انتخابات الأسد... الصورة كتعويض عن فقدان الشرعية

انتخابات الأسد... الصورة كتعويض عن فقدان الشرعية

02 يونيو 2021
في ساحة الأمويين حشد الأسد سوريين ليحتفلوا بانتخاباته الصورية (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

من الواضح أنّ نظام بشار الأسد يتصرف كمنتصر في حربه ضد السوريين. فوق دمائهم أجرى انتخاباته، وفوق مجازره في دوما قرر الاقتراع، وزرع صوره في كلّ زاوية من سورية حتى يظهر كذا شعبيّة. لكن حتى "المنتصر الذكي" كان سيتصرف بشكل مختلف، كي يساعد نفسه وحليفته روسيا على إعادة تعويم نفسه، مثل إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين، والانفتاح على اللاجئين في دول الجوار.. إلخ. بدلاً من ذلك، استخدم النظام الأساليب نفسها التي درج عليها منذ أكثر من نصف قرن، وهي الاعتماد على الصورة كتعويض عن الشرعية.

صورة "الحشد الجماهيري" في الساحات، وصورة الناس الذين يهتفون للقائد ويبايعونه على السير خلفه، ذلك أنه يدرك أنّ انتخاباته غير مقنعة لأحد داخل سورية وخارجها. هو يكذب، ويعلم أنه يكذب، ويعلم أن الناس يعرفون كذبه، لكن يتمسك بـ"الصورة". صورة الناس الذين يهتفون ويدبكون ويصفقون، وصورة التنفيذ الحرفي للدستور والقانون الذي وضعه هو نفسه، وأضاف إلى ذلك وجود مرشحين منافسين... كلّها صور مركّبة هدفها ترويجي كتعويض عن النقص فيما هو حقيقي ومطالب به من المجتمع الدولي. وكلّها صور لا تستطيع أن تمحو حقيقة الإجبار على الاقتراع، وتفتيش الأصابع، والتحقيق مع من لم ينتخبوا.

صور الحشود المحتفلة بالأسد لا تغيّر حقيقة جرائمه

ما يساعد النظام على استمرار هذه اللعبة هو إدراكه عدم وجود أي ضغط جدي عليه من الخارج. وطبعاً مركز اهتمامه هو واشنطن، حيث الرسائل التي تصله أنّ إدارة بايدن مشغولة فقط بعقد صفقة مع إيران، ولا يعنيها شيء آخر. والصفقة التي يجري الحديث عنها، ستكون لصالح النظام طبعاً، لأن التوافق بين واشنطن وطهران سيعني بيع سورية، وغير سورية، لإيران، لأنّ الشيء الوحيد المقدس عند هذه الإدارة في المنطقة، وكل إدارة أميركية، هو إسرائيل، وما عدا ذلك قابل للمساومة.

ومن تابع إعلام النظام، والإعلام الذي يدور في فلكه طيلة فترة التحضير للانتخابات وفي يوم الانتخابات، والأيام التالية، لا بد أن يلاحظ أن الشاشات كانت موحدة وثابتة في تكرار صور الحشود الجماهرية، وصور المضافات التي تحتفي بالانتخابات كردّ على منتقدي إجرائها، وعلى "المبايعة" للأسد كردّ على المشككين بشرعيته، والاتهامات التي توجه له بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية. حتى المحللين الذين استضافهم ذلك الإعلام، لم يكونوا منشغلين بأية تحليلات سياسية ذات معنى، بل فقط بتفسير صورة الحشود وتحميلها المعاني التي يرغبون، بوصفها الدليل القاطع على شعبية النظام ورئيسه.

والملاحظ أيضاً التركيز على "تنوع الصورة" من ناحية التوزع الجغرافي ليشمل قدر الإمكان كل المناطق التي تحت سيطرة النظام، والتنوع في الفئات التي تعرضها الصورة، حيث التركيز على مناطق "السنة" وشيوخهم، بهدف إعطاء انطباع أن "الرئيس" هو للجميع، وليس لطائفة معينة، ومن هنا حرص الأسد على الإدلاء بصوته في يوم الانتخابات في مدينة دوما بالغوطة الشرقية. تلك المدينة التي ضربتها قواته عام 2013 بالسلاح الكيميائي، ومن ثم هجّرت معظم سكانها إلى الشمال السوري، وأحلت مكانهم سكاناً جدداً من الموالين للنظام.

ولكن مع التدقيق أكثر، لا بد أن نلاحظ أن "الحشود" التي ظهرت في الصورة كانت فقط في المناطق الموالية للنظام، وتحديداً في محافظتي طرطوس واللاذقية، إضافةً إلى ساحة الأمويين في دمشق. لا تخفى قدرة النظام على حشد الحشود في العاصمة التي يحكم قبضته عليها أمنياً، ويتغلغل فيها الموالون له طائفياً. أما في المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة النظام، مثل حلب وشرق سورية، فقد أخفق النظام في تأمين حشود كبيرة، وعوض عن ذلك بالدبكات والرقصات التي تضم أعداداً محدودة، فيما قاطعت محافظة درعا الواقعة نظرياً تحت سيطرة النظام الانتخابات، بل وشهدت مظاهرات حاشدة ضده وضد الانتخابات، ومثل ذلك حدث أيضاً، ولو بدرجة أقل، في محافظة السويداء المجاورة.

المساهمون