بين إنكار حرية التعبير والإسلاموفوبيا

بين إنكار حرية التعبير والإسلاموفوبيا

22 أكتوبر 2020
حزن فرنسي على مقتل الأستاذ ذبحاً (كيران ريدلي/Getty)
+ الخط -

بقليلٍ من الذكاء وكثيرٍ من الغباء يتحرك البعض في اتجاه تصادمي مع الغرب وقيمه الليبرالية العلمانية التي لولاها لما كان هو ولا عائلته على أرضه. 

ينعم المهاجر أو اللاجئ في تلك البلاد برعاية القانون وبالتأمين الصحي وتقديمات أخرى تضمن له الأمن والاستقرار. وتمنحه أيضاً حق المواطنة عبر الانتخاب وحرية التعبير والمعتقد. ويضمن التعليم لأولاده بالمجان. والأكثر أنه يُعامل نفس معاملة أهل البلد في حال البطالة والتقاعد والمرض والكفاءة في العمل المهني.

لكن يأتي أحدهم بكل حماقة وغباء وجهل، ليذبح مدرساً فرنسياً كان يعلم النشأ مادة حرية التعبير المطلقة غير المنقوصة ولو طاولت المقدسات الدينية. هكذا مناهج تعليمية تفتح عقل التلاميذ أكثر، وتفسح لهم مجال المقارنة، وتنمي لديهم القدرة على الاختيار.

هذه المادة تؤسس لتربية الطلاب ليكونوا منفتحين على الأديان الأخرى، والأهم تحترم ثقافة الاختلاف، مما يعود بالمنفعة على الأطراف كلها. وهذا نفسه يُقلل من خطر أن يهاجمنا نحن أنفسنا الآخر، بسبب ديننا أو معتقدنا أو جنسيتنا.

جريمة مقتل الأستاذ صموئيل باتي في فرنسا بقطع رأسه، بعدما عرض رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد، على يد الشيشاني عبد الله أنزوروف (18 عاماً) الذي أردته الشرطة، يذكر بطعن الأديب نجيب محفوظ في رقبته عام 1995. السبب؟ تأليفه رواية "أولاد حارتنا". وحين سئل المتهم عن الدافع لفعلته، قال إن الرواية "كافرة". وعندما سُئل "هل قرأتها؟" كانت الإجابة بالنفي.

ما حصل تكرر في مقتل المفكر فرج فودة؛ عندما سألوا الجاني: "لماذا قتلته؟" أجاب "لأن كتبه كلها كفر". لما سألوه: "هل قرأتها؟" أجاب بكل ثقة بالنفي.

هذا ما حدث أيضاً مع سلمان رشدي في روايته المثيرة للجدل "آيات شيطانية" التي بسببها أصدر المرشد الأعلى السابق للثورة الإيرانية، آية الله الخميني، فتوى بإباحة دمه عام 1989. وقتها، تسابق المثقفون العرب لإصدار بيانات الشجب والاستنكار ضد سلمان رشدي، رغم عدم قراءة الرواية.

هنا أمامنا على الأقل ثلاث وقائع تُرجع سبب ارتكاب جرائم إلى إنكار حرية التعبير، وتحديداً في مجال الأدب والعلم والفن. أعتقد أن هذا يُدلِّل، بما لا يدع مجالاً للشك، على المعاناة الكبيرة في هيمنة ذهنية التحريم على الفكر العربي، بل وتجاوز هذا الاعتقاد بالتوجه إلى القصاص المباشر الدموي.

هذا التوجه الخطر كان ولا يزال له الأثر البالغ السوء على الغرب. ولا شك أن اليمين المحافظ الغربي العنصري سيشن هجوماً عل كل المهاجرين، بوصفهم قتلة ومخربين وجهلة ويمثلون عبئاً على الدولة.

أعتقد أن هذه هي البداية. وللأسف سيلوذ المسلمون المعتدلون بالصمت، مما سيضاعف الأزمة ويعمق الإسلاموفوبيا في الغرب. وهنا تحضرني مقولة الممثل الإنكليزي روان أتكينسون، الشهير بدور "مستر بين"، إذ يقول إنه "من السخافة والغباء بمكان أن تنتقد شخصاً ما بسبب عرقه ولكن انتقاد دينه هو حق. الحرية في انتقاد الأفكار، حتى لو كانت أفكاراً مُتبناة عن إخلاص، هو أحد الحقوق الأساسية للمجتمع. وأي قانون ينص على أنه من حقك أن تنتقد أي أفكار ــ طالما أنها ليست أفكاراً دينية ــ هو قانون غريب جداً. قد يُفهم من قانون كهذا أنه يحاول حماية الحق في عدم جرح المشاعر، لكن من رأيي أن الحق في جرح المشاعر هو أهم بكثير من الحق في عدم جرحها. الحق في السخرية أهم للمجتمع من حق عدم السخرية. لأن الأول يمثل الانفتاح، والثاني يمثل القهر".

المساهمون