ترامب وY.M.C.A... الأيديولوجيا حين تستلب صوت المهمّشين

09 فبراير 2025
ترامب مع فرقة Village People في يناير الماضي (كيفن كارتر/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أصبحت أغنية Y.M.C.A رمزًا ثقافيًا متعدد الأوجه، واستخدمت في حملة ترامب، مما أثار جدلاً حول استلابها لأغراض سياسية تتعارض مع دلالاتها الليبرالية الأصلية.
- تاريخيًا، استُخدمت الأغاني الشهيرة في الحملات السياسية الأمريكية، مثل استخدام ريغان لأغنية "Born in USA" وكلينتون لأغنية "Don't Stop"، وترامب استغل الثقافة الشعبية بمهارة لتحقيق أهدافه السياسية.
- الجدل حول Y.M.C.A يعكس الصراع بين التيارات الليبرالية والمحافظة، حيث يستخدمها المحافظون كأداة لتعزيز أجندتهم، مما يعكس التحولات في المشهد السياسي الأمريكي.

منذ أن اعتلت أغنية فرقة الديسكو Village People، المعروفة اختصاراً بـY.M.C.A، أواخر السبعينيات الماضية مرتبة متقدمة  بين الأغاني الـ100 الأعظم في كل الأزمنة، أمست هدفاً لاستلاب أيديولوجي، بات يضع خطابها في سياقات قد تبدو مناقضةً لمضمونها الأصلي، كان آخرها العام الماضي، حين اعتمدتها إدارة حملة انتخابيّة ثيمةً دعائيةً للرئيس الحالي دونالد ترامب.

حين ينجح عملٌ فنيٌّ في التأثير على قطاعات واسعة من الجماهير مستحوذاً على مشاعر جزءٍ كبير من الرأي العام، سيُغري الساسة وصُناع الدعاية في استخدامه لأجل نشر منتجٍ، فكرةٍ أو نهجٍ، أكان سياسياً أم اجتماعياً، أو يُحمّل بشعارات تنظيمٍ أو حزبٍ، أو حركة شعبية تتوجّه إلى قاعدة شعبية إن كان جلّها من الشباب، لأنهم الفئة العمرية التي عادةً ما تستهويها المنتجات الرائجة من موسيقى البوب.

في كل مرة صعد فيها الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان، المنبر سنة 1984، استعداداً لمخاطبته الأميركيين مرشّحاً عن الحزب الجمهوري لفترةِ رئاسةٍ ثانية، كان يُسمع صوت المغنّي الأميركي بروس سبرينغستين يؤدي أغنيته الأيقونية "مولودٌ في الولايات المتحدة الأميركية" (Born in USA) على الرغم من أن مضمونها المنتقد للإهمال الذي تعرض له الجنود الأميركيون العائدون من الحرب في فيتنام (1953 - 1963) قد سُمع نشازاً في ظل حالهم المتردّية خلال الفترة الأولى من إدارته. 

ولئن دعا أيضاً المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي، بيل كلينتون، سنة 1992 فرقة "فليت وود ماك" لتلتئم  بمناسبة مراسم تنصيبه إثر فوزه بالرئاسة، مقدمةً أغنيتهم الشهيرة "لا تتوقّف" (Don't Stop)؛ فإن رئيس الإدارة الجمهورية الحاليّة، دونالد ترامب، يبقى من أكثر الساسة الأميركيين هوساً وحنكةً في تسخير وسائط الترفيه الجماهيرية من موسيقى بوب ودراما تلفزيونية، لأجل إنجاح حملاته السياسية. يعود ذلك إلى كونه بذاته علماً من أعلامها، هو الإعلامي والممثّل ونجمُ تلفزيون الواقع، الذي ألفه الأميركيون منذ عقود عبر عديد إطلالاته.

أثناء حملته لنيل الترشّح لانتخابات 2016، بثّ ترامب أغنية Rockin' in the Free World الصادرة سنة 1982 للمغنّي الأميركي الكندي، نيل يونغ، وقد عارض الأخير التوظيف، لكونه ناشطاً بيئيّاً أقرب إلى سياسات الحزب الديمقراطي. ثم أثناء السباق الانتخابي، بعد أن حظي بالترشيح، أخذت تُسمع الأغنية الشهيرة من زمن السبعينيات للفرقة البريطانية كوين، "نحن الأبطال" (We Are the Champions)، فأضحت اللحن المصاحب لفعاليات انعقاد التجمّع الوطني للناخبين الجمهوريين، وقد أدان عازف الغيتار المؤسس في الفرقة، برايان ماي، استخدام الأغنية، بوصفه استلاباً يحيد بها عن معانيها الأصليّة.

