استمع إلى الملخص
- الحبكة تتضمن قصصًا متداخلة لشخصيات متعددة، منها شرطية مرهقة ومجرم وكاهن، مع التركيز على الصدفة كوسيلة لجعل الأحداث مقنعة، وتناول قضايا فلسفية في الثلث الأخير.
- رغم بطء الأحداث، يلتزم الفيلم بالفكرة البوليسية النمطية، مع تأثير التكنولوجيا الحديثة على التشويق، ويعكس واقعًا سياسيًا واجتماعيًا مضطربًا في كوريا الجنوبية عام 2025.
جريمة قديمة، وجريمة مقبلة مع حالة العَود ("الوحي"، ترجمة حرفية لـRevelations، إنتاج 2025، إخراج Sang-Ho Yeon). تتبع الكاميرا الشرّ السائل في الشوارع، مطاردة وتهديداً. مجرم مهووس بالمراهقات، في حالة عَودٍ إلى الإجرام مُجدّداً. يُجَن الدبّ المعزول. للتشويق، تجري الأحداث في غابةٍ وخرابة، لتجنّب الفضاءات المدينية، المُضاءة والمراقبة بالكاميرا، التي تُسهّل عادة عمل المُحقّقين، وبالتالي تقضي علـى التشويق البوليسي.
خرابة. كنيسة فخمة. مكتب شرطة ضيّق. تحاصر القيود الواقعية للمكان الحبكة. الفوارق والتناقضات واضحة.
كيف تدعم طبوغرافية المكان الطباقية حبكة الفيلم؟
بينما يكاد الناس يشحذون في شوارع عنيفة، ومبانٍ مهترئة، وعقارات فندقية غير مكتملة، ومشاريع مفلسة، يبني الأسقف معبداً ذهبياً فخماً وواسعاً، في واجهته لوحة تبشر بالسّلام، وتمجّد "الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف" المطيعة.
هناك طباقات سلوكية أيضاً: اشتكى الكاهن للأسقف، فبدأ الأسقف يشتكي للكاهن. يريد الأسقف تربية الشعب، ويكتشف أنّه لم يُربِّ ابنه الذي رسب في أول اختبار عاطفي، وهو المتزوّج حديثاً.
بمثل هذه الأجواء الفيلمية، تصمد الدراما الكورية في سوق الفرجة الكونية، التي تبثّها "نتفليكس" على مدار اليوم. أفلام جريمة وسوداوية وفضاءات كئيبة. كلّ الأسر في الفيلم ممزّقة ومفكّكة، والفرد متروك لذاته. ربما يتغذّى هذا الواقع الوحشي من الوضع في بلد غير مستقرّ سياسياً. رئيس كوريا الجنوبية مُعتقل، والدولة تقبع بين فكّي بلدَين يحكمهما حزبان شيوعيان عام 2025.
يعرض الفيلم حبكة ثلاثية الأبعاد، لكلّ شخصية فيها قصة. شرطية مرهَقة بواجب انتقام وبماضٍ ثقيل. شرطية تحقّق في مصير عدوّها رقم واحد. محقّقة منحازة منذ البداية. مجرم يتّهم ماضيه لا نفسه، ويبرّر عنفه بماضيه. يقرأ الكتب، ويصنّف ما جرى له كعقدة طفولة، يُصيّرها المحلّل النفسي وسيلة ابتزاز. يُسوّق الطبيب النفسي أنّ "العنف يولّد العنف". بتفسير العنف من وجهة النظر هذه، يبدو المجرم كأنّه لا يتحمّل مسؤولية أفعاله شخصياً. كاهن غارق في الخطيئة يدعو إلى التوبة. كاهن يبذل جهداً ليستحق مركزه. يرصد ما يجري بدهشة. كيف يتصرّف الكاهن أمام الشرّ البشري؟ يقارن الكاهن المجرم بالشيطان. يعتبر نفسه موكّلاً بتنفيذ العدالة الإلهية.
