الملصقات الدعائية... سياقات نشوء البروباغندا والتضليل

03 فبراير 2025
ملصق تعبوي للاتحاد السوفييتي (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعود أصول كلمة "بروباغندا" إلى اللاتينية، واستخدمت لأول مرة في القرن السابع عشر من قبل الكنيسة الكاثوليكية، وارتبطت لاحقاً بالقضايا السياسية، خاصة خلال الحرب العالمية الثانية.
- يستعرض كتاب "Propagandopolis" تاريخ الدعاية العالمية عبر ملصقات وصور مؤثرة، مع أمثلة من الدعاية السياسية مثل الجداريات في عهد صدام حسين والملصقات السوفييتية والأميركية.
- يختتم الكتاب بمقال لروبرت بيكهام حول تطور الدعاية من الطباعة إلى الإنترنت، مشيراً إلى تحديات التمييز بين الدعاية والحقيقة في العصر الحديث.

تعود كلمة بروباغندا إلى الأصل اللاتيني Propagate التي تعني الانتشار أو النشر. وقد دخلت هذه الكلمة حيز الاستخدام لأول مرة خلال القرن السابع عشر، حين سعت الكنيسة الكاثوليكية إلى محاربة الهرطقة المتنامية بين الناس من خلال ما يعرف بـ"الجماعة المقدسة لنشر الإيمان". غير أن الاستخدام الأكثر شيوعاً للمصطلح، ارتبط بالقضايا السياسية على وجه التحديد، وتجسد خلال الحرب العالمية الثانية حين أنشأ هتلر وزارة التنوير العام والدعاية، تحت قيادة جوزيف غوبلز (Joseph Goebbels)، التي أشرفت على محتوى الصحافة والكتب والفن، وغيرها من أشكال وسائل الإعلام. وقد آمن غوبلز أن قوة الدعاية تكمن في "اختراق الشخص المُستهدف، من دون أن يلاحظ حتى أنه يُخترق".
فكيف يمكن لصورة واحدة أن تفعل ذلك؟ كيف يمكنها أن تحرك الجموع، وتزرع الخوف، أو تبني أسطورة حول زعيم؟ وهل يمكن لملصق بسيط أن يكون سلاحاً دعائياً أقوى من الرصاص؟ هذه الأسئلة وغيرها يطرحها علينا Propagandopolis: A Century of Propaganda from Around the World، وهو كتاب مصوّر يجمع بين الفن والسياسة في توليفة تأريخية للدعاية العالمية خلال القرن العشرين وما بعده. يستند الكتاب إلى صفحة بنفس الاسم للمؤلفين على تطبيق إنستغرام. يُقدم الكتاب والصفحة على "إنستغرام" نافذة مثيرة على عالم الدعاية السياسية، إذ يضم مجموعة ضخمة من الملصقات واللوحات والصور التي استخدمت للتأثير على الرأي العام، سواءً لخدمة قضايا نبيلة أو لتبرير الطغيان والقمع. من الجداريات الضخمة التي نفذت في عهد صدام حسين، إلى ملصقات الثورة الثقافية الصينية، وصولاً إلى الدعاية الأميركية والسوفييتية في الحرب الباردة، يجمع الكتاب بين المتناقضات ليكشف كيف يتم التلاعب بالمشاعر والعقول عبر الصور.
يحرص الكتاب، الذي أعده كل من دامون موراي وستيفن سوريل، وكتب نصوصه برادلي ديفيز، على تقديم الدعاية السياسية فناً مرئياً لا يخلو من الجمال البصري رغم أهدافه المتباينة. يضم الكتاب مجموعة متنوعة من الصور التي تبدو أحياناً جذابة وساحرة، رغم كونها أداة للتحريض أو التلاعب، وهذا ما يجعله مثيراً للجدل. يقدم الإصدار، مثلاً، ملصقات تعود إلى الحرب العالمية الثانية، من بينها ملصق أميركي شهير يحذر من مخاطر تسرب المعلومات للعدو. في المقابل، نجد لوحات سوفييتية تصور العمال شخصيات خارقة في مواجهة الإمبريالية الغربية، بينما تحاول الملصقات النازية زرع صورة القوة والتفوق العرقي.
إلى جانب ذلك، يتناول الكتاب بعض الأمثلة الحديثة، مثل صور الدعاية الكورية الشمالية، وأسلوب التلاعب الإعلامي الذي استخدمه "داعش"، وحملات التوعية السياسية والاجتماعية التي اعتمدت على تقنيات الدعاية نفسها، مثل ملصقات التوعية بالإيدز في أوغندا، أو الحملات النسوية في الولايات المتحدة. أحد الجوانب المثيرة في الإصدار هو طريقة تقديمه للدعاية باعتبارها أداة ذات حدين، فهي يمكن أن تكون وسيلة للقمع والتضليل، ويمكن أن تكون أداة للتحرر والتعبئة الاجتماعية. يستعرض الكتاب صوراً تدعم الأنظمة الدكتاتورية، مثل لوحة عراقية تصور صدام حسين في عربة حربية وسط وابل من الصواريخ، أو ملصق من كوريا الشمالية يظهر كيم جونغ أون قائداً خارقاً. ومن جهة أخرى، يبرز الكتاب أيضاً دور الدعاية في دعم الحركات الحقوقية والاجتماعية، مثل الأعمال الفنية التي أنتجها إيموري دوغلاس لصالح حركة الفهود السود في الولايات المتحدة الأميركية.
لا يكتفي الكتاب بعرض الصور فقط، بل يقدم تحليلاً شاملاً لكل منها، موضحاً السياق السياسي والاجتماعي الذي أنتجها. فعند الحديث عن دعاية الحرب الباردة، لا يقتصر العرض على الملصقات فقط، بل يتناول كيف كانت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يستخدمان الفن والتصميم أداة لإثبات تفوقهما الأيديولوجي. وعند عرض دعاية الأنظمة الفاشية، مثل ملصقات نظام فرانشيسكو فرانكو في إسبانيا، يوضح الكتاب كيف استُخدمت الصورة لترسيخ فكرة القائد القوي الذي يحمي البلاد، رغم الواقع الوحشي الذي كان يعيشه المواطنون تحت حكمه. يشير الكتاب إلى أن الدعاية ليست محصورة في الحكومات فقط، بل تمتد إلى الحركات الاجتماعية والثقافية، وحتى العلامات التجارية الكبرى، التي تستخدم أساليب دعائية لبيع منتجاتها أو التأثير على المستهلكين.

يختتم الكتاب بمقال تحليلي للكاتب روبرت بيكهام، يستعرض فيه تاريخ الدعاية منذ ظهور الطباعة وحتى عصر الإنترنت، موضحاً كيف أن أساليب التأثير على الجماهير لم تتغير جذرياً، بل تطورت بطرق جديدة. فمع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الدعاية أكثر قوة وانتشاراً، إذ يجري التلاعب بالمعلومات عبر الميمات والفيديوهات القصيرة والإعلانات الموجهة.
في ختام مقاله، يطرح بيكهام تساؤلاً مهماً حول قدرتنا على التمييز بين الدعاية والحقيقة، في ظل عالم نغرق فيه بصرياً في صور معدّة بعناية للتأثير على مشاعرنا وسلوكنا من دون أن ندرك ذلك. لعلّ كتاب Propagandopolis من أبرز الإصدارات الحديثة في مجال التاريخ البصري والدعاية، إذ يأخذنا في رحلة عبر تاريخ التلاعب بالعقول من خلال الصورة، موثقاً كيف كانت، ولا تزال، أداة قوية لصناعة الواقع أو تزويره.

المساهمون