الوباء يخنق تطلعات الصحافيين الأردنيين

الوباء يخنق تطلعات الصحافيين الأردنيين

28 نوفمبر 2021
قانون الدفاع والأوامر والبلاغات الصادرة بموجبه قيدت عمل الصحافيين (جوردان بيكس/ Getty)
+ الخط -

تتجه الأوضاع المعيشية للصحافيين الأردنيين منذ سنوات نحو الأسوأ، بفعل الأزمات المالية التي خنقت المؤسسات الإعلامية في البلاد، وتحديداً الورقية، بعد عزوف المشتركين عن تجديد اشتراكاتهم السنوية معتمدين على ما تقدمه لهم منصات التواصل، وكذلك فعل المعلنون.

الأزمة التي يعيشها صحافيو الأردن ضاعفتها جائحة فيروس كورونا، وما تبعها من إجراءات في البلاد، على رأسها قانون الدفاع والأوامر والبلاغات الصادرة بموجبه. وإذا ما استثنينا الإعلام الرسمي المدعوم حكومياً، فقد نالت الأزمة من قنوات تلفزيونية وصحف ورقية ومواقع إلكترونية تُركت لتواجه المصير الذي لقيته صحيفة "العرب اليوم" التي أغلقت عام 2013، والنسخة الورقية من صحيفة "السبيل" التي توقفت طباعتها عام 2019.

يكشف رئيس تحرير صحيفة وموقع "الحياة" الأردنية محمد أبو شيخة، لـ"العربي الجديد" أنّ مئات الصحافيين الأردنيين يعانون من تدني قيمة رواتبهم والتأخر في تلقيها لشهرين أو أكثر، وسط تراجع حجم المبيعات وإلغاء اشتراكات الصحف اليومية والأسبوعية. ويلفت أبو شيخة إلى أنّ وباء كورونا فاقم الأعباء المالية على المؤسسات الإعلامية، وساهم في تدهور أحوال الصحافيين والمواقع الإلكترونية وما تبقى من منشورات أسبوعية. وحذّر من أنّ مئات الصحافيين مهددون بالاستغناء عن خدماتهم لينضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل من مختلف القطاعات. ويشير إلى أنّ صحافيين كثيرين أصبحوا يفكرون بالهجرة من البلاد، لممارسة الصحافة أو أي مهنة أخرى، أمام هذا الواقع الاقتصادي المتردي.

حذّر رئيس تحرير "الحياة" الأردنية محمد أبو شيخة من أنّ مئات الصحافيين مهددون بالاستغناء عن خدماتهم لينضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل من مختلف القطاعات

هذه الحال يعبّر عنها أيضاً الصحافي وليد حسني الذي عمل في مؤسسات إعلامية وصحف مختلفة. ويتخوف حسني، في حديث مع "العربي الجديد"، من أنّ لا حلول في الأفق لهذه المشاكل، وعلى رأسها الأمان الوظيفي. ويقول حسني إنّ "الصحافي الأردني مهدد في لقمة عيشه، فإما أن يتحول إلى عاطل عن العمل بإرادته لضعف المردود، وإما بسبب مشاكل مالية تواجهها المؤسسات الإعلامية، أو لأسباب أخرى تتعلق بإدارة هذه المؤسسات، خاصة الصحف الورقية". ويشير إلى أنّ الصحف الورقية اليوم "شبه منتهية"، لأنّها تواجه مشاكل عدة وكثيرة، فيما تعاني الصحافة الإلكترونية بدورها أزمات عدة، أبرزها ديمومة التمويل ونوعية المحتوى.

الصحافي خلدون الخالدي، من خريجي عام 2014، ولا يمارس عملاً منتظماً حالياً. فور تخرجه، عمل الخالدي في موقع إلكتروني، مقابل راتب يصفه بالمقبول، ثم اتجه إلى التعاون بالقطعة مع صحيفة يومية. عمله هذا وفر له مردوداً حسناً، خصوصاً أنّه يقيم قرب مخيم للاجئين السوريين ويغطي أخبارهم التي كانت تلقى اهتماماً وقبولاً. لكنّ تغيراً في رئاسة التحرير قلب أوضاعه، فانخفض دخله إلى النصف، وأصبحت شروط النشر أصعب. يقول الخالدي لـ"العربي الجديد" إنّ "الأمور انقلبت رأساً على عقب مع تفشي جائحة كورونا وإصدار أوامر الدفاع الحكومية، إذ جرى فصل العديد من العاملين بعقود، وخفضت رواتب الموظفين، حتى فقدت عملي". ويلفت إلى أنّ عدداً غير قليل من الصحافيين لم يجدوا عملاً منذ فصلهم بسبب الجائحة، أما من وجدوا وظيفة فهم يتلقون رواتب متدنية، فيما تتضاعف مشاكل أبناء المحافظات، كون العمل الإعلامي مرتبطاً أكثر بالعاصمة عمّان.

الأمان الوظيفي أولوية لدى العاملين في المؤسسات الإعلامية الأردنية

ويلفت إلى أنّ الكثير ممن يعملون في المواقع الإخبارية الإلكترونية من غير خريجي الإعلام والصحافة، ويزاولون هذه المهنة كعمل ثان إضافي، ويقبل عليهم أصحاب العمل لتدني الرواتب التي يطلبونها، وبعضهم أصلاً من غير المدربين. ويطالب المؤسسات الحكومية والخاصة بإعطاء الأولوية لخريجي الإعلام، معتبراً أنّ مستقبل الصحافيين "مظلم وغير واضح". ويقول الخالدي إنّ الكثير من الخريجين تأملوا في إضافة مادة التربية الإعلامية للمناهج المدرسية (ما يسمح لهم بتدريسها) إلاّ أنّ هذه الآمال تبخرت رغم الوعود السابقة بتصنيف وزارة التربية لمادة التربية الإعلامية كنشاط مدرسي.

