المدوّنون المَغاربة... نجوم في اللحظة الفلسطينيّة الراهنة

المدوّنون المَغاربة... نجوم في اللحظة الفلسطينيّة الراهنة

24 مايو 2021
من تظاهرات المغرب المتضامنة مع فلسطين (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

"فلسطين تنتفض" و"فلسطين تتحرّر"... بمثل هذه العبارات يستعيد المَغاربة وعيهم بالقضية الفلسطينيّة، في نقاش سجاليّ محموم على صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي. صراخٌ واحتجاجاتٌ عن الذي يحدث اليوم في فلسطين، أمام صمت العالم وتزايد عدد غفير من الدول العربيّة لركوب قطار التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني

صورٌ مؤلمة وحزن يُخيّم على وجوه الناس وغصّة خانقة يشعر بها المرء لحظة قراءة ما يكتبه بعض المدوّنين المغاربة عن جرائم الاحتلال، ما يُؤكّد الدور الذي باتت تلعبه هذه المنصّات في صناعة الرأي العام والتأثير الشرس الذي باتت تُمارسه، بدون وعي، على الجرائد والمجلات اليومية داخل المغرب، ما يجعلها تعيش ارتباكاً حقيقياً، بين أقلام حرّة وأكثر التحاماً بالاجتماع المغربي، وبين منابر تعيش أشبه بالـ"هدنة" فيما يحصل داخل فلسطين من اعتقالات وانتهاكات وجرائم، بما يجعل هذه المنابر الرسمية تقف مشدوهة، أمام سطوة مشروعة يُمارسها جيش من المدوّنين الذين ضاقت بهم فسحة العيش داخل بلد لم يعُد فيه إلّا القلائل ممن يجرؤون على تكييل النقد للمؤسّسات عن مصير المغرب داخل المسلسل الديمقراطي المعطوب، والذي ألمّ به منذ تجربة حكومة التناوب التوافقي (دخول اليسار للسُلطة) سنة 1998، بعد أنْ ظلّت القضية الفلسطينيّة في مقدّمة اليسار المغربي منذ ستينيات القرن العشرين.

تدوين المغاربة يؤكد دور المنصات في صناعة الرأي العام

من كان يتصوّر أنْ يأخذ بعض المدوّنين المغاربة، على اختلاف أعمارهم وتكويناتهم ومشاربهم الحياتية، على عاتقهم ضرورة مواصلة وتشجيع الفلسطينيين على مقاومتهم المشروعة والحقيقية في وجه المُحتّل. بل نجد أنّ عدداً من روّاد المجتمع الافتراضي لم يتوقّفوا عند التدوين، بل خرجوا إلى الشارع للتنديد بالصمت الرهيب، الذي يُخيّم على القضية مغربياً. صورٌ لآلاف المظاهرات داخل أحياء مدينة الدار البيضاء ومراكش وباقي المدن الأخرى، لا تُعيد سوى المكانة التي ما تزال تحتلها فلسطين في قلب الشعب المغربي منذ سبعينيات القرن المنصرم. 

الإعلامي المغربي غائب، وإنْ حضر فهو مجرّد أخبار يومية تمرّ سريعاً داخل نشرات الأخبار وعلى شكل تغطيات مأخوذة في عمومها من وسائل التواصل الاجتماعي، لا تتعدى إحصاء عدد القتلى والمدن، والتي استهدفها الاحتلال قهراً وقتلاً وتفتيتاً. المُدوّنون لا ينقلون أخباراً ولا يحصون عدد القتلى، بل يكتبون خطابات سجاليّة قويّة ومؤثّرة تضع الاحتلال داخل قفص الاتهام ومختبر الفحص والنقد والتنديد بجرائمه لدى مؤسّسات رسمية عالمية تتستّر عليه. 

