المسلسلات السورية: البحث عن المجتمع أم فيه؟

05 فبراير 2025
بسام كوسا وسمر سامي في "سحابة صيف" (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأثير المجتمع السوري على الدراما: الدراما السورية تدعي تمثيل الواقع لكنها تتجنب المواضيع الحساسة مثل الدين والجنس والسياسة، مما يؤدي إلى تقديم صورة مثالية وغير واقعية للمجتمع لإرضاء الرقابات المختلفة.

- التحولات التقنية والرقابية: شهدت الدراما طفرة إنتاجية في التسعينيات بفضل التطور التقني، لكنها خضعت لرقابات متعددة أثرت على محتواها، مما جعلها تفتقر إلى العمق الاجتماعي والواقعية.

- الدراما التاريخية والابتعاد عن الواقع: لجأ صناع الدراما إلى الأعمال التاريخية والفانتازية لتجنب القضايا الاجتماعية المعاصرة، مما يساهم في تقديم صورة مشوهة وغير واقعية للمجتمع السوري.

"التعميم قتّال" على قول الشاعر السوري فايز خضور، ومع هذا لا يسعنا القول إلا أن الاستثناء يؤكد القاعدة، في الجواب على سؤال: هل تمثل الاجتماع البشري السوري في مسلسلات الدراما التلفزيونية، أو بالأحرى هل تأثرت هذه المسلسلات بشكل أو بآخر بمجريات الاجتماع السوري؟ إذ طالما ادعت هذه الأعمال انتماءها إلى الواقع وتمثيلها له، أو ادعت أن فيها الكثير من الإسقاطات على الواقع في المسلسلات التي تعتمد الصيغة التاريخية أو الفانتازية، في محاولة لرسم صورة خيرية للفن للعموم، ومجدية للخصوص، لتكريس صورة تتجاوز الترفيه وعالمه إلى سياق الرسالة التربوية المجمّلة بالفن وتطريزه.
لا شك أن المجتمع ومجرياته تتسرب إلى أي قول فني، إبداعياً كان أم مجرد لغو ملون، منذ نشأة الفنون إلى يومنا هذا، فالفن هو محاكاة الحياة، ومنه يمكننا ملاحظة نوعية تأثير الاجتماع السوري على مسلسلاته الدرامية، انطلاقاً من ضرورة هذا الحضور، قصدياً أم عشوائياً أو بمحض الصدفة.
عندما نتكلم عن الدراما التلفزيونية السورية فإننا نتكلم عن فترة زمنية ممرحلة، تبدأ من عام 1961 إلى يومنا هذا. المرحلة من 1990 حتى 2000 تبدو مميزة وأساسية نتيجة الطفرة الإنتاجية التي فاجأت الجميع وأغرتهم بالمشاركة، ليصبح اسم الدراما السورية منتشراً في العالم العربي، ورديفاً للواقعية الاجتماعية الانتقادية، ولربما الاحتجاجية أيضاً، مما يعطي انطباعاً أولياً بتمثيلها للاجتماع السوري، من خلال نقلها صورة ما عن أداء هذا الاجتماعي السوري الذي يسير في تجربة ناجحة بين المحافظة والتنوير تحتاج إلى تدريم حكاياتها على الشاشة الفضية كتجربة معاشة في الواقع، بغضّ النظر عن زمن حدوثها والبيئة التي توالدت فيها هذه التجربة، مما يعطي هذه المسلسلات صفة الحكاية الأنثروبولوجية المزيفة عبر محمول حكائي قوي، يمتع المشاهد الذي يرى فيه صورة حلمية عن نفسه، وهو في بحر متلاطم من الشح الثقافي والمعرفي، والممارسة البديهية للحياة ضمن شروط حقوقية مقنعة ومعلنة. هذه المرحلة شهدت تحولاً على صعيدين من هذه الناحية (تأثير المجتمع على هذه الدراما): الأول هو الاستفادة من التطور التقني للعصر، وهذا يعني أيضاً الخضوع لمجموع الرقابات التي تنتمي