على صعيد متصل، يرى أمين سر نقابة الصحافيين الأردنيين عدنان برية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه في تشخيص أزمة الصحافة الوطنية "نستعجل بالتركيز على أنواعها التقليدية، لما أصابها من اعتلال أعمق، مقارنة بالحديثة منها، لكن الواقع يعكس أزمة تشمل أنواعها جميعاً". ويوضح برية: "مبكراً، شُخّصت أزمة الصحافة الوطنية بأنها تعبير عن صراع بقاء، جذوته تستند إلى هوامش التكلفة وثورة الاتصالات، وتخوضه الصحافة الورقية في مواجهة الصحافة الإلكترونية، بيد أنّ أمر الأزمة ظهر أكثر وضوحاً مع ذروتيها، ليتبين أنها تمتد إلى مختلف أنواع وسائط الإعلام".

ويضيف: "لا خلاف بشأن تآكل مداخيل وسائط الإعلام الوطنية، في مقابل النمو المضطرد لمداخيل الوسائط العابرة للوطنيات؛ وأيضاً لا خلاف بشأن غياب التنوع المؤسسي، على مستوى المحتوى، خصوصاً في دول ما عُرف بالعالم الثالث، أو تلك العالقة في المرحلة الانتقالية من تجربتها الديمقراطية. المداخيل والتنوع المؤسسي يشكلان ثنائية خطيرة تعمّق أزمة الصحافة الوطنية، بمختلف أنواعها، ويدفعان بها إلى انحرافات مهنية، قوامها محتوى بسوية رديئة أو بلون واحد، يفقدها حواضنها وجمهورها".

أمين سر نقابة الصحافيين الأردنيين عدنان برية: المداخيل والتنوع المؤسسي يشكلان ثنائية خطيرة تعمّق أزمة الصحافة الوطنية بمختلف أنواعها

ووفقاً لبرية، ينسحب الأمر على المزاولين لمهنة الصحافة والإعلام، إذ تحد الثنائية من قدرتهم على مواصلة المزاولة من جهة، لما تتسبب به من انحسار للفرصة البديلة القادرة على هضم تنوعهم، ومن جهة ثانية تُلقي بظلال ثقيلة على قدرتهم المعيشية التي لا شك أن ضيقها يؤثر على استقلاليتهم المهنية وعلى تطويرهم لأدواتهم ومواكبتهم لما يستجد في هذه الصناعة.

ولطالما نادت المنظمات المعنية بالحريات العامة والصحافية بكسر القيود القانونية المفروضة على المزاولين لمهنة الصحافة والإعلام، لكنها لم تتنبه إلى أثر الملف المعيشي على مجمل المشهد الصحافي.

ويقول برية إنّ "وسائط الإعلام في الأردن، التقليدية والحديثة، تقف على حافة خطرة، إذ تعاني تراجعاً حاداً في مداخيلها، بينما مؤشرات الاقتصاد الوطني لا تشي بخير مقبل عليها، ويرافق ذلك إصرار على مواصلة تقييدها بجملة من القوانين والأنظمة، وكذلك بإجراءات تنفيذية" تحمل صبغة عُرفية، في بيئة عاجزة عن إحداث تغيير جوهري يؤثث لمسار إنقاذي".

عدنان برية: الخروج من الأزمة غير ممكن من دون الحديث عن تغيير جوهري يصيب القيم الضابطة لمختلف الأطراف ذات الصلة بصناعة الصحافة والإعلام

ويلفت أمين سر نقابة الصحافيين الأردنيين إلى أنّه باستثناء وسائط الإعلام الرسمية التي تتلقى تمويلاً مباشراً من الحكومة أو غير مباشر من جهات حكومية (مدنية وعسكرية)، لا يمكن الحديث عن صحافة وطنية "مستقلة" و"مستقرة" في الأردن، والخروج من الأزمة غير ممكن من دون الحديث عن تغيير جوهري يصيب القيم الضابطة لمختلف الأطراف ذات الصلة بصناعة الصحافة والإعلام، وعلى رأسها الأطراف الرسمية التي ما زالت تمسك على تقليديتها وعرفيتها في إدارة المشهد.

وكان نائب نقيب الصحافيين الأردنيين، جمال اشتيوي، قد أكد، لـ"العربي الجديد"، في حديث معه خلال الشهر الحالي، أن "لا صحافة بلا حرية"، وأنّه "لا بد من تطوير المحتوى داخل وسائل الإعلام الأردنية بطريقة مسؤولة تقدم الحقيقة وتحترم خصوصيات الناس". وأكد أهمية العمل وفق الضوابط الأخلاقية للمهنة، مضيفاً أنّ "أيّ قيود تفرض على النشر مرفوضة" مشدداً على أهمية تعزيز الحريات ورفض أي قوانين معطلة. وأشار اشتيوي حينها إلى ضرورة إعادة النظر بقانون الجرائم الإلكترونية وإلغائه، معتبراً أنّ "هناك مساحة من الحرية في البلاد يمكن العمل من خلالها من دون تشنجات أو اغتيال للشخصية، وأنّ من المهام الرئيسية للنقابة رفع سقف الحريات، وسيتم إصدار واستحداث تقرير سنوي من النقابة حول الحريات الصحافية".

المساهمون