بعوض جديد يتربص بأميركا: عولمة تلوّح بوباء قادم

بعوض جديد يتربص بأميركا: عولمة تلوّح بوباء قادم

19 يناير 2021
ضمن حروب أميركا على البعوض: رش مرتادي الشواطئ بالدي دي تي 1945 (Getty)
+ الخط -

يتحدث علماء أميركيون عن نوع جديد من البعوض من فصيلة "الزاعجة" يهدد أميركا الشمالية، على غير المعهود في هذه الحشرات المصنف منها 3500 نوع في العالم، التي تحمل الطفيليات، أو مسببات الأمراض الضارة بالبشر.

وفي خليج غوانتانمو، حيث يقع المعتقل الأميركي الشهير للمتهمين بـ"الإرهاب" دون محاكمة، وتحت تحكّم صارم، يقف الجميع أمام حشرات غريبة، يجيّش لها العلماء لدراستها ومعرفة كيف تشق طريقها إلى أميركا؟

وفي تقرير موسع نشرته شبكة "بي بي سي" فإن أنواع البعوض الأخرى، مثل "الزاعجة المصرية" و "الزاعجة المنقطة بالأبيض"، يمكن أن تنقل أمراضاً كحمّى الضنك، والحمى الصفراء، وداء الشيكونغونيا. ولكن على عكسها فإن البعوض المصنف باسم Aedes vittatus قادر على حمل جميع الأمراض الخطيرة التي ينقلها البعوض تقريباً، باستثناء الملاريا.

وقال التقرير إن ظهور بعوض جديد في خليج غوانتانمو يكشف كيف تهدد العولمة بإطلاق العنان للوباء القادم.

وأثار اكتشاف هذا النوع من البعوض سؤالاً مهماً: هل يمكن أن يكون هذا الدخيل في خليج غوانتانمو هو السبب في الإصابة بفيروس زيكا، أو حمى الضنك أو غيرهما مما ينقله البعوض، والتي ظهرت في منطقة البحر الكاريبي؟

وعلى الأرجح، انتقلت البيوض الأولى في حاوية شحن، أو ربما طائرة. وسيكون الانتشار المحتمل لها عبر منطقة بحر الكاريبي، وجنوب الولايات المتحدة، من صنع الإنسان على حد سواء: تغير المناخ يقصر فصول الشتاء في أميركا الشمالية، ما يسمح للبعوض بالتكاثر عدة مرات في موسم واحد، وبالتالي نشر الفيروسات في أماكن أبعد.

 

وكان البعوض يحظى باهتمام أقل بكثير من أسراب ما يسمى بـ "زنابير القتل" التي لوحظت لأول مرة في أميركا الشمالية العام الماضي. كان يُعتقد في الأصل أنها من اليابان، وانتشرت عبر شمال غرب المحيط الهادئ لأميركا، ما أدى إلى قتل مستعمرات نحل العسل.

يقول بن باجاك، عالم الحشرات في قيادة الصحة العامة بالجيش الأميركي، إن هناك تشابهاً بين الزنبور القاتل وهذا النوع من البعوض، لجهة قدومهما من مكان آخر. "إنهما موجودان الآن في منطقة لم يكونا موجودين فيها من قبل".

وتجرى مراقبة بيولوجية عبر منطقة البحر الكاريبي. ويقول باجاك إن هذا درس بشأن التهديدات التي يحملها السفر البشري، والتجارة العالمية من خلال نشر الأمراض حيوانية المصدر على نطاق واسع.

باحثة: كان عدد الجنود الذين يموتون في حرب فيتنام من الأمراض التي ينقلها البعوض أكثر من الذين يموتون من الرصاص أو القتال

 

وتقتل الأمراض التي ينقلها البعوض أكثر من مليون شخص، وتصيب ما يقرب من 700 مليون كل عام، بما يقرب من واحد من كل 10 أشخاص على وجه الأرض.

وكان للبعوض تأثير مدمّر لآلاف السنين. ويعتقد المؤرخ تيموثي سي وينغارد، مؤلف كتاب "البعوض" عام 2019، أن هذه الحشرات شكلت مثالاً مبكراً للحرب البيولوجية. ففي الحرب البيلوبونيسية من 415 إلى 413 قبل الميلاد، استدرج الأسبرطيون الأثينيين إلى مستنقعات مليئة بالبعوض.

كتب وينغارد "قتلت الملاريا أو أعاقت أكثر من 70% من القوة الأثينية". ودُفن بعض من أكثر المحاربين شهرة في التاريخ بسبب هذه الحشرات. قتل جنكيز خان بواسطة بعوضة. ووفقاً لإحدى النظريات، كان الإسكندر الأكبر ضحية بعوضة".

من جانبها تقول إيفون ماري لينتون، مديرة الأبحاث في وحدة "والتر ريد" التابعة لمؤسسة سميثسونيان البحثية "كان عدد الجنود الذين يموتون في حرب فيتنام من الأمراض التي ينقلها البعوض أكثر من الذين يموتون بسبب الرصاص أو القتال".

قبيل منتصف القرن العشرين استخدم المبيد الحشري الشهير "دي.دي.تي" على نطاق واسع، وأدى إلى انخفاض في الأمراض التي ينقلها البعوض، رغم  أن لهذه المادة الكيميائية نتائج سلبية

 

حتى اليوم، كما تقول، "20 من أصل 50 مرضاً يصيب الجيش ينقلها البعوض". ويتم نشر جزء من القوات الأميركية البالغ عددها 200 ألف في الخارج في مناطق استوائية لم يسبق للجنود زيارتها من قبل، ما يعني أنه ليس لديهم مناعة ضد مسببات الأمراض.

قبل خمسمائة عام، كان الوضع معكوساً. كان كريستوفر كولومبوس وأتباعه الأوروبيون هم من أطلقوا العنان لمسببات الأمراض الجديدة على سكان القارة. وقالت سونيا شاه في كتابها "الحمّى" "اتفق العلماء على أن الأميركتين كانتا خاليتين من الملاريا لآلاف السنين قبل وصول الأوروبيين".

وقبيل منتصف القرن العشرين استخدم المبيد الحشري الشهير "دي.دي.تي" على نطاق واسع، وأدى إلى انخفاض في الأمراض التي ينقلها البعوض، على الرغم من أن لهذه المادة الكيميائية نتائج سلبية.

 

وبفضل الرش الواسع للـ "دي.دي.تي" والإجراءات الأخرى، مثل تجفيف المستنقعات، شهد القرن العشرين انخفاضات هائلة في الأمراض التي ينقلها البعوض. ولكن منذ عام 1999، أدى تفشي أمراض جديدة لم يسبق لها مثيل في أميركا الشمالية إلى إلقاء البعوض مرة أخرى في دائرة الضوء.

ويخلص التقرير إلى أن الأحداث الطبيعية مثل العواصف تنقل البعوض من جزيرة كاريبية إلى أخرى. لكن البشر، بشاحناتهم وسفنهم وطائراتهم، يمكنهم عن غير قصد نقل ناقلات الأمراض الصغيرة مثل البعوض إلى مسافة أبعد وأسرع من أي عاصفة.

المساهمون