الحلّ بيديّ النبي المسلّح.
شرطية باهتة حائرة بين الانتقام والعدل، تتجاهل القرائن في موقع الجريمة. اختارت الواجب بدل الانتقام. هذا مصير الشرطي خادم الدولة، بحسب خصائص الفيلم البوليسي.
يعرض "الوحي" حبكة ثلاثية الأبعاد، تبدأ متباعدة، ولا تصير منسجمة إلّا بإقحام تفسيرات جاهزة. كيف سدّ السيناريو (شوي غيّيُو ـ سِيوك ويِون سانغ ـ هو، عن رسوم متحرّكة لهما تُبثّ على الويب) الفجوة بين القصص الثلاث؟ لكلّ شخصية قصة. ثلاثة عوالم تحاول أنْ تتقاطع وتتداخل. يجري رتق القصص لتلتقي وتتوحد في معمار واحد. يدير السيناريو الصدفة، ليجعلها مقنعة. يسدّ الفجوة لتصير الحبكة المقسومة واحدة.
رغم افتعال تحويل كلّ حدث إلى مطاردة، فإن الشخصيات ثابتة من البداية إلى النهاية. لم تتسبّب الأحداث في أي تحوّل. لمكافحة الملل، يتّخذ الفيلم منحى فلسفياً في ثلثه الأخير. إنّه الجزء الأصعب من كلّ فيلم، عادة. المنحى الفلسفي يفسّر الأشكال والرموز، ويحمّلها معانٍ ضخمة. يجري تفسير حالة العَود إلى الإجرام مُجدّداً بدافع سيكولوجي لدى البوليس، وميتافيزيقي لدى الكاهن. يلقّب المجرمُ زوج أمه بذي العين الواحدة. يحارب الكاهن الدجّال الأعور، أي المسيح المزيف. يُربَط بين دوافع المجرم وشكل الدجّال ذي العين الواحدة. الدجّال (Antéchrist) عدوّ المسيح والكاهن. من يملك عيناً واحدة، لا يرى المشهد كاملاً. يرى العالم من جهة واحدة. الشرطية منحازة مسبقاً إلى الضحية. الكاهن/الراعي الصالح منحاز إلى الملائكة، وهو يكره الشياطين العاصية.
من سيحقّق العدالة: الدولة أو الله؟ البوليس أو الكاهن؟ هناك سباق بين المجرم والشرطي والكاهن والطبيب النفسي. من يقود خطوات البشر: الإرادة أو الروح القدس؟
يحلّل الطبيب النفسي الدوافع الإجرامية ليفهم القاضي ما جرى. بالنسبة إليه، يصير الطفل الذي تعرّض للعنف، وقتاً طويلاً، مجرماً. إذاً، هذه حتمية لا اختيار خطر، يتحمّل الفرد مسؤوليته. من وجهة نظر الضحية، هذه تبرئة للمجرم، وهذا ما أثّر سلباً في مصيرها. يتسبّب تفسير سلوك الشخصية، غير السوية بما عاشته في طفولتها، بالتعاطف مع المجرم. هذا مدخل إلى شرعنة العنف.
رغم بطء الأحداث، وأحادية خصائص الشخصيات، يلتزم السينازيو بوضوح بقواعد الفكرة التي تؤطّر كل مشهد في الفيلم البوليسي النمطي، كل شخصية واثقة من فرضيّتها منذ البداية، ولن تتنازل مهما كان الثمن. هذه حبكة ميكانيكية مكشوفة منذ البداية. صار صعباً جعلها مشوّقة، لأنّ التكنولوجيا تكشف الأسرار بيُسر، والأخطر وجود كاميرا معلّقة في كل مكان، فماذا سيضيف المحقّق الماهر؟
تقضي كاميرات المراقبة الفاضحة على الصلصة البوليسية السرية لـ"الوحي".