استمع إلى الملخص
- يُشارك الفيلم في مهرجان برلين السينمائي 2025، ويتميز بعدم إعطاء الشخصيات أسماء، مما يثير تساؤلات حول المغزى. يعرض تفاصيل حياتية وثقافية وسياسية، مستحضراً الماضي مثل الحرب العالمية الثانية والمحرقة النازية.
- يُعتبر الفيلم وداعاً لميشال بلان، حيث يجمع بين الأداء اللافت وجمالية التأمل في التاريخ والذاكرة.
مسألتان يُتوقَّف عندهما، إثر مشاهدة "المَخبَأ" (2025)، للسويسري ليونيل بايْر: إنّه الفيلم الأخير للممثل الفرنسي ميشال بلان (مواليد 16 إبريل/نيسان 1952)، المتوفّى في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2024؛ إنّه استعادة للحظة تاريخية فرنسية (لها ما يُشبهها في دول أوروبية وغربية أيضاً)، معروفة بـ"أيار 68"، والاستعادة حاصلةٌ بنبرة كوميدية ساخرة، وإنْ بشكلٍ مُخفَّف، من دون المسّ بجوهر الحكاية، و"بطلها" الأساسي، الشاهد وقائعها رغم صِغر سنّه: الصبي (6 أعوام)، الذي يؤدّي دوره إتيان شيمانتي، ويُكتشَف في الفيلم أنّه الروائي الفرنسي كريستوف بولتانْسكي، كاتب رواية بالعنوان نفسه (2015)، يُقتَبس منها سيناريو باتريك ليندنْماير.
حضور ميشال بلان، بدور جدّ الصبي، يُثير حنيناً إلى زمنٍ سينمائي فرنسي، يشارك الراحل في صُنعه. ويُذكِّر بحيوية ممثل، وحِرفية مهنية في أداء يوحي بسهولة وبساطة، لكنّه يمتلك واقعية ومصداقية جاذبتين. أمّا اللحظة التاريخية تلك، فتُصبح منعطفاً في تاريخ فرنسا واجتماعها وثقافتها، وسينماها أيضاً، من دون إغفال ما يحصل في ذاك العام في دول أخرى، أبرزها الولايات المتحدّة الأميركية (الربع الأخير من ستينيات القرن الـ20 شاهدٌ على تبدّلات في تفكير واشتغال، في مسائل كثيرة)، و"ربيع براغ" (5 يناير/كانون الثاني ـ 21 أغسطس/آب 1968).
لكنّ ليونيل بايْر غير مُكترثٍ بخارجٍ عن "أيار 68" الفرنسي، من خلال يوميات عائلةٍ مؤلفة من أربعة أجيال، آخرها ذاك الصبي المُدلَّل والمُراقِب والحيوي، المُقيم في منزل جدّه، مع والدة جدّه (ليليان روفِر) وجدّته/زوجة الطبيب (دومينيك ريمون) وعمّيه (ويليام لِبغيل وأورليان غابرييلّي). أمّا والداه (أدريان بارازوني ولاريسا فايبر)، فمنشغلان بالحراك الثوري الطالبي، مع تمكّنهما من زيارة منزل العائلة بين حين وآخر.
مسألة أخرى تَلفت الانتباه: لا أسماء للشخصيات في "المَخبَأ"، المشارك في مسابقة الدورة الـ75 (13 ـ 23 فبراير/شباط 2025) لـ"مهرجان برلين السينمائي (برليناله)". هذا متداول في أفلامٍ عدّة. لكنّ فيلماً كهذا، يُبنى على شخصيات تريد أنْ تكون فاعلة في صُنع تحوّلات تشهدها باريس حينها، من دون إعطاء الشخصيات أسماء، يُثير تساؤلاً عن المغزى. أيكون السبب رغبةً سينمائية في القول إنّ الأهمّ من الأسماء أفعالٌ ميدانية، وتساؤلات يطرحها أناسٌ يحضرون في الحاصل، بطريقة أو بأخرى؟ ربما.
تفاصيل كثيرة تحصل، في المنزل وخارجه. كتبٌ ولوحات ونقاش في الثقافة والسياسة والعلاقات، والماضي يحضر بدوره، فللجدّة الكبيرة تاريخٌ حافلٌ في حياةٍ، لا بُدّ أنْ تنتهي ذات لحظة. ماضٍ آخر يحضر: الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) والمحرقة النازية بحقّ اليهود. فـ"المَخبَأ" لن يبقى عنواناً لرواية/فيلم فقط، ولن يرمز إلى منزل في مجمّع سكني صغير في قلب باريس فقط. ففي حيّز منه، هناك مخبأ له مدخل ضيّق الحجم، سيُقيم فيه الجدّ اليهودي أشهراً طويلة للغاية، هرباً من النازيين وأزلامهم الفرنسيين. في المَخبَأ الصغير هذا، سيأتي الجنرال شارل ديغول، "الهارب" من مهامه الرئاسية والضغوط الشعبية والثقل السياسي (1968)، مع أنّ "هروبه" هذا مؤقّت وعابر.
إلى الأداء اللافت للانتباه والمتابعة، هناك متعة الإنصات إلى تاريخ نابضٍ في ذاكرة أفراد، وجمالية تأمّل في أحوالٍ ومسارات. ومع أنّ الشقّ اليهودي غير مُفيد، سينمائياً ودرامياً (أهناك حاجة، سينمائية ودرامية فعلاً، إلى كشف سرّ هذا المَخبَأ الصغير؟)، يبقى "مَخبَأ" ميشال بلان وداعاً له.