"بوكا دي روا"... صحيفة برازيلية من الشارع وعنه

31 مايو 2025
أحد مراسلي الصحيفة يجري مقابلة في فافيلا، 28 يناير 2005 (جيفرسون بيرنارديز/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأسست صحيفة "بوكا دي روا" في عام 2000 في بورتو أليغري، وتهدف إلى تسليط الضوء على قضايا الطبقات المهمشة من خلال إعطاء المشردين فرصة لكتابة ونشر قصصهم وتجاربهم.
- تعمل الصحيفة كنقطة وصل بين الصحافة التقليدية والجماهيرية، حيث يشارك المشردون كمراسلين وبائعين، مما يتيح لهم تحقيق دخل شريف ويعزز استقلاليتهم.
- تغطي الصحيفة مواضيع متنوعة مثل العنف ضد النساء وعنف الشرطة، وساعدت أكثر من 400 شخص في الابتعاد عن حياة الشارع، وهي جزء من "شبكة ورق الشوارع الدولية".

في ظل وفرة الأخبار وتنوّع مصادرها، ما بين صحافة وإعلام تقليديَّيْن وانتشار المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، تضيع تلك الهادفة إلى نشر الوعي والتحفيز على بسط العدالة الاجتماعية. ويجد المتابع نفسه أمام كمّ هائل من المعلومات المسيَّسة من قبل وسائل الإعلام المموّلة من رؤوس الأموال التي تحكم الاقتصاد، وأمام سيل من الفيديوهات المشغولة بأحدث الوسائل البصرية، والتي تهدف أولا وأخيراً إلى إثراء الأفراد الذين يسترزقون من عدد المشاهدات التي يحصدونها، وزيادة ثراء المؤسسات والمنتجات التي يروّجون لها. أما المواضيع التي تحدث فرقاً حقيقياً في المجتمع، وتدعم الطبقات المهمّشة وتسلّط الضوء على مشاكلهم، فقد أضحت هي نفسها مهمّشة.

والحقيقة أن السعي لصرف النظر عن مشاكل الطبقات الدنيا والتغطية على تقصير الحكومات ودور الأثرياء في زيادة بؤسهم ليس بجديد، وهذا ما دفع الصحافيّتَين البرازيليتين كرسيتينا بوزوبان وروزينا دوارتي إلى تأسيس صحيفة "بوكا دي روا" في مدينة بورتو أليغري، عاصمة ولاية ريو غراندي دو سول البرازيلية. فعام 2000، اتّجهت الصحافيتان إلى شوارع بورتو أليغري للقاء الذين اتخذوا من الشارع مأوى لهم، إما بسبب الفقر المدقع الذي تعاني منه المدينة، أو بسبب الشرخ العائلي الذي يسود العلاقات الاجتماعية في المنطقة، أو حتى عدم توفّر مساكن بأسعار معقولة لذوي الدخل المتدني. وعرضتا عليهم مشروع إنشاء صحيفة تنطق بلسان حال الشارع من دون أي تدخل في مضمون المقالات أو المواضيع التي يقترحها ويكتبها هؤلاء المشردون. وعليه، نشأت "بوكا دي روا" التي تعني لسان حال الشارع، لتحوّل المشردين الذين يعيشون على هامش المجتمع إلى مُقدّمي خدمة صحافية تتيح للناس فرصة الاطّلاع على الحياة اليومية للذين لا مأوى لهم.

