بين "جائزة حيفا" وبيروت: تصميمات لمدن خالية من الأشباح

بين "جائزة حيفا" وبيروت: تصميمات لمدن خالية من الأشباح

28 يوليو 2021
فضاءات منتجة للمساهمة في حل أزمة البطالة واستمرارية العمل (فرانس برس)
+ الخط -

جذبت "جائزة حيفا للعمارة والتصميم"، بشقيها، "جائزة فينيكس" و"جائزة التخرّج"، مهندسين معماريين من بقاع مختلفة من العالم، مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وبولندا وفلسطين وإيطاليا والمملكة العربية السعودية وهولندا والبحرين والبرتغال والصين ولبنان.
ومع صدور نتائج "جائزة فينيكس" في 15 مايو/ أيار الماضي، فاجأ الفريق الفلسطيني العالم بفوزه بالمركز الأوّل، واحتل الفريق الروسي المركز الثاني. أمّا المركز الثالث، ففاز به الفريق الإيطالي - اللبناني. واعتمدت لجنة التحكيم، في قراراتها، على تميّز المشروع، واختارت الفرق الأكثر كفاءة وإبداعاً، ولم يُكشف عن أسماء أصحاب المشاريع المشاركين إلّا بعد صدور النتائج، بل عرّف كلّ منهم عن مشروعه برمز رقمي فقط.
تواصلت "العربي الجديد" مع المهندس المعماري عبد بدران، أحد أعضاء لجنة التحكيم، الذي قال إنّه بعد الدراسة المستفیضة والمناقشة حول المزایا المعماریة لجمیع المشاركات، أعلنت لجنة التحكيم نتائج "جائزة فينيكس" التي تهدف إلى إعادة بناء ميناء بيروت في 15 مايو/ أيار، وفاز الفريق الفلسطيني، صاحب مشروع "ما بعد الانفجار - بیروت المنتجة" بالمركز الأوّل.
توضح اللجنة أسباب تميّز المشاريع الفائزة، وتقول إنّ مشروع "ما بعد الانفجار - بيروت المنتجة" يتمتع بفوائد التصمیم الاقتصادیة والتجاریة والثقافية، ويتميّز بالدقة الحازمة في تحدید النسیج العمراني.
"فوزنا كمهندسين معماريين شباب بالمركز الأول يعتبر الخطوة الأولى لنا في طريق تطوير وتغيير سياسات استخدام الفراغات في المجتمع على الصعيد المحلي أو الدولي. وبالنسبة إلى مشروع إعادة إعمار مرفأ بيروت، نحن نطمح إلى أن يكون لنا دور في عملية تطوير ومناقشة أفكارنا المقترحة مع المجتمع المحلي، والمؤسسات المعنية بالإعمار في لبنان"، بحسب المهندسة الفلسطينية آلاء أبو عوض، في حديثها إلى "العربي الجديد"، موضحةً أنّ أهم العوامل التي ميّزت المشروع الفلسطيني "ما بعد الانفجار - بيروت المنتجة"، أنّه حقيقي وملموس وواقعي، يلبي حاجات المواطن الأساسية من تعليم وعمل وسكن.
تضيف أبو عوض: "يهدف مشروعنا المقترح إلى إعادة بناء المدينة، من خلال خلق حلقة من الإنتاج المعرفي والمادي، تستند إلى بقايا الانفجار، وتكون بمثابة تذكار يومي ودائم يوثّق ما حدث". وتوضح الجوانب الخمسة الرئيسية للمشروع، التي تعتبر حاسمة في إعادة بناء المدينة. تقول إنّ الجانب الأول هو خلق منظومة اقتصاد محلي جديدة، يشغلها السكان المحليون، وتعتمد أساساً على نظام التعليم المهني، من خلال توفير مساحات وفراغات، تضم ورش عمل ومصانع إنتاجية ومدارس مهنية وزراعية، وغيرها من الفضاءات المنتجة للمساهمة في حلّ أزمة البطالة واستمرارية العمل. وثانياً، تشير إلى أنّ المشروع يطرح فكرة إنشاء نموذج سكني بطريقة عملية وسريعة، تضمن حلّ الأزمة الإنسانية بأسرع طريقة ممكنة. بينما يركز الجانب الثالث على حق المواطن في مدينته، الذي يتمثّل بمطالبته في مقاومة الخصخصة، وخلق مساحات عامة تؤوي جميع أنواع الأنشطة الاجتماعية، وتهدف إلى زيادة الترابط والوحدة المجتمعية. أمّا الجانب الرابع، فيتطرق إلى مخلّفات الانفجار، ويسلط الضوء على جميع المبادرات الموجهة لإعادة استخدام المواد، مثل الحديد والخشب والزجاج التي تناثرت بشكل كبير في جميع أنحاء المدينة جرّاء الانفجار. ويتمحور الجانب الأخير حول أهمية وجود الصوامع المتضررة، التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية لسكان المدينة.
وبالنسبة إلى مشروع "بيروت – المرفأ الحيّ" للفريق الروسي الذي فاز بالمركز الثاني، تقول لجنة التحكيم إنّه يصوّر مستقبل المدينة، ومزيجاً حيوياً من الوظائف الضرورية لازدهارها وتطوّرها. وتميّز التصميم بارتباطه بالواجهة البحرية، وإعادة تعريفها بطريقة مبتكرة، مع إمكانية إعادة صياغة هوية بيروت. أما سلبياته، برأي اللجنة، فهي وجود عدد كبير جداً من المباني "الأيقونية" والأماكن العامة المتجمعة على مقربة شديدة من بعضها، ما قد يسبّب مشاكل عدة، منها إغلاق متكرر للطرقات.
في المقابل، تقول دينا ساتاروفا، مديرة مكتب "معهد الدولة للبحوث والتصميم للتنمية الحضرية لمدينة موسكو" (Gradplan of Moscow)، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنّ فوزهم بالجائزة الثانية من "فينيكس"، يفسح المجال لخلق حوار أوسع بين العمارة الحضرية والمشاكل الاجتماعية والبيئية لمدينة متدهورة، أو غير متناسبة السياق والبنية التحتية. تتابع ساتاروفا: "لقد طوّر فريقنا أساليب تخطيط رئيسية استراتيجية فريدة من نوعها، للحسابات المتقدمة والخوارزميات التحليلية، التي نأمل أن نقدمها في جميع أنحاء العالم. وأخذنا بالاعتبار جميع عوامل السياق الحالية لمرفأ بيروت، كبوابة دولية، واستعرضنا العديد من النماذج المحتملة للمساحة المقترحة". تلفت إلى أنّ مشروعهم يهدف إلى إعادة إحياء الأجواء التاريخية للميناء، باستخدام أساليب وممارسات مبتكرة للعيش المريح في الوقت الحاضر، وبالتالي إيجاد توازن بين الفن والواقع والتاريخ والمستقبل، فضلاً عن الاهتمام بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وتوضح أنّ الجانب الرئيسي لمفهوم مرفأ بيروت الجديد، يتمثل بإنشاء مركز معاصر متعدد الوظائف، بمزيج من السمات الرمزية والعملية، وتحويل مساحات "المخاطر" إلى مناطق "ثقة" أو أمان لمواطني المدينة وزائريها.