إليها تلك المحطات الباثة وهبوط أرقام التوزيع، عند هذه الزاوية ينسحب جزء من التأثير الاجتماعي السوري على دراماه ومسلسلاته، فإرضاء جميع الأذواق الرقابية مهمة تأتي بالتنازلات، فالمال يحدد النوعية وليس الكمية فقط. هذه التنازلات أوقفت جزءاً لا يستهان به من تأثر هذه الدراما بأداء مجتمعها، هذا الجزء الذي افترت عليه هذه الدراما وصناعها بعدم الوجود دفاعاً عن أرقام التوزيع، على الرغم من أن هذه الانسحابات تمثل المواضيع الأثيرة في صناعة الترفيه المعاصرة من دين وجنس وسياسة، وإخفاؤها من المسلسل الدرامي السوري ما هو إلا نوع من الاستهانة الترويضية بعقل المشاهد وهواه (تجب ملاحظة حضور المسلسلات اللاتينية وكميات الإقبال عليها)، وعلى هذه الجزئية يمكن تفسير عقامة المسلسلات السورية، عبر خلوها من الممارسات البشرية الطبيعية لشخصياته، التي أتت شبه موحدة في الأعمال الشهيرة، وأتى أداء الممثلين متكرراً تتناقص فيه قيمة الإبداع في فن التمثيل، فلا خصوصية اجتماعية للشخصيات، ولا مصالح أو أهواء، إلا ما هو مقرر في شروط الإنتاج.
الجزء الثاني من قصور تأثير المجتمع السوري في دراماه، يبدأ من الصناع "المبدعين" أنفسهم، فغالبيتهم يعتمدون عقلية محافظة طوعاً أو خوفاً من الجمهور الذي تحول إلى رقابة اجتماعية يتسلح بها الرقيب الرسمي من خارج اللوائح الرقابية، فقدموا حكايات بصرية عن وضع اجتماعي نموذجي، تتخلله بعض السقطات المنغصة كصراع بين الخير والشر، من دون الولوج إلى الرؤية الحقيقية للأداء البشري ضمن أنواع من المعاناة التي تجلب كوارث حقيقية للبنية الاجتماعية، فغض البصر عن السجن السياسي وتأثيره في بنية الأسرة، أو الاحتكار الاقتصادي وتوترات الدخل المضنية، أو تهلهل القضاء وعدم تحقيقه العدالة، وكلها نتائج أداء اجتماعي تؤدي إلى تبعات ومظاهر واضحة في النظرة العامة للمظاهر الاجتماعية، وكأنه لم يكف هؤلاء "المبدعين" هذه الكمية من فقدان الرؤية، فانتقلوا إلى الدراما التاريخية حقيقية أو فانتازية، ليؤكدوا للمتلقي أن كل عوامل البنية الاجتماعية متوفرة لدينا. لكن الخروج عليها أدى إلى تلك السقطات والمنغصات التي يأتي على ذكرها المسلسل المعاصر، طارحين هذه البنية التاريخانية كبديل عن الجديد المستقبلي.

سينما ودراما
التحديثات الحية

لم يؤثر الاجتماع السوري ومظاهره غالباً في صياغة المسلسل الدرامي التلفزيوني السوري، فالمنزل، والشارع، والمدارس، والمؤسسة الحكومية، والمهن.. إلخ، هي بيئات مختلفة تماماً عن البيئات التي صوّرتها هذه الدراما، على الرغم من تطابقها مع الملبس والمسكن والتعليم، إلا أن التشوهات التي خلفتها ظروف السوريين لم تظهر للعيان، ولم تكن غالباً طرفاً درامياً يعتمد، فلا طائفية ولا فساد ولا عنف ولا انتخابات ولا جسد أو حب، تتجاوز حالة التظالم العابرة التي يمرّ بها أي اجتماع بشري عادي.
حرص صناع الدراما السوريون على إبعاد التأثيرات الاجتماعية عن أعمالهم، اتقاءً لخدش الحياء "العام"، ولكن ما الجدوى من فن لا يسعى إلى الحقيقة الخادشة بالضرورة للحياء والخيال "العام"؟

المساهمون