أما الجدل الدائر اليوم حول Y.M.C.A إنما يرجع إلى كون الأغنية ظلّت لعقود بمثابة أحد أناشيد ثورة الليبراليين الجنسية، بالأخص تلك التي يتمثّل من خلالها المثليون الذكور، وإذا بها تُسيّق ليس فقط ضمن الخطاب الشعبوي للرئيس الأميركي الحالي، وإنما الأجندة السياسية المناهضة لليبرالية في الحزب الذي ينتمي إليه وضمن الدائرة الأكثر تزمّتاً فيه، تلك المؤلّفة من المسيحيين الإنجيليين الذين أيّدوا ترشيحه للرئاسة، مقابل أنباء عن التزامه وثيقةَ إصلاح سياسي مجتمعي شامل أعدّوها، تُعيد الدولة ومؤسسات المجتمع الأميركي إلى منظومة القيم المسيحية، تُدعى "مشروع 2025". 

سواء كان تيار المثلية الليبرالي، أم نقيضه على أقصى اليمين المتمثّل بالقيّمين على حملة ترامب الانتخابية، إنما استندا في استلابهما الأغنية إلى كلٍّ من الصورة والخطاب حمّال الأوجه، بينما ليس ثمّة للموسيقى دورٌ سوى أنها تُحفّز إلى الرقص وتحرض تلقائياً على تزامن الجموع (Synchrony) الذي يساعد على الحشد والتعبئة الأيديولوجية. 

فبينما يبدو العنوان المتمثّل بالأحرف الأولى من "تجمّع الشباب المسيحيين من الذكور"، على أنه ذو صلة هويّاتيّة يمكن أن يستغلّها المحافظون المتمسكون بالثقافة المسيحية. يُرسمل الليبراليون من أنصار المثلية الجنسية الذكوريّة، على المظهر الإقصائي للأغنية من خلال اقتصارها على مخاطبة الرجال دون النساء، إذ تقول الكلمات، وإن بسخرية إن "الجمعية تقدّم كل ما يحتاج إليه الشبّان لكي يتمتّعوا بقضائهم الوقت المُسلّي مع بقيّة الصبية". إلا أن الاستلاب لا يقف عند المطب، بل يتعدّاه إلى صور مقطع الفيديو كليب، الذي يُبرز جوقةً ذكوريّة راقصة بأزياءٍ عادةً ما يرتديها الذكور خلال المسيرات التي تنظمها جماعات المثليّة في الحواضر الأميركية والغربية.

أما في ما يخص الاستلاب الذي يمارسه التيار الشعبوي بزعامة الرئيس ترامب، والذي بات يُعرَف باختصار MAGA، في إشارة إلى شعار حملته الانتخابية "اجعل أميركا عظيمة من جديد"، فإن الشبّان الذين تمثّلوا في الأغنية خطاباً وصورةً، ليسوا فقط من المسيحيين، وإنما هم أيضاً الكادحون الأدنى مرتبة على سلّم الارتقاء الوظيفي والأكاديمي في الولايات المتحدة، من أهملهم الديمقراطيون بحسب مرويّة أقصى اليمين، مفضّلين دعم النُّخب والمُهمّشين على أسس هويّاتيّة، كالنسوة والملونين ومثليّي الجنس والعابرين.

لذا فإن الذكورة المستبدّة في أغنيّة Y.M.C.A، إذا ما قوربت بمنظار ترامبي، فستكتسب بعداً مطلبيّاً، إذ لا يعود زيّ العسكري والعامل والفلاح، سواء كان من الهنود الحمر أم من رعاة البقر بمثابة احتفاءٍ بالذكوريّة أو "فتشيّة" مرتبطة بالمثلية الجنسية، وإنما تمثيلٌ سياسي - اجتماعي لشريحة واسعة من متوسّطي الدخل والتعليم، ضاقوا ذرعاً بالنخبوية الجامعيّة والاستعلاء الأخلاقيّ الذي ما انفك أنصار الحزب الديمقراطي يمارسونه عليهم، بفرضهم مساواةً على أسس جندريّة وإثنيّة. لذا، قد عثروا على بوصلتهم السياسيّة لدى حزب جمهوريٍّ محافظٍ ، حوّله تاجر عقارات ثريّ إلى حركة ثوريّة، وتلك من مفارقات المشهد السياسي الأميركي الراهن.

المساهمون