تمثّل صحيفة "بوكا دي روا" نقطة وصل بين الصحافة التقليدية المهيمنة والصحافة الجماهيرية التي تعتمد على معرفة الشارع، حيث يقوم المشردون بنشر الكلمات والصور عن أنفسهم وواقع حالهم، فيحكون قصصهم وقصص شعوبهم، كاشفين من خلال كتاباتهم عن حقيقة لم يعتد القارئ رؤيتها من قبل. وتكمن أهمية هذه الصحيفة بأن الربح الناتج من المبيعات يعود بشكل كامل إلى المشردين أنفسهم، ولهذا ليس هناك سعر محدد لها. يعتمد المشردون على المدخول الذي يؤمنه مبيع هذه الصحيفة للاستعاضة عن التسول وبيع المخدرات أو السرقة، وليجنوا لأنفسهم دخلاً شريفاً يفتخرون به. أما بالنسبة لهيكليّة العمل، فليس هناك تسلسل هرمي بين الدورين اللذين أنشأهما الأعضاء لأنفسهم في نظام العمل في "بوكا دي روا". فالمراسل هو نفسه البائع، ويتم الاتفاق على المواضيع التي ستغطيها الصحيفة من خلال لقاء أسبوعي بين الأعضاء. وبحسب المنظمة غير الحكومية المشرفة على دعم وإنتاج هذه الصحيفة "أليس"، يبدي الأعضاء في هذه اللقاءات آراءهم ويحددون أجنداتهم، فيكتبون، ويصوّرون، ويخرجون إلى الميدان، ويجرون مقابلات، ويجمعون شهادات للقصص. وتوزع النسخ المطبوعة على الأعضاء الحاضرين ليبيعوها خلال الأسبوع، وهم يعتمدون على التسويق الشفهي، بحيث يروّجون بأنفسهم لصحيفتهم ويعرّفون الناس بأهدافها. وبهذا يمكن إطلاق صفة المراسل البائع على الأعضاء.

وتتنوّع المواضيع التي تغطيها هذه الصحيفة بين العنف ضد النساء، وعنف الشرطة، والوعي الأخلاقي والأمراض المنقولة جنسياً، وغيرها من المواضيع التي تهدف إلى التنديد بالواقع الذي يعيشه المشردون في بورتو أليغري وتفسح بالمجال للمشردين بالإحساس بأنهم مرئيين وأن آراءهم وأفكارهم مسموعة ولها وزنها، وهذا النوع من التمثيل مفقود في الصحف التقليدية التي تهمل جانب الناس في الشارع من خلال الممارسات التي تحكمها معايير ذكورية وعنصرية وطبقية. وعليه، فبعد أن كانت طبقة المشردين تشعر باليأس من عدم تمثيلها على صفحات الصحف، وفّرت "بوكا دي روا" فرصة لهم ليرووا قصتهم بأنفسهم ويحدثوا الفرق الذي كانوا يرجونه. وظهر هذا جلياً خلال الفيضان الذي عانت منه منطقة بورتو أليغرا عام 2024، والذي تسبب بتهجير وتشريد 150 ألف نسمة، فقد كانت تغطية الفيضان فعالة في تسليط الضوء على معاناة الطبقة الدنيا، وساعدت في محاولة إيجاد مساكن بديلة.

وعلى نطاق أوسع، فقد استطاعت "بوكا دي روا" مساعدة 400 شخص من المشردين الذين عملوا فيها منذ عام 2000، فأبعدتهم عن الاتجار بالمخدرات والتسول، ووفّرت للبعض فرصة العودة إلى أحيائهم وترك حياة الشارع، كما حصلت على جائزة من "شبكة ورق الشوارع الدولية" للأعوام 2006 و2007 و2008، بالإضافة إلى جائزة من جمعية قضاة ريو غراندي دو سول عام 2013. والجدير بالذكر أن "بوكا دي روا" ليست الوحيدة من نوعها حول العالم، إذ تضم "شبكة ورق الشوارع الدولية"، التي بدأت عملها عام 1994، 92 صحيفة تصدر من الشارع من 35 دولة حول العالم، مكتوبة بـ25 لغة مختلفة. وتصل هذه الصحف إلى إجمالي 3.2 ملايين قارئ، كما وتحصل على دعم 904 من المتطوّعين، بحسب ما هو مذكور في موقعها الإلكتروني الرسمي.

المساهمون