بق الفراش رفيق الإنسان منذ الكهوف حتى ناطحات السحاب

13 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 15 يونيو 2025 - 16:46 (توقيت القدس)
انتقل البق إلى الإنسان من خلال الخفافيش (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأ بق الفراش رحلته مع الإنسان منذ 60 ألف عام، حيث انتقل من الخفافيش إلى البشر وتكيف مع البيئات الحضرية، بينما تراجعت السلالة المرتبطة بالخفافيش منذ العصر الجليدي الأخير.
- أظهرت دراسة مقارنة التسلسل الجيني أن بق الفراش المرتبط بالبشر شهد نموًا متسارعًا مع توسع المدن، مما أدى إلى انتشاره كآفة حضرية شائعة.
- تراجعت أعداد بق الفراش في القرن العشرين بسبب المبيد DDT، لكنه عاد أكثر مقاومة، ويواصل الباحثون دراسة الطفرات الجينية لفهم مقاومته للمبيدات.

منذ أكثر من 60 ألف عام، خرج إنسان نياندرتال من كهف مظلم من دون أن يدري أنه حمل معه رفيقاً صغيراً مزعجاً سيلازمه عبر العصور: بق الفراش. هذا الطفيلي الماكر، الذي قفز على ظهر البشر من كائن آخر هو الخفاش، وجد في الإنسان المضيف المثالي. ومع مرور الوقت، أصبح رفيقاً دائماً في البيوت والمساكن وحتى الفنادق الحديثة.

في دراسة جديدة نُشرت يوم 28 مايو/أيار الماضي في دورية Biology Letters، كشف فريق بحثي من جامعة فرجينيا التقنية أن هذا النوع من بق الفراش المرتبط بالبشر هو أول من تكيف مع البيئات الحضرية، ورافق الإنسان في كل تحوّلاته: من العيش في الكهوف إلى بناء المدن المعقّدة. في المقابل، فإن السلالة الأخرى من بقّ الفراش، التي ظلت تعيش مع الخفافيش في الكهوف، شهدت تراجعاً مستمراً منذ العصر الجليدي الأخير، أي قبل نحو 20 ألف عام.

قارن الباحثون التسلسل الجيني الكامل لسلالتين من بق الفراش: الأولى مرتبطة بالبشر، والثانية مرتبطة بالخفافيش. وتوصلوا إلى نتائج مذهلة حول مصير كل منهما عبر الزمن. تشرح المؤلفة الرئيسية للدراسة، ليندسي مايلز، الباحثة ما بعد الدكتوراه في قسم علم الحشرات بجامعة فرجينيا التقنية في الولايات المتحدة: "أردنا أن ندرس التغيّرات في ما يُعرف بحجم الأفراد الفعّالين، أي عدد الأفراد القادرين على التكاثر ونقل جيناتهم إلى الأجيال التالية. هذا يعطينا لمحة عما حدث في تاريخ هذه الكائنات".

تضيف مايلز في تصريحات لـ"العربي الجديد": "الفريق لاحظ تراجعاً عاماً في عدد الأفراد لدى السلالتين خلال العصر الجليدي، لكن الفارق كان في ما حدث بعد ذلك. فسلالة البق التي ظلت مع الخفاش لم تتعافَ أبداً، بينما شهدت السلالة التي رافقت البشر نمواً متسارعاً مع توسع التجمعات السكانية وقيام المدن".

بدأت القصة قبل نحو 12 ألف عام، عندما ظهرت أولى المستوطنات البشرية الكبرى في مناطق مثل بلاد ما بين النهرين. هذه التجمعات الجديدة وفّرت بيئة مثالية لبق الفراش: مساكن دافئة، مضيفون دائمون، وقرب كبير بين الناس. توضح الباحثة أن البشر لم يأخذوا معهم كل البق عندما غادروا الكهوف، بل جزءاً صغيراً من السلالة فقط. وهذا ما أدى إلى انخفاض التنوع الجيني في السلالة المرتبطة بالبشر مقارنةً بتلك المرتبطة بالخفافيش. ومع نمو المدن وانتشارها، نمت أعداد البق المرتبط بالبشر بسرعة، حتى بات اليوم من أكثر الآفات الحضرية انتشاراً في العالم.

تشير نتائج الدراسة إلى أن التوسع الحضري البشري لم يكن مجرد خلفية لتطور بق الفراش، بل كان دافعاً رئيسياً في تحوله إلى آفة متكيفة مع الحياة الحديثة. إذ يمثل بق الفراش حالة نادرة لطفيلي يواكب التحولات السكانية والبيئية للإنسان على مدى آلاف السنين. تقول مايلز: "فهم هذه العلاقة التطورية يمكن أن يساعدنا في التنبؤ بكيفية انتشار الآفات في المستقبل، خاصة مع استمرار التوسع العمراني وتغير المناخ".

لكن ما يجعل قصة بق الفراش أكثر إثارة هو ما حدث في القرن العشرين. فمع ظهور المبيد الحشري الشهير DDT، شهدت أعداد البق تراجعاً كبيراً في العالم، حتى ظنّ البعض أنه اختفى تماماً. غير أنه عاد للظهور خلال أقل من خمس سنوات، أقوى وأكثر مقاومة من ذي قبل. توضح مايلز: "كان يُعتقد أن بق الفراش قُضي عليه فعلياً في منتصف القرن الماضي، لكن في فترة قصيرة عاد وبدأنا نلاحظ مقاومته للمبيدات".

في دراسة سابقة للفريق البحثي نفسه، اكتشف الباحثون وجود طفرة جينية في البق قد تكون مسؤولة عن تطوره لمقاومة المبيدات الحديثة. ويواصل الفريق حالياً أبحاثه لفهم الأسس الجينية لهذه المقاومة، باستخدام عينات محفوظة منذ أكثر من 120 عاماً وحتى اليوم.

المساهمون