انتهاكات بالجملة لحرية الصحافة في تونس

انتهاكات بالجملة لحرية الصحافة في تونس

13 اغسطس 2021
يعمل فريق قناة "الجزيرة" من مقر نقابة الصحافيين (أنيس ميلي/ فرانس برس)
+ الخط -

تعيش تونس منذ 25 يوليو/ تموز الماضي، تاريخ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد قراراته بتجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة التونسية وتوليه السلطة التشريعية والتنفيذية، جدلاً، لتوصيف ما حصل بين من يراه "قراءة موسعة للفصل 80 من الدستور التونسي" ومن يراه انقلاباً، ومن يذهب إلى اعتبار ما حصل "حركة تصحيحية"، مما تسبب في انقسام في الشارع التونسي كان له تأثير على عمل الإعلاميين التونسيين والمراسلين الأجانب، والذين يتم توجيه التهم إليهم من كل الأطراف التي لا تتفق مع ما ينشر أو تبث أهواءهم السياسية، مما صعّب عمل الإعلاميين والمراسلين. وطاولت الحالة الضبابية في تونس حرية الصحافة والتعبير التي عبّرت عدة جهات، ومنها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، عن تخوّفها حولها.

رغم اعتبار نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ هذه المخاوف "ليست وليدة الآن بل هي سابقة لقرارات الرئيس التونسي"، إلا أن المعطيات والأحداث الأخيرة ترفع من درجة التخوف، خصوصاً بعد ما تعرّض له مراسلو وسائل الإعلام العربية والأجنبية من انتهاكات لعملهم.

ففي 26 يوليو/ تموز الماضي، أغلقت السلطات التونسية مكتب قناة "الجزيرة" في تونس بالقوة العامة، من دون تقديم مبرر لما حصل، وهو ما اضطر العاملين فيها إلى استعمال النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين مقراً مؤقتاً لعملهم حتى تتضح الصورة ويسمح للمكتب بالعودة للعمل من جديد. وهي عودة تعهّد بها الرئيس التونسي لنقيب الصحافيين التونسيين أثناء لقائه به في نفس يوم غلق المكتب، لكن ذلك لم يتحقق إلى الآن، وهو ما يزيد في المخاوف حول حرية الصحافة في تونس.
أثار ذلك ردود فعلٍ واسعة شجبت الإجراء واعتبرته خطراً جديداً على حرية التعبير. يومها أيضاً، انتشر عناصر أمن في العاصمة التونسية حول مكتب "التلفزيون العربي" وصادروا معدات لصحافيين من القناة سافروا إلى تونس لتغطية الأحداث.

الصحافية العاملة في صحيفة "نيويورك تايمز" فيفيان يي تعرضت وزميلاً لها للمضايقة، وفقاً لما أوردته هي، بعد تنقلها في حي التضامن، أحد الأحياء الشعبية في تونس العاصمة، لإجراء تقرير صحافي، إذ طالبها الأمن التونسي بترخيص للتصوير واقتادها إلى مركز الأمن، إلا أن الجلاصي رأى أن الأمر لم يكن يتعلق باحتجاز، بل بإجراء إداري روتيني معمول به في كل دول العالم". وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ النقابة تدخلت ليتم تجاوز الإشكال في وقت قياسي. لكنّ دعوة الرئيس التونسي للصحافية فيفيان يي للقائها في قصر قرطاج زاد من تعقيد الأمور، إذ نشرت الصحافية تغريدة أكدت فيها أنها التقت سعيد ليلقي عليها محاضرة حول الدستور الأميركي من دون أن يسمح لها بطرح أي سؤال، وهو ما برره البعض من الأوساط القريبة من قصر قرطاج بأنّه "لقاء مع الرئيس وليس حواراً صحافياً، وبالتالي لا يحق للصحافية طرح أسئلة"، في حين اعتبر معارضون لما قام به سعيد أنّ الأمر يتعلق برغبة الرئاسة التونسية في توجيه رسائل طمأنة للمؤسسات الإعلامية الدولية، مستغلة في ذلك الحادثة التي تعرضت لها صحافية "نيويورك تايمز".

