكت خصوصية الأفراد.