تجميل الأظافر... مردود مالي يغري رجال بانغي

تجميل الأظافر... مردود مالي يغري رجال بانغي

03 سبتمبر 2021
عمل دوبونور مزيّناً متجولاً، وما لبث أن أسس محله عام 2019 (باربرا دوبو/ فرانس برس)
+ الخط -

بحركة دقيقة، يصبغ دوبونور كولي أظافر زبونته الشابة في محله الصغير المليء بالغبار، إذ إن تجميل أظافر اليدين والقدمين الذي ينظر إليه في الغرب على أنه اختصاص نسائي، مهنة للرجال أيضاً في بانغي، عاصمة أفريقيا الوسطى.

ينكبّ دوبونور (27 عاماً) على الاعتناء بيد مدتها إليه شابة درجت على ارتياد محله في منطقة نغاراغبا، عند سفح تلال المدينة. يركز كل انتباهه، ويضع الصباغ بدقة بالفرشاة، ثم ينظر إلى الأعلى مبتسماً، بعدما أنجز مهمة رسم عقدة على الكيراتين.

تعرف نساء كثيرات هذا الشاب في "بانغي لا كوكيت"، أي "بانغي المغناج"، وهي صفة أطلقت منذ زمن بعيد على عاصمة أفريقيا الوسطى، بسبب حلاوة الحياة التي كانت تتميز بها ذات يوم. وتقول بينينا (23 عاماً)، وهي في كامل تألقها، إنه "يضع الرموش والأظافر الاصطناعية ببراعة كبيرة". وتضيف: "في كل مرة، يسألني الجميع عمّن تولى تجميلي. أحب المجيء إلى محل دوبونور، إذ أشعر بعد ذلك بأنني جميلة".

لكنّ الأخير لم يختر هذه المهنة بدافع الشغف بها. ويقول متنهداً: "لا يوجد عمل". ويلاحظ أن "السبب الرئيسي لإقبال الرجال على احتراف تجميل الأظافر مالي".

فمعدل البطالة يبلغ 24.2 في المائة في هذا البلد الذي يعاني حرباً أهلية منذ عام 2013، ويُعتبر وفقاً للأمم المتحدة ثاني أقل البلدان نمواً في العالم، ويضطر كثر من أبنائه تالياً إلى تدبّر أمورهم لكسب لقمة العيش، ويصبحون جزءاً من الاقتصاد غير الرسمي.

يجلس دوبونور على كرسيه مرتدياً سروال جينز وقميصاً يحمل صورة الملاكم محمد علي كلاي، وسط جدران تنتشر عليها ملصقات لنجوم الموسيقى ولاعبي كرة القدم الأميركيين، على وقع موسيقى الراب الأميركية، فيما تبرّد مروحة إلى حدّ ما الجو الحار والرطب في المحل. ويروي الشاب أنه ترك المدرسة عندما كان في الخامسة عشرة، "بسبب توقف برنامج التمويل الذي كانت توفره إحدى المنظمات غير الحكومية".

فمعدل النفاذ إلى التعليم لا يزال من الأدنى عالمياً في هذا البلد الذي يعاني أزمة دائمة. وكشف "صندوق الأمم المتحدة للسكان"، عام 2016، أن عدد الأولاد خارج النظام المدرسي يبلغ نحو 240 ألفاً، وأن معدل الالتحاق بالمدارس الثانوية لا يتجاوز 22 في المائة.

في ظلّ هذا الواقع، يحاول كثر من مواطني أفريقيا الوسطى تدبّر أمورهم. فبعدما اضطر دوبونور إلى ترك مقاعد الدراسة، انتقل إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، الواقعة على الضفة الأخرى من نهر زونغو. ويقول: "لقد تعلمت هناك في أربعة أشهر تجميل الأظافر". ولدى عودته إلى بانغي، عمل مزيّناً متجولاً، وما لبث أن أسس محله عام 2019.

ويقول: "لقد وجدت موقعاً أدفع بدل إيجاره 30 ألف فرنك أفريقي شهرياً (53 دولاراً أميركياً)، وبنيت كوخي عليه". ويذهب دوبونور شهرياً لتوفير مستلزمات عمله إلى "ب ك 5"، وهو حي المسلمين في بانغي، ويعتبر الرئة الاقتصادية للعاصمة. ويقول: "هذا هو المكان الوحيد الذي يمكنني أن أجد فيه بأسعار منخفضة ما أحتاج إليه من منتجات، كالأظافر الاصطناعية أو الصمغ أو مزيل طلاء الأظافر".

ويتفاوت مدخول دوبونور يومياً، إذ قد يقتصر على ألفي فرنك في أيام العمل القليل، ويتجاوز 20 ألفاً في أيام الإجازات أو عطل نهاية الأسبوع، أي ما بين 3.5 دولارات و35.3 دولاراً. ويبلغ الحد الأدنى للأجور الشهرية في القطاع الرسمي 42.3 دولاراً، وفقاً للبنك الدولي.

ويوضح الباحث المتخصص في الاقتصاد غير الرسمي في "جامعة بانغي" ميدار غواي، أن "الناس هنا يختارون طوعاً القطاع غير الرسمي، نظراً إلى كونه طريقة لتعزيز دخلهم، إذ لا يدفعون ضرائب".

ويعمل نحو 80 في المائة من الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عاماً، في الاقتصاد السري، في مهن بينها سائق دراجة نارية للأجرة وبائع بطاقات هاتف وتاجر أدوية وصانع أثاث وعامل بناء. في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، كانت الدولة أكبر جهة توظيف. لكن عقوداً من سوء الإدارة وحقب انعدام الاستقرار والعنف المتكررة جعلت من الصعب الحصول على وظائف في القطاع العام.

اليوم، يسير عمل دوبونور الصغير جيداً، وهو لجأ إلى تدريب عدد من الأشخاص لتلبية الطلب المتزايد، من بينهم شقيقه الأصغر إيمانويل، البالغ 25 عاماً. ويقول إيمانويل الذي يحلم بأن يصبح ممرضاً: "أعمل في مجال تجميل الأظافر حتى الحادية عشرة صباحاً في صالون أخي، بهدف تأمين مصاريف دراستي، وأنا سائق دراجة نارية للأجرة في فترة ما بعد الظهر".

(فرانس برس)

المساهمون