وبناءً على تقسيم الموانئ والجوانب التكنولوجية للبنية التحتية وتوزيع حركة المرور واللوائح الشاهقة والتقييم البيئي، حدّد الفريق النمو الاقتصادي والنهج البيئي والتنوع الثقافي، باعتبارها اتجاهات مفاهيمية رئيسية، وركّز على سبعة مجالات محددة للعمل عليها، بما في ذلك حديقة تذكارية على الواجهة البحرية، ومركز ثقافي، وإسكان ميسور التكلفة وتطوير متعدد الاستخدامات، ورصيف سفن الركاب، ومحطة حاويات متعددة المستويات، وصومعة جديدة مع مرافق معالجة المياه.
تعلّق ساتاروفا بأنّ "التطبيق الواقعي لأجندة التنمية المستدامة المقترحة، سيحل العديد من التحديات القائمة، بما في ذلك مخاوف جودة الحياة والصحة والقضايا الاقتصادية والنفايات والصرف الصحي. وسيساهم في إنشاء مركز مدينة متعدد الثقافات ونظام بيئي، ويحافظ على الحياة البحرية ويوفر الطاقة ويطوّر منطقة الميناء".
في ما يتعلق بالمشروع الثالث "إعادة ملاءمة بيروت - المرفأ الجميع"، لاحظت لجنة التحكيم أنّه يرسم سلسلة من القواعد على المستوى المفاهيمي، التي قد توجه تطوير مرفأ بيروت. وبدا شكل الاقتراح الحضري مثيراً للاهتمام من حيث المبدأ، لكنّها أشارت إلى أن ما ينقصه هوتعريف المساحات، وأنّه یخلص إلى صناعة الحیّز العمراني، لا الحیّز البشري أو المعماري.
أما في ما يتعلق بالجائزة السنوية الثانية في البرنامج الدولي لجائزة حيفا، "جائزة التخرج"، فقد فاز بالمركز الأول مشروع "تراث اللاجئين - مخيم قلنديا كنظام عمراني دائري". تميّز المخطط، بحسب لجنة التحكيم، باهتمامه بالقضايا الاجتماعية المتعلقة بالشمولية في حالات التحركات والتحولات السكانية السريعة والجماهيرية، ومعالجته في الوقت ذاته الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن تقديمه استراتيجية واضحة لمعالجة قضية الدمج.
وكان المركز الثاني من نصيب مشروع "قصة نهر"، الذي يقترح مركزاً للحج وجسراً في موقع على علاقة بمعمودية يسوع المسيح. تميّز المشروع بدمجه أفكاراً عن التراث الروحي أو الثقافي والاستدامة الاقتصادية.

وحاز مشروع "المدرسة المفتوحة" المركز الثالث، وهو يتناول قضايا التعليم المناسب في فلسطين، أو في الواقع السياق الأوسع. والمفهوم الدافع في هذا التصميم، اقتراح طريقة جديدة للتدريس مكرّسة بعمق في فكرة التعلم بالممارسة. لكن لفتت اللجنة إلى مشكلة في اللغة المعمارية المستعملة، وكذلك التعارض بين تحديد مواقع بعض الأنشطة داخل التكوين.

المساهمون