المسلسلات الكوميدية المصرية: إنتاجات منزوعة الضحك

05 ابريل 2025
محمد هنيدي في مسلسل "شهادة معاملة أطفال" (يوتيوب)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تباينت آراء النقاد والجمهور حول جودة الأعمال الدرامية الرمضانية المصرية، حيث سيطرت الإنتاجات الرديئة على الساحة، بينما أثرت القيود الإنتاجية والسياسية والمجتمعية سلباً على جودة الكوميديا المصرية.

- لم تحقق بعض المسلسلات الكوميدية مثل "شهادة معاملة أطفال" و"عقبال عندكم" النجاح المتوقع، حيث افتقرت إلى الكوميديا المؤثرة والانسجام في السرد القصصي، مما يعكس أزمة في اختيار المواضيع والأساليب الكوميدية.

- نجحت أعمال مثل "أشغال شاقة جداً" و"نُص الشعب اسمه محمد" في تقديم كوميديا خفيفة ومسلية، رغم بعض العيوب، واستطاعت جذب الجمهور وتقديم تجربة مشاهدة ممتعة.

 

تقريباً، في ختام كل موسم درامي رمضاني مصري، تتباين آراء النقّاد والمتفرّجين بشأن طاولة العرض التلفزيوني، وتدخل على الخطّ تعليمات رسمية جديدة تومئ وتشير إلى رسم خريطة الفنّ المصري وتحديد اتجاهاته بما يوافق رؤية وتعاليم قادة "الجمهورية الجديدة". ومثلما تغلب الإنتاجات الرديئة على الموسم الرمضاني، هناك محاولات جادة لتقديم أعمال مختلفة ضمنه، بعضها يُكتب له النجاح وأخرى لا يحالفها التوفيق لأسباب مختلفة. الأمر سواء، في حال الأعمال الكوميدية أو الدرامية. وإن كان الشعب المصري ابن نكتة، كما يُقال، فإن المسلسلات الكوميدية المصرية ليست بخير. هذا الحال ليس وليد اللحظة، بل مستمر منذ سنوات.

يتجلّى ذلك في الموسم التلفزيوني الرمضاني، إذ تصعب تسمية عمل كوميدي متميّز مكتمل بذاته من بين أكثر من سبعة عناوين كوميدية عرضتها الشاشات المصرية. حقيقة مؤسفة تعيد التذكير ببؤس الحال الفنّي المصري في ظلّ قيود، إنتاجية وسياسية ومجتمعية، تستجدّ عاماً بعد عام.

شهادة معاملة أطفال

هل تخيّلت مسلسلاً كوميدياً منزوع الضحك؟ هذه هي الحال مع هذا المسلسل الذي يليق به عنوانه، فصنّاعه يعاملون جمهوره المفترض باعتبارهم أطفالاً. كأن الزمن لم يمرّ عليهم، ويبدو أنه كذلك بالنسبة لبطله محمد هنيدي الذي علقَ في فجوة زمنية أطفأت شعلته الكوميدية، فصار عليه حملها وسط صحراء تعصف بها رياح كوميديانات جدد، كان واحداً منهم، يشبههم، لكن قبل 30 عاماً. ينتهي المسلسل فيكتشف المتفرّج أنه أهدر ساعات من عمره في انتظار ما لا يأتي أبداً. يخيب أمل جمهور هنيدي الذي انتظر عودته للشاشة الصغيرة بعد غياب سبع سنوات بمسلسلٍ ضاحك، بينما نصيب الفكاهة في هذا العمل شبه معدوم. كوميديا كسولة لا تقول شيئاً.

عقبال عندكم

على الرغم من اختياره "فورمات" سهل نسبياً لتقديم عمل متماسك (مجموعة من الحلقات الكوميدية بقصصٍ مستقلة، تتكشّف كل منها على مدار حلقتين)، فإن مسلسل "عقبال عندكم" فشل فشلاً ذريعاً في تقديم أي كوميديا مؤثرة. الثنائي الحقيقي، إيمي سمير غانم وحسن الرداد، يملكان جمهوراً، وربما كان يتوقّع من عملهما الرمضاني أكثر من هذه المهزلة الناتجة. لم يرتقِ الانسجام والسرد القصصي إلى مستوى التوقعات. والواقع أن الاختيارات الفنّية للردّاد تحديداً غريبة وعليها علامات استفهام كثيرة، فرغم افتقاره إلى ما يلزم الممثل الكوميدي، وامتلاكه حضوراً وكاريزما في الأعمال الدرامية (كما دوره في فيلم احكي يا شهرزاد) يظلّ إصراره على التنقلّ بين عمل كوميدي وآخر لُغزاً كبيراً.

