بوست مالون... حكاية المغني في 78 وشماً

14 فبراير 2025
يُعيد الوثائقي كتابة السيرة بفرشاةٍ وردية بدلاً من كشف الصراع الداخلي (غريغ دوهرتي/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الفيلم الوثائقي "بوست مالون: بشروطه" يعرض حياة المغني بوست مالون، مسلطًا الضوء على التناقض بين شخصيته الحقيقية وصورته في صناعة الموسيقى، مع التركيز على الجوانب البصرية والنغمية دون التعمق في تفاصيل حياته الشخصية.
- يعتمد الفيلم على أرشيف غني من اللحظات الشخصية، مثل انتقاله إلى يوتا وعلاقته مع والده، لكنه يتجاهل القضايا الجدلية ويركز على تحوله نحو موسيقى الريف، متجاهلاً الصراعات الداخلية.
- رغم الجمال البصري، يفتقر الفيلم إلى العمق التحليلي، مما أثار انتقادات، وينتهي بمشهد رمزي يعكس التناقض بين الصورة التجارية والواقع الإنساني.

في عالمٍ تتحول فيه الحياة الشخصية للفنانين إلى سلعةٍ، يأتي الفيلم الوثائقي "بوست مالون: بشروطه" Post Malone: On His Terms الصادر في العام الحالي، والذي تبثّه منصة أمازون برايم، ليرسم مساراً متعرجاً بين حياة المغني الأميركي أوستن ريتشارد بوست، المعروف بـ "بوست مالون"، وبين الأسطورة التي صنعها من مزيجٍ موسيقي فريد. العمل من إخراج ليني نيومان، الذي اشتهر بتحويل السير الذاتية إلى لوحات بصريّة. وكعادته، اكتفى نيومان بالتنويع النغمي والبصري على إيقاعات النجاح التقليديّة.

يحاول العمل المكون من صور ومقاطع فيديو قصيرة لا أكثر، تفكيك لغزِ فنانٍ باع 80 مليون أسطوانة، وحصد عشر جوائز بيلبورد، بينما ظلَّت علاقته مع جوائز غرامي علاقةَ حبٍ من طرفٍ واحد. على جسد بوست مالون 78 وشماً، كلٌّ منها يمثّل فصلاً من سيرته. الوثائقي لا يقرأ هذه الوشوم أيضاً، بل يكتفي بتصويرها كديكور. العمل الذي يُفترض أن يكون نافذةً على حياة النجم الأكثر غموضاً في البوب المعاصر، يتحول إلى مرآةٍ سينمائيّة تعكس ما تريده صناعة الموسيقى؛ أسطورةً ليبجلها الجمهور، وليس إنساناً يعتريه التناقض.

يُفتتح الفيلم بمشهدٍ مُكرّر في سير النجوم: اختبار أداء فاشل لمالون في فرقة ميتال بسبب انقطاع وتر الغيتار. يستخدم نيومان هذه اللحظة مقدّمةً ملحمية لمولد طائر الفينيق من تحت الرماد، متجاهلاً سؤالاً جوهرياً: ماذا لو نجح ذلك اليوم؟ هل كان سيُدفن مالون في زاوية موسيقى الميتال؟ الفيلم يُجيب: نعم، ويتجاهل أن الفن الحقيقي لا يُختزل في لحظة فشل واحدة، بل في تراكم الخيارات التي تلت. "لستُ مغنّي راب، أنا إنسان يبحث عن شيءٍ حقيقي". جملة قالها مالون عام 2016، وقد تكون مفتاحاً لفهم حالة الفنان الذي يرفض التصنيفات، لكنه يقع في فخِّ تصنيفٍ جديد وهو العبقري المتمرّد الذي تتبناه صناعة الموسيقى.

رغم الجمال البصري واللقطات الأرشيفية النادرة، يظل الفيلم أسير تناقضه؛ فهو من ناحيةٍ يحاول أن يكون على شروط مالون (كما يشير اسم الوثائقي)، ومن ناحيةٍ أخرى يخضع إلى شروط السوق والبيع والشراء التي تريد منه أن يبقى أسطورةً غير قابلة للكسر. يعتمد نيومان على أرشيفٍ غنيٍّ من اللحظات الشخصية، مثل انتقال مالون إلى يوتا للهروب من إدمان الكحول، أو كخلوة روحيّة، وعلاقته المضطربة مع والده (منسق موسيقي سابق)، لكنه يتجاهل تقريباً أي نقدٍ لظاهرة تبييض الهيب هوب التي اتُّهم بها مالون ذو البشرة البيضاء. مقابل هذا التجاهل، اختار المخرج التركيز على التحول الإيجابي نحو موسيقى الريف (Country Music) التي ركزَّ عليها أخيراً. وكأنه يُعيد كتابة السيرة بفرشاةٍ وردية، بدلاً من كشف الصراع الداخلي لفنانٍ يواجه الإدمان والشهرة.

يُصنَّف الفيلم وثائقياً موسيقياً (40 دقيقة)، انتقده المشاهدون بأنه طويل، وأثارت تعليقات المشاهدين تساؤلاتٍ عن دور الذكاء الاصطناعي في صناعته، خاصةً مع افتقاده إلى العمق التحليلي. إحدى التعليقات اللاذعة تشبّهه بمحتوى "يوتيوب" آلي التوليد. هذا النقد يلمح إلى أزمةٍ أوسع في الأفلام الوثائقية الحديثة بعد أن اعتمدت على خوارزميات تحلل بيانات النجاح بدلاً من الغوص في التناقضات الإنسانية. ويبدو أن نيومان، على الرغم من مهارته التقنية، قد وقع في فخّ صناعة الصورة بدلاً من كشفها.

ينتهي الفيلم بمشهدٍ استعاري مكرور: بوست مالون يُشعل ناراً في براري يوتا بينما تُعزف أغنيته Circles في الخلفية. النار هنا رمزٌ للتطهير، لكنها أيضاً قد تكون دليلاً على الإحراق المتعمد للتاريخ الشخصي. نيومان يبيعنا أسطورة الفنان المُتمرّد، لكنه ينسى أن التمرد الحقيقي يكمن في الاعتراف بالتناقضات، وليس في إخفائها. في النهاية، وثائقي نيومان ليس فيلماً عن بوست مالون، بل عن النسخة التي تريد شركات الإعلام أن يكون بوست مالون عليها كعلامة تجاريّة.

المساهمون