استمع إلى الملخص
- أسس الأخوان لوميير لفن السينما من خلال إنتاج أفلام قصيرة تميزت بالتأطير الفني والحركة الديناميكية، مثل "الخروج من مصنع لوميير"، مما أتاح نقل المشاعر عبر الشاشة وبناء مشاهد وقصص حقيقية.
- فيلم "لوميير، المغامرة مستمرة" يُبرز ابتكار الأخوين لوميير للغة السينمائية باستخدام تقنيات تصوير متقدمة، مما جعل السينما فنًا يتطلب إبداعًا في التأطير والحركة، واستمر تأثيرهما في تشكيل السينما الحديثة.
من اخترع السينما؟
في الولايات المتحدة الأميركية، يُنسب الاختراع إلى توماس إديسون (1847 ـ 1931). في أوروبا، إلى الأخوين لوميير، أوغست (1862 ـ 1954) ولوي (1864 ـ 1948). في الحقيقة، تصعب الإجابة، إذا حوصرت السينما في جهاز تقني. في الواقع، تسجيل الصورة، وتطوير نظام تسجيل سلسلة صُور متتالية، على فيلم، يُمكن بعد ذلك تدويره بسرعة، فتثير مشاهدته انطباعاً بالحركة، تطلّبا سلسلة اختراعات يُقال معها إنّ السينما اختراعٌ جماعي، ممتد في عقود ومراحل عدّة، أهمها اختراع جهاز "كينيتوسكوب" إديسون، المُقدّم إلى الجمهور عام 1891، أربع سنوات قبل اختراع الأخوين لوميير.
كان جهاز التصوير الحركي عملية تسمح للناس مشاهدة أفلامٍ قصيرة جداً من ثقب صغير. الأخوان لوميير طوّرا فقط هذه العملية، وأضافا أعظم ابتكار إليها: العرض على شاشة كبيرة.
لكنْ، إذا لم يتعلّق سؤال "من اخترع السينما؟" بتقنية ما، بل بالفن السينمائي، فالإجابة تقول: إنّهما الأخوان لوميير، "العبقريان" (وفقاً لأندره تاركوفسكي). يُمكن القول أيضاً إنّهما اخترعا هذا الفن دفعة واحدة. وهذا يبرزه تييري فريمو في "لوميير، المغامرة مستمرة" (2025)، المعروض حالياً في فرنسا، بالتزامن مع بلوغ السينما 130 عاماً.
من بين ألفي فيلم صنعها الأخوان لوميير، ومُشغّلون درّبوهما بين عامي 1895 و1902، بقي نحو مائة فيلم، مدّة كلّ منها 50 ثانية، وهذا يبدو قصيراً جداً، لكنّه أطول بكثير من الأفلام الأولى لإديسون: عشر ثوانٍ. في 50 ثانية، يُمكن بناء مشهد حقيقي وتطويره، وقصة حقيقية عبر الصور، وهذا أدركه الأخوان لوميير فوراً. أفلام منها، غير تالفةٍ للغاية، رُمّمت أخيراً، يقدّمها الفيلم، ويُعلّق فريمو عليها بجدّية وعمق. بعضها معروف، كـ"الخروج من مصنع لوميير"، المعروض أول مرة عام 1895؛ أو أول فيلم هزلي، "الساقي المسقي"، البسيط والطبيعي، إلى درجة أن جان ـ لوك غودار قال إنّه فيلمه المفضّل. أيضاً "وصل القطار إلى محطة لاسيوتا"، المُصوّر صيف 1895، أول فيلم فيه حركة ديناميكة، يتجلّى فيها الحسّ الفني لدى لوي لوميير.
تنوّع استثنائي في إلهام المُخرجين الأوائل. أفلام لم تُشاهد قبلاً، إلا مع آثار الزمن عليها، مليئة بخدوش وبُقع. بعد ترميمها، تبدو في فيلم فريمو على حقيقتها، لأنّها ليست آثاراً تاريخية قديمة الطراز، بل أفلام حيّة ومؤثّرة كما في يومها الأول. يُسلّط تعليق فريمو، الذي تتخلّله غالباً روح دعابة متحفّظة، الضوء ببراعة على تنوّع الموضوعات: مشاهد عائلية، غالباً عائلة لوميير مع أطفال عديدين، إلى عائلات يابانية من عصر ميجي، صوّرها شخصٌ أُرسل إلى اليابان (أجواء شبيهة بأفلام أوزو)، واستعراضات جيوش، ومناورات عسكرية، ومشاهد وثائقية بحتة لشوارع في ليون وباريس والجزائر، كما في شوارع مدن أميركية عام 1896، قبل طرد عائلة لوميير، مع بدء إديسون إجراءات ضد منافسيه، باسم المبدأ السائد آنذاك، الذي تكرّر مراراً: "أميركا للأميركيين". هناك مشاهد كوميدية أيضاً، وتمارين رياضية، وسباحة في البحر، ورجال ونساء في الحقول وورش العمل، كأنّ اهتمام لوي لوميير بالفلاحين والعمال، خاصة النساء اللواتي يعملن، يُعلن من بعيد عن الواقعية الإيطالية.