الكابتن

جاء مسلسل "الكابتن" محبطاً تماماً، وبدا إعادة تدوير لمسلسل أكرم حسني السابق "الوصية"، إذ يتعيّن على البطل تنفيذ رغبات معيّنة لشخصيات مختلفة في سبيل تحقيق غرض ما. في "الكابتن"، يُصرف وقت طويل لتقديم الفكرة، ووقت أطول ليقنع البطل محيطه (خطيبته وقريبه)، بمساعدته، رغم أن المسلسل يمتد لـ15 حلقة. أفكار الحلقات نفسها ليست "خفيفة الدمّ"، وتعتمد على قدرة أكرم حسني نفسه على الإضحاك، من دون أن يسانده هنا ندّ كوميدي (مثل أحمد أمين في الوصية، أو محمد أوتاكا في بابا جه)، بل يُبتلى ببطلة (آية سماحة) قادرة على قتل أي كوميديا مفترضة، وتكرار بقية الشخصيات الداعمة للازمات أو إفيهات بعينها فقدت أي قدرة على إثارة الضحك.

عايشة الدور

بعض الفنانين يتمتّعون بدفءٍ طبيعي يُشعرهم بقربهم من مُعجبيهم فوراً، ودنيا سمير غانم مثال على ذلك. لطالما ميّزتها موهبتها وحضورها المُتميز على الشاشة، ولكن مسلسلها لهذا العام تلقى ردود فعل متباينة. فرغم أن "عايشة الدور" دشّن عودتها إلى شاشة رمضان بعد غياب العام الماضي، في قصة تجمع بين الكوميديا والرومانسية والدراما الاجتماعية، ورغم أن موضوع المسلسل له جمهوره بالتأكيد، وخاصةً الأطفال الذين يُشكلون جزءاً كبيراً من جمهور دنيا، إلا أن القصة لم تكن على قدر التوقعات. ينبع هذا الرأي من إيمانٍ راسخ بموهبتها والشعور بأن لديها الكثير لتقدمه. ربما حان الوقت لتتجاوز ثيمة "عالم البنات" والغرق في نوستالجيا التسعينيات وتبدأ في استكشاف أنواع فنّية جديدة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

النُصّ

ثمة مجهود مبذول في صورة المسلسل لإعادة تمثيل فترة الثلاثينيات، وهناك تفاهم كبير بين الممثلين، لكن المشكلة الكبرى في السيناريو الكسول الذي يغلّف قصّة النشّال الموهوب التائب بأكملها. لا تطوّر للشخصيات أو الأحداث إلا بعد وقتٍ وملل، فضلاً عن بعض أخطاء تاريخية لا يمكن بعدها أخذ العمل بجدّية. علاوة على ذلك، أحمد أمين لا يزال مصرّاً على تلبّس روح شخصيته في حلقات "البلاتوه". لكن، في زمنٍ عزّت فيه المغامرات، يبدو المسلسل مثل فانوس قديم مضاء بشمعة تثير شيئاً من العبق، وإن كان مزيّفاً. كذلك تبدو النسخة الوطنية التي تقدّمها القصّة. فرغم احتواء الحكاية على عناصر، يمكن عبرها إلقاء بعض الإسقاطات على الأوضاع الحالية أو تفجير ضحكات مبكية عن أحوال راهنة يفوق بؤسها أحوال زمن الاحتلال، أو حتى اللعب مع خيالات الوقار الوطني والهويّاتي (كما فعل مسلسل فيفا أطاطا، أو الرجل العنّاب، أو فيلم الحرب العالمية الثالثة)، يختار "النصّ" أسلم الحلول واللعب في المضمون: ترسيخ الخيالات الوطنية. وهذا متوقع، فالمسلسل من إنتاج شركة المتحدة التابعة للنظام المصري الذي يروّج منذ فترة لـ"الجمهورية الجديدة" وإعادة الأمجاد وأشياء من هذا القبيل.

