استمع إلى الملخص
- قدمت الوكالة دعماً كبيراً لوسائل الإعلام المستقلة في 2023، بتدريب 6200 صحافي ودعم 707 منصات إعلامية في أكثر من 30 دولة، وسط تصاعد التوترات بين إدارة ترامب ووسائل الإعلام.
- أثر تجميد التمويل الأميركي بشكل كبير على وسائل الإعلام المستقلة في دول مثل أوكرانيا وكولومبيا، مما يهدد بخلق فراغ إعلامي تستغله الدول الاستبدادية لنشر الدعاية.
منذ وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، لم تتوقف تصريحاته وقراراته المثيرة للجدل، ومن أبرزها تجميده عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAid)، الأمر الذي يهدد اليوم استمرارية العديد من الجمعيات والمؤسسات المختلفة حول العالم، ومنها وسائل الإعلام المستقلة التي كان الكونغرس قد خصّص لها مبلغاً يصل إلى 268 مليون دولار في ميزانية العام 2025. وحذّرت منظمات صحافية وحقوقية، وعلى رأسها "مراسلون بلا حدود"، من أن تجميد المساعدات قد يؤدي إلى انخفاض عدد وسائل الإعلام المستقلة حول العالم، ما سيسمح بزيادة انتشار المعلومات المضللة وسيطرة الأجهزة الحكومية على الصحافة.
وكانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية قد قدمت، بحسب بياناتها، خلال عام 2023، التدريب والدعم لـ6200 صحافي، وساعدت 707 منصات إعلامية غير حكومية، ودعمت 279 منظمة غير حكومية لتعزيز وسائل الإعلام المستقلة، في أكثر من 30 دولة حول العالم، من ضمنها روسيا وإيران وأفغانستان.
ويصعّد ترامب حالياً خطابه المناهض للإعلام، ويعمل مع الملياردير إيلون ماسك الذي أصبح أقرب مستشاريه على التدقيق عن كثب في العقود الحكومية مع وسائل الإعلام، على خلفية خلافات عميقة بين الرئيس والصحافة. ووجدت "بوليتيكو" نفسها في قلب الهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشر أنصار ترامب، بمن فيهم ماسك، لقطات شاشة زعمت زوراً أنها تُظهر تحويل أكثر من 8 ملايين دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى المجلة. وأظهرت السجلات على موقع USAspending.gov، الذي يتتبع عبر الإنترنت المدفوعات الحكومية، أن الوكالات الفيدرالية دفعت نحو 8 ملايين دولار إلى "بوليتيكو" مقابل الاشتراكات، بما في ذلك خدمة "بوليتيكو برو". وأظهرت السجلات أن المدفوعات من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية كانت جزءاً صغيراً من هذا الإجمالي. لكن الحقائق لم تمنع ترامب من الادعاء زوراً بأن مليارات الدولارات من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووكالات أخرى ذهبت بشكل "غير لائق" إلى "وسائل الإعلام للأخبار الكاذبة" باعتبارها "مكافأة لاختلاق قصص جيدة عن الديمقراطيين". وفي سياق مشابه، دحضت شركة تابعة لمجموعة تومسون رويترز، أول من أمس الخميس، هجمات ترامب الذي اتهم وكالة رويترز للأنباء بالاستفادة من عقود البنتاغون بشكل غير قانوني. وهاجم ترامب وماسك وكالة رويترز بسبب عقد قيمته 9 ملايين دولار مع وزارة الدفاع الأميركية، وهو تمويل مُنح لشركة تعمل في الواقع بشكل منفصل عن وكالة الأنباء. وقال ماسك عبر منصة إكس التابعة له، الأربعاء، إنّ وكالة رويترز المملوكة لشركة تومسون رويترز كوربوريشن تلقّت ملايين الدولارات من وزارة الدفاع لبرنامج حول "الهندسة الاجتماعية"، معتبراً أنّ "هذه عملية احتيال بالكامل". وحذا ترامب حذوه، فكتب على منصته تروث سوشال إن منظمة رويترز "اليسارية المتطرفة" يجب أن "تعيد الأموال"، وشنّ هجوماً أيضاً على صحيفة نيويورك تايمز و"بوليتيكو". والعقد الذي أشار إليه ترامب وماسك مخصّص في الواقع لشركة تومسون رويترز للخدمات الخاصة (تي آر إس إس)، وهي شركة مستقلة عن وكالة الأنباء.