تُبهر هذه الأفلام أيضاً لأنها تُظهر، كأننا كنا هناك تقريباً، عالماً قريباً جداً، لكنّه اختفى. المدن نفسها، والشوارع نفسها لا تزال معروفة جداً (الشانزليزيه مثلاً)، لكنّها أكثر حيوية، مليئة بحشد أكثر أناقة، كما في "الخروج من مصانع لوميير"، إذْ تظهر أناقة بسيطة لعاملات يرتدين صدريات منتفخة، وتنانير طويلة وضيقة عند الخصر، مع قبعة متواضعة غالباً، لكنها جميلة جداً. حشدٌ أكثر ضحكاً ومرحاً وحيوية وحركة، مع أطفال يتقافزون. بهذا، تنقلنا الأفلام القديمة إلى عالمٍ شاب.
لا يقتصر اهتمام "المغامرة مستمرة" على موضوعات، ربما تكون كثيرة. فتعليق فريمو (المندوب العام لمهرجان "كانّ" السينمائي)، يركّز أولاً على الخصائص الفنية للّقطات. تطلّب الجهاز، الذي رغب فيه أنطوان لوميير الأب، اختراع الفن. هذا الصناعي الصغير المبتكر أول من فهم أنّ السينما يجب أنْ تكون مشهداً يشاهده جمهور متجمّع أمام شاشة كبيرة، فكلّف ولديه اختراع الأجهزة اللازمة. كان واثقاً تماماً من براعتهما، فاخترعا فعلياً أول لوحات فوتوغرافية تسمح بالتقاط صُور فورية، عام 1881؛ وأول عملية تصوير ملوّنة، عام 1903.
وإدراكاً منه تماماً بأنّ الابتكار يكمن في ظروف العرض أكثر من التقنية البحتة، وضع أنطوان كلّ اهتمامه في تنظيم أول جلسة عامة مدفوعة الأجر، في 28 ديسمبر/كانون الأول 1895، في "بولفار دو كابوسين" الباريسي، والنجاح ساحقٌ. أما جهاز "كينيتوسكوب" لإديسون، فآلة يستطيع كلّ مشاهد أنْ يشاهد فيلماً بفضلها لكنْ في صندوق صغير. بينما تُثير سينما لوميير عاطفة مشتركة بين الجمهور كله، والإثارة تلك توفّرها دور السينما أيضاً، إذْ تنتقل العاطفة من مُشاهد إلى آخر.
لكنْ، كيف تُخلق المشاعر بفيلمٍ صامت، مدّته 50 ثانية؟ عبر فنّ التصوير، من خلال الإيقاع والحركة. اختار الأخوان لوميير التسمية التالية: التصوير السينمائي، التي تُختصر لاحقاً بسينما، أي كتابة الحركة. فكيف تُمرّر المشاعر باستخدام كاميرا ثابتة؟ إنه التأطير، الذي يعطي الحياة إلى الحركات كلّها في الموقع. لوي لوميير يُعتبر فناناً ماهراً في التأطير، إذْ يضع الكاميرا في حيّز، يُتيح للصورة التمتّع بأكبر قدر من الديناميكية، مع الحفاظ على التوازن المثالي. اخترع سريعاً، بمساعدة مشتغلين معه، كلّ أنواع التأطير: أمامي، مائل، زاوية عالية، زاوية منخفضة، لقطة قريبة، لقطة بعيدة.
ضروري أيضاً تنظيم حركات الشخصيات في المكان، مع لقطات متسلسلة، وأحياناً أكثر تعقيداً، كما في فيلمٍ يُصوّر نزول جنود في المناورات على مسار جبلي باتجاه العدسة، لكنّهم يصطفون بتشكيل بديع، فيذهب البعض إلى اليمين، والبعض الآخر إلى اليسار، بينما يتوقّف بعض ثالث عن الحركة إلى نهاية اللقطة، حين يستلقي عددٌ منهم في وضع إطلاق النار، في المقدمة، أمام الكاميرا مباشرة. كلّ هذه الحركات منظّمة كالباليه. في 130 عاماً، لم تفعل السينما أفضل من ذلك.
سريعاً، سعى لوي لوميير إلى تحريك الكاميرا. حينها، لم تكن السكك المخصّصة لتتبع اللقطات مُخترع بعد، فيُثبّت، هو أو عامل معه، الكاميرات على قاطرات وعربات أجرة وجندول (منظر بانورامي غير عادي لمدينة البندقية، عام 1896، في فيلمٍ لألكسندر بروميو، أحد مشغلي فريق لوميير). بهذا، حصلنا من الأفلام الأولى، على صُور بانورامية، ولقطات متحركة إلى الأمام والوراء.
ابتكر الأخوان لوميير اللغة السينمائية بأكملها. فهل هما من اخترعا تقنية السينما؟ جزئياً، ومع آخرين. لكنّهما بالتأكيد اخترعا فن السينما، بشكل مفاجئ تقريباً. وفريمو اختار عنواناً متفائلاً: "لوميير، المغامرة مستمرة". أهذا صحيح حقّاً؟ أهذا تنبّؤٌ لا يقبل الجدل، أم تعبيرٌ عن رغبة وأمل؟