الاعتداءات على مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية لم تأخذ دائماً طابعاً رسمياً، فقد شنّت صفحات "فيسبوكية" قريبة من الرئيس التونسي حملة تشهير بحق مراسلة صحيفة "لوموند" الفرنسية ليليا بليز، موجهة إليها اتهامات بأنّها موالية لـ"حركة النهضة"، وهو ما نفته الصحافية، مشيرةً في منشورات على "فيسبوك" إلى أنّها لا تتقاضى راتباً إلا من الجهات التي تعمل معها، مؤكدةً أنها ستقاضي في تونس من يشهّرون بها.

الحملة التي تستمر منذ أسبوعين وعرفت أوجها في نهاية الأسبوع الماضي، دفعت الصحيفة الفرنسية أيضاً إلى توضيح موقفها حول ما تتعرض له مراسلتها. وكتبت مديرة التحرير في "لوموند" كارولين مونّو، الأحد الماضي، توضيحاً اعتبرت فيه الاتهامات ضدّ ليليا بليز مجانبة للصواب، قائلةً إنها "التزمت في تغطيتها باعتماد أسلوب مهني بعيداً عن الاصطفاف مع أي طرف سياسي"، معبرةً عن صدمتها من الهجمة التي تعرّضت لها المراسلة بشكل يعرض سلامتها للخطر. واعتبرت أنّ الاتهامات التي وجهت إلى المراسلة لم تكن مبنية على معطيات واقعية بل مجرد تخمينات نتيجة ورود اسمها في قائمة جهات اتصال لـ"حركة النهضة"، مبينةً أن وجود اسمها ضمن مجموعة من الصحافيين لا يعني أنّها تشارك في هذه الحملات الاتصالية لفائدة طرف سياسي ما، بل إنّ الأطراف السياسية تتواصل مع الصحافيين لنشر بياناتها وتصريحاتها.

وسائل الإعلام التونسية لم تسلم هي الأخرى من الاعتداءات، فقد حيث تعرض الصحافيون يوم 26 يوليو/ تموز أثناء تغطيتهم وقفة أنصار "حركة النهضة" أمام البرلمان للاعتداء، وتمت مصادرة هواتفهم الجوالة من قبل الأمن التونسي. كذلك عرف التلفزيون الرسمي التونسي يوم 28 يوليو/ تموز حالة من الاحتقان بعد منع ضيفين من المشاركة في برنامج حواري سياسي. وقد فسّر المدير العام للتلفزيون بأنه تلقى تعليمات من عميد في الجيش التونسي طلب منه إيقاف البرامج السياسية، وهو ما نفته رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع، فيما قام سعيد بإقالة المدير العام للتلفزيون التونسي.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

والأربعاء، رصدت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين 26 اعتداء على الصحافيين في تقريرها الشهري ليوليو/تموز الماضي، مقارنة بـ18 اعتداء في يونيو/حزيران. واستهدفت الاعتداءات 19 صحافياً وصحافية و7 مصورين ومصورات، يعملون في 20 مؤسسة إعلامية من بينها 6 قنوات تلفزيونية و5 إذاعات و4 مواقع إلكترونية و4 وكالات أنباء وصحيفة مكتوبة وحيدة. وتتوزع هذه المؤسسات إلى 14 خاصة و5 مؤسسات عمومية ومؤسسة مصادرة. وسجلت النقابة 5 حالات من الاعتداء الجسدي، و4 حالات منع من العمل، و3 حالات من الاحتجاز التعسفي والتحريض، وحالتين من الاعتداءات اللفظية والتهديد، وحالة واحدة من اقتحام المقرات (مكتب قناة الجزيرة).

وتصدر عناصر أمنيون ترتيب المعتدين على الصحافيين خلال شهر يوليو (12 اعتداء)، تلاهم أنصار "حركة النهضة" (3 اعتداءات). وكانت إدارة مؤسسات إعلامية ومحتجون مسؤولون عن اعتداءين لكل منهما، تلاهم تجار ومسؤولون حكوميون ومواطنون ومجهولون وسياسيون وأنصار قيس سعيد وموظفون رسميون، باعتداء وحيد لكل جهة.

النقابة طالبت في تقريرها رئاسة الجمهورية باحترام حق النفاذ إلى المعلومة، وتسهيل حصول الصحافيين على المعلومة الدقيقة في حينها، كما دعت إلى تمكين الزملاء في مكتب تونس التابع لقناة "الجزيرة" من العودة حالاً إلى مكتبهم، بعد إخراجهم منه من قبل قوات الأمن وإغلاقه ومنعهم من العودة إليه، وهو ما تسبب في تعطيل عملهم وجعلهم عرضة لصعوبات عدة.