ولفتت "مراسلون بلا حدود"، الأسبوع الماضي، إلى تلقيها اتصالات من منظمات صحافية ومؤسسات غير حكومية تدعم وسائل الإعلام المستقلة، أعربت عن قلقها من تجميد تمويل المنصات الإعلامية المنتشرة حول العالم، والتي يعمل بعضها في دول تحاصر حكوماتها حرية العمل الصحافي. ورأى مدير مكتب أميركا الشمالية في المنظمة، كلايتون ويمرز، أنّ "تجميد تمويل المساعدات الأميركية خلق حالة من الفوضى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مهنة الصحافة". وأكد أن "منصات إخبارية عدة ومؤسسات إعلامية اضطر بالفعل إلى وقف عملياته وتسريح الموظفين"، وحذّر من "احتمالية أن تختفي هذه المؤسسات إلى الأبد"، مما "سيخلق فراغاً يمكن أن يصب في مصلحة خبراء البروباغندا والدول الاستبدادية". كما وجّه مناشدة باسم "مراسلون بلا حدود" إلى "الجهات المانحة من القطاعين العام والخاص للالتزام بضمان استمرارية وسائل الإعلام المستقلة".
ونقلت "مراسلون بلا حدود" عن مسؤول في منصة إعلامية بيلاروسية في المنفى أنّه وزملائه قد يضطرون إلى التوقف عن النشر في فبراير/شباط الحالي. كما أجبر موقع داتا كاميرون على تعليق العديد من مشاريعه جراء وقف التمويل. بدورها، قالت مديرة شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية (أريج)، روان الضامن، إن المؤسسة خسرت 400 ألف دولار جراء تجميد المساعدات الأميركية.
وفي أوكرانيا أعلنت وسائل إعلام مستقلة عدة تعليق أنشطتها للبحث عن حلول بديلة، حيث 9 من كل 10 وسائل إعلام تعتمد على الإعانات الدولية، والتي تشكل منح الوكالة الأميركية للتنمية النسبة الأكبر منها. وقالت المؤسسة المشاركة في الموقع الاستقصائي المستقل Slidstvo.Info، آنا بابينيتس، إن قرار تجميد التمويل يؤثر على 80% من ميزانيته، لافتةً إلى أن ذلك قد يدفعهم إلى وقف التغطية على جبهات القتال بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك إلى وقف التحقيقات في جرائم الحرب. بيلاروسيا شهدت في السنوات الماضية حملات واسعة ضد الصحافيين اضطرت الكثيرين منهم إلى مغادرة البلاد، وقالت ناتاليا بيليكوفا من نادي الصحافة البيلاروسي إن 70% من تمويل المنظمة جاء من مصادر أميركية، ولفتت إلى أنّ تجميد التمويل يضع استمرارية المنصة "موضع شك"، ويجعلها مع غيرها من المنصات البيلاروسية المستقلة "عرضة للتلاشي والاختفاء تدريجياً". وحذرت من أن غياب الإعلام المستقل "لن يبقي للناس سوى الدعاية الحكومية. وإذا لم يكن هناك بديل، فسوف تستحوذ تدريجياً على عقولهم، وبالتالي قد يكون لدينا مجتمع مختلف تماماً في غضون بضع سنوات فقط".
من جهتها، قالت الصحافية الكولومبية دورا مونتيرو كارفاخال، التي تدير مؤسسة صحافية معنية بتعزيز الصحافة الاستقصائية في كولومبيا وأميركا اللاتينية، إن العديد من التحقيقات المهمة التي أنجزتها مؤسستها تمت "بفضل الموارد التي قدمتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية". لكنّها اضطرت الآن إلى إلغاء العديد من المشاريع والتحقيقات الجديدة جراء تجميد التمويل.
كذلك، انتقد أحد المساهمين في مؤسسة مملكة الإيرانية قرار الرئيس الأميركي، مؤكداً أن التمويل كان مهماً لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان ودعم المجتمع المدني خلال الاحتجاجات التي شهدتها إيران في السنوات الأخيرة. بدوره، قال مؤسس شبكة الصحافيين الأفغان في المنفى، شافي كريمي، إن العديد من الصحافيين داخل البلاد فقدوا وظائفهم أخيراً، محذراً من أن منظمات إعلامية كثيرة مهددة بالإغلاق، خاصةً أنها "اعتمدت على التمويل من مؤسسات أميركية مختلفة. وبشكل مماثل، لفت تو زاو لات من مجلس الصحافة المستقل في ميانمار إلى أن نحو 200 صحافي قد يتأثرون بتجميد التمويل.
وأشارت منظمة مراسلون بلا حدود إلى أن مؤسسات إعلامية عديدة تتجنب الحديث بشكل علني عن الآثار المتوقعة لوقف التمويل عليها، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف فرص الحصول على تمويل من جهات أخرى، وخشية من التعرض للهجوم من جهات سياسية مختلفة.