أشغال شاقة جداً

نجح مسلسل "أشغال شقة"، بعد إضافة "جداً" للعنوان في موسمه الثاني، في مواصلة نجاح سلفه، ليصبح طبقاً رمضانياً مفضّلاً للنسبة الأكبر من جمهور الطبقة المتوسطة المصرية. بقصّته القائمة على تعقيدات الحياة الزوجية وأعباء المهام المنزلية، يملك المسلسل بنية تسمح بتعدّد أجزائه لمواسم أخرى قادمة، مثلما يملك مستودعاً من الشخصيات والأفكار قادرة على خلق مواقف متباينة ومتطرّفة. العلاقات الثلاثية المسيطرة على الحالة الدرامية تعتمد على هشام ماجد الذي نراه حاضراً في ثنائيتين، الأولى مع زوجته ياسمين (أسماء جلال)، والثانية مع مساعده عربي (مصطفى غريب). كلّ من الشخصيات الثلاث لها حضورها ولحظاتها وجمهورها، وهذا أيضاً يُحسب لصنّاعه. في الأخير، قدّم "أشغال شقة جداً" كوميديا خفيفة مسلّية تصلح للسهرات والجلسات والثرثرة بشأنها، الأمر الذي فشل فيه أغلب المسلسلات الكوميدية التي بدت كأنها خارجة من حقبة بائدة، بكثير من النسخ واللصق من أعمال سابقة ومداومة على الإملال والإطالة ومبالغات في رسم الشخصيات وتركيب الأحداث.

نُص الشعب اسمه محمد

الحلقات الأولى من مسلسل "نص الشعب اسمه محمد" لا تُضيّع وقتها، فتُلقي بنا في دوامة من الفوضى والكوميديا وخيارات الحياة المُثيرة. يتضح من البداية أن هذا ليس مجرد مسلسل رمضاني تقليدي، بفكرة مبتكرة نوعاً ما ومفهوم مختلف عن الكوميديا السائدة، تعتمد على الثيمة والمواقف الدرامية أكثر مما تعتمد على لغة الجسد والتهريج اللغوي. منذ البداية، يتحرك المسلسل بسرعة البرق، مُقدماً مزيجاً من الفكاهة اللاذعة واللحظات المحرجة والمصادفات العديدة. النكات تُلقى ببراعة، والإيقاع يُبقي المشاهد مُنجذباً. لا ميلودراما فائضة، مجرد فوضى كوميدية خالصة. الشخصيات الثانوية كوارث متحركة (وسيحبّهم المتفرّج لذلك). ككل كوميديا جيدة، يحتاج الأمر طاقم دعم قوياً، وهذا المسلسل يُلبّي ذلك. سواء كانوا يُصعّبون حياة محمد عن غير قصد أو يُساعدونه بطريقةٍ ما، فإنهم يُضفون على العمل جنونهم الخاص. لا أحد يعلم ما سيحدث لاحقاً، ما يُضيف إلى المتعة. لا نكات مُكررة من التسعينيات. فقط كتابةٌ ثاقبة، وتوقيتٌ مُناسب، ومواقف يومية تبدو واقعيةً. تلك الفكاهة التي تضحكك لأنك بالتأكيد مررت بموقفٍ مُحرجٍ كهذا من قبل. "نُصّ الشعب اسمه محمد"، عملٌ خفيف، سريع الإيقاع، ومليء بلحظاتٍ مُضحكة، عيبه الوحيد التزامه بقالب الـ15 حلقة الذي يبدو زائداً عن حاجة قصّته. ربما لو اختصر العمل إلى خمس أو ست حلقات لصار أحد العلامات المشهودة في الكوميديا المصرية المعاصرة.

إخواتي

مثل العنوان السابق، يأتي مسلسل "إخواتي" مميّزاً بين كافة الأعمال الكوميدية المعروضة في موسم رمضان. فرغم سيطرة أجواء الحزن ثم الجريمة، يضبط "إخواتي" موجته منذ بدايته صوب الإضحاك والإمتاع. رهبة الموت يزيلها أداء كوميدي منضبط ولافت قدّمه حاتم صلاح، أحد أفضل ممثلي هذا الموسم، الذي قدّم رفقة رباعي البطولة النسائي (نيلي كريم وروبي وجيهان الشامشرجي وكندة علوش) مباراة تمثيلية مشهودة. يعيب المسلسل، كأغلب الأعمال المعروضة هذا الموسم، تذبذب الإيقاع والسيناريو، كأنه حلقات متصلة منفصلة عن الفكرة نفسها. السبب بالطبع ضيق الوقت، لأن أغلب هذه الأعمال يُكتب ويصوّر ويمنتج على الهواء. لكنه يبقى عملاً مختلفاً ومتميّزاً وسط تخمة طاولة العرض الرمضانية.

المساهمون