اندماج ثقبين أسودين يكشف أسرار الزمكان ويؤكد تنبؤات أينشتاين وهوكينغ
استمع إلى الملخص
- أطلق الاندماج موجات جاذبية هائلة تعادل سحق ثلاثة نجوم بحجم الشمس، وتم رصدها بدقة عالية بفضل التطورات التكنولوجية منذ 2015.
- أثبت تحليل موجات الجاذبية صحة مبدأ هوكينغ حول مساحة سطح الثقب الأسود، وأكد فرضية بساطة الثقوب السوداء لأينشتاين.
يُعَدّ اندماجُ ثقبين أسودين حدثاً كونياً عظيماً بالنظر إلى ما يكشفه عن أكثر الظواهر المرتبطة بالفضاء والزمن والجاذبية تطرّفاً مما هو معروف علمياً. وتمكّن الباحثون حديثاً من التوصّل إلى أفضل رؤية حتى الآن لمثل هذا الحدث، استناداً إلى اكتشاف تموّجات في الزمان والمكان (الزمكان) تُعرَف باسم موجات الجاذبية، في ملاحظةٍ قدّمت دعماً قوياً لفرضيات الفيزيائيين الكبيرين ألبرت أينشتاين وستيفن هوكينغ
.وقع الاصطدام على بُعد 1.3 مليار سنةٍ ضوئيةٍ من الأرض، في مجرّة تقع خلف مجرّة درب التبانة، بين ثقبين أسودين، أحدهما تعادل كتلته نحو 34 مرةً كتلةَ الشمس، فيما بلغت كتلة الآخر 32 مرةً تقريباً. وبعد دوران سريع اقترب من سرعة الضوء، اندمجا في جزءٍ من الثانية، فنتج عن ذلك ثقبٌ أسود واحد تبلغ كتلته حوالي 63 مرةً كتلة الشمس، ويدور بسرعة تقارب 100 دورةٍ في الثانية.
والسنةُ الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال عام واحد، أي ما يعادل 9.5 تريليونات كيلومتر. أمّا الثقوبُ السوداء فهي أجسام فائقة الكثافة، ذات جاذبية هائلة لا يستطيع حتى الضوء الإفلات منها.
وقد أطلق الاندماج كميةً هائلةً من الطاقة انبعثت إلى الخارج على شكل موجات جاذبية، تعادل سحق ثلاثة نجومٍ بحجم الشمس. رُصِدت هذه الموجات في 14 يناير/كانون الثاني بمواقع بحثية في هانفورد (Hanford) بولاية واشنطن، وفي ليفينغستون (Livingston) بولاية لويزيانا، ضمن إطار مرصد موجات الجاذبية باستخدام مقياس التداخل بالليزر التابع للمؤسسة الوطنية الأميركية للعلوم.
موجات الجاذبية
جاءت هذه الملاحظات بعد نحو عشر سنوات من الاكتشاف الرائد لموجات الجاذبية الناجمة عن اندماج مماثل. وقد سمحت التطورات التكنولوجية منذ عام 2015 برصد هذا الاندماج بدقةٍ أعلى بأربع مرات من السابق.
تنتشر موجات الجاذبية إلى الخارج من مصدرها كما تفعل التموجات في بركة ماء. وفي هذه الحالة، فإن "البركة" هي الزمكان: ذلك النسيج رباعي الأبعاد الذي يجمع أبعاد المكان الثلاثة (الارتفاع والعرض والطول) مع بُعد الزمن.
وأوضح عالم الفيزياء الفلكية ماكسيميليانو إيسي من جامعة كولومبيا ومعهد فلاتيرون، وأحد قادة الدراسة المنشورة الأربعاء في دورية فيزيكال ريفيو ليترز (Physical Review Letters): "بتنا نعلم بفضل ألبرت أينشتاين أنّ المكان والزمان متشابكان، وأفضل سبيل للنظر إليهما هو اعتبارهما وجهين لكيان واحد: الزمكان". وتابع: "يتجلّى ذلك، على سبيل المثال، في أنّ الزمن يتدفّق بمعدلات مختلفة تبعاً لموقعك. فبالقرب من جسمٍ ثقيلٍ مثل ثقبٍ أسود، يتدفّق الزمن ببطءٍ أكبر مقارنةً بشخصٍ أبعد. لذا، فإن الشخص القريب من ثقبٍ أسود سيتقدّم في العمر على نحوٍ أبطأ".
وحلّل الباحثون تردّدات موجات الجاذبية المكتشفة لتمييز الخصائص الأساسية للثقوب السوداء قبل الاندماج وبعده مباشرةً. ومع أنّ هذه التردّدات ليست موجاتٍ صوتية، فقد شبّهها العلماء برنين جرس. وأضاف إيسي: "هذا أشبه بمحاولة معرفة مكوّنات جرسٍ من خلال صوت رنينه عند قرعه". فعلى سبيل المثال، يُصدر جرسٌ حديدي كبير صوتاً مختلفاً عن جرسٍ صغير مصنوعٍ من الألمنيوم.
أينشتاين وهوكينغ
ما توصّل إليه الباحثون من خلال تحليل تردّد موجات الجاذبية أثبت صحة مبدأ أساسي في فهم الثقوب السوداء طرحه هوكينغ، الذي رحل عام 2018. فقد افترض أنّ المساحة السطحية الكلية للثقوب السوداء لا ينبغي أن تتقلّص أبداً، أي أنّ مساحة سطح الثقب الأسود الناتج عن اندماجٍ يجب أن تتجاوز مجموع مساحتي سطحي الثقبين المندمجين.
وقد لبّى هذا الاندماج بالفعل ذلك التوقع. فقبل الاصطدام، بلغت المساحة السطحية للثقبين مجتمعَين نحو 240 ألف كيلومترٍ مربع، فيما قارب سطح الثقب الأسود الناتج عن الاندماج 400 ألف كيلومترٍ مربع.
وبيّن عالم الفيزياء الفلكية ويل فار من جامعة ستوني بروك ومعهد فلاتيرون، وأحد قادة الدراسة: "هذه هي المرة الأولى التي نتمكّن فيها من إجراء هذا القياس بهذه الدقة، ومن المثير للاهتمام الحصول على تأكيدٍ تجريبي مباشر لهذه الفكرة الأساسية عن سلوك الثقوب السوداء".
وقدّمت الملاحظات أيضاً أوضح دليل حتى الآن على أنّ الثقوب السوداء أجسام بسيطة كما توقّعتها نظرية النسبية العامة لأينشتاين، التي تفيد بأنّ الجاذبية تنجم عن انحناء الزمكان الناجم عن الكتلة والطاقة. وأكّدت النتائج صحة الفرضية القائلة ببساطة الثقوب السوداء التي أشار إليها أينشتاين، والتي أوضحها لاحقاً عالمُ الرياضيات روي كير عام 1963، إذ يمكن فهمها تماماً استناداً حصرياً إلى كتلتها ودورانها.
(رويترز)