وتسود مخاوف من خسارة واحد من أبرز مكتسبات الثورة التونسية، ألا وهو حرية الصحافة، بعد قرارات سعيد. في السياق، دان حزب "تونس الإرادة"، في بيان، الاثنين، تصاعد الانتهاكات للحريات العامة والخاصة، وضرب حرية التعبير والإعلام، ما ينذر "بانهيار منظومة العدالة وحقوق الإنسان التي بُذلت من أجلها دماء زكية لشهداء حلموا بمستقبل أفضل لتونس ينعم أبناؤها بالحرية والكرامة"، بحسب البيان.

وذكر البيان بعضاً من أبرز الانتهاكات التي كان بينها الاعتداء على الصحافيين، إغلاق بعض المكاتب الإعلامية الأجنبية، مثل مكتبي "الجزيرة" و"التلفزيون العربي"، منع البرامج الحوارية على التلفزة الوطنية، ومنع بعض الناشطين الحقوقيين من دخول مبنى التلفزة الوطنية (ممثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وممثلة نقابة الصحافيين)، بالإضافة إلى حملة الاعتقالات التي طاولت مواطنين تونسيين ومدونين، وحملة المداهمات البوليسية لمنازل بعض الناشطين السياسيين وترويع عائلاتهم وأطفالهم في انتهاك تام للقانون، وقرارات الوضع تحت الإقامة الجبرية، بما في ذلك لبعض رجال القضاء، وقرارات المنع من السفر، وتقييد حرية التنقل، كما المضي قدماً نحو عسكرة المؤسسات المدنية بتسمية ضباط على رأس الوزارات المدنية، واستعمال القضاء العسكري لإضعاف الخصوم السياسيين.

كما دعا "مجلس الصحافة" التونسي، وهو هيئة تعديلية للصحافة السمعية البصرية والورقية والإلكترونية، في بيان، الأربعاء، إلى إصلاح المؤسسات الإعلامية التونسية، بعد ما لاح عليها من ضعف، أثناء تغطيتها للأحداث التي شهدتها البلاد، عقب قرارات سعيد.

"مجلس الصحافة" لاحظ تخلف وسائل الإعلام المرئية الرسمية والخاصة عن مواكبة أحداث 25 يوليو/تموز بالنقل والتعليق، وخص بالذكر منها "مؤسسة التلفزة الوطنية" (التلفزيون الرسمي)، ما دفع التونسيين إلى متابعة التغطيات التلفزيونية المباشرة عبر وسائل إعلام أجنبية، وهو ما اعتبره يتنافى مع واجب الإخبار الذي التزمت به هذه القنوات كمرافق عامة، كما رأى أن المعالجة الصحافية ارتكزت على نقل مواقف وتصريحات الفاعلين السياسيين من الإجراءات الاستثنائية على المستوى الوطني والدولي، من دون تجاوز ذلك إلى التفسير والتحليل والتحري.

ورصد المجلس خروقات مهنية عدة، ومنها نشر الأخبار من دون التحقق من صحتها وغياب التوازن أحياناً في نقل مختلف المواقف، ولاحظ انخراط بعض المؤسسات الإعلامية في الاستقطاب السياسي والأيديولوجي، بالاقتصار على رواية واحدة للأحداث والتعليق عليها من وجهة نظر واحدة، وبإعطاء بعض وسائل الإعلام الفرصة لعدد من المعلقين لممارسة دور دعائي لفائدة فاعلين سياسيين. كما دعا الفاعلين السياسيين للكف عن التلاعب بالمؤسسات الإعلامية ومحاولة اختراقها أو ممارسة ضغوطات عليها. وأكد المجلس على أن "لا يمكن لمطمح التونسيين في إقامة مجتمع ديمقراطي حر ومتنوع ومتعدد أن يتحقق من دون صحافة قوية".

يذكر أن هذا هو البيان الأول الذي يصدره "مجلس الصحافة" الذي تترأسه الإعلامية اعتدال المجبري، تقييماً للإعلام التونسي، منذ الإعلان عن تأسيسه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

المساهمون