الاكتفاء بنقل الأخبار من مصادر إعلامية عربية أخرى لا يخدم القضية الفلسطينيّة إعلامياً، من خلال الضغط على الأنظمة العربيّة إلى التأثير في سلطة الاحتلال وجنونه ومحاكمته على ضوء القوانين الدولية بخصوص العدد الكبير من المدنيين الذين قتلوا داخل عدد من المدن الفلسطينيّة. اللحظة التي نعيشها اليوم تفرض خطاباً نقدياً لا يهادن ولا يقف حائراً بين الضحية والجلاد. إذْ نقرأ داخل الإعلام المرئي الرسمي خطاباً انبطاحيّاً لا يجيد إلّا الكسل والركون إلى الأخبار وإعادة توليف التقارير وإصدار بيانات كاذبة، ما يميّزها هو لغة الصمت والارتباك الحاصل لدى هذه المؤسّسات الرسمية في التعبير عن رأيها بعيداً عن التفكير في انتمائها إلى إعلام رسمي له حدوده وسياجاته.

المدوّنون المغاربة لا حدود لهم، إنّهم نجوم اللحظة الفلسطينيّة. الطالب والفقيه والكاتب والأستاذ والمحامي هم من يقبضون على جمر القضية في أجسادهم. إضافة إلى أناس يمتهنون مهناً حرّة لا علاقة لها بالثقافة، لكن لهم وعياً كبيراً بالقضية الفلسطينيّة وأهميّة اللحظة الراهنة التي نعيشها عربياً. إنّ المآزق الحقيقية التي تعيشها الصحافة المغربيّة هذه الأيام، بفعل سطوة المدوّنين تجاه اللحظة الفلسطينيّة، كافية للتفكير في وظيفتها وسوسيولوجية عمل يجعلها مجرّد بوصلة في يد رواد شبكات التواصل الاجتماعي. إنّهم من جهّة يُسهّلون عملها في فهم ما يجري وإتاحة فرصة كبيرة للصحافي، حتى يفهم ما يحدث داخل المدن الفلسطينيّة من سرقة وتدمير وقتل، بحكم زخم آراء هذه الكتابات وتعدّد منطلقاتها. لكنّها من جهة أخرى تضعها ضمن موقف إشكالي، يقوم على العجز المُميت في أداء وظيفتها كما ينبغي لها أنْ تكون بوصفها سلطة رابعة، ينبغي أنْ تأخذ موقفاً حاسماً من الجلّاد وجرائمه البشعة. 

اللحظة التي نعيشها اليوم تفرض خطاباً نقدياً لا يُهادن ولا يقف حائراً بين الضحية والجلّاد

ونظراً إلى أهميّة هذه الخطابات، التي باتت تُوجّه يومياً الإعلام المغربي والتأثير الذي تُحدثه داخل الاجتماع العالمي، جعل مؤسّسات شبكات التواصل الاجتماعي تتدخّل وبشكل آنيّ وعنيف في وجه عدد من المدوّنين المغاربة لتُمارس نوعاً من الاحتلال والتسلّط، الذي يقوم على سياسة حضر المحتوى الفلسطيني ومعه حساب المُدوّن. قهرٌ لا يُبدّده سوى قهرٌ آخر، يزداد فداحة ويتأجّج لهيبه في حمأة تطبيع سياسيّ وصمت مؤسّسات عربية تلهث جاهدة إلى التقوقع في ذاتها. لا بد من الإعلام المغربي أنْ يتّخذ موقفاً صارماً مع اللحظة الراهنة، وإلاّ كيف نُفسّر غياب اللحظة داخل الإعلام المرئي من خلال استضافة باحثين مغاربة وعرب لمُناقشة المرحلة وما يطبعها من مرارة وعنف، أمام عشرات البرامج الفنيّة السخيفة حول الطبخ والديكور والموضة. إنّ التظاهرات المكثّفة، التي عرفها المغرب، هي من ثمرات المدوّنين ومن نتائج ما يسمى بـ "المجتمع الافتراضي" الذي يُعبّر كما يشاء، بعد أنْ فطن إلى ما يتستّر عليه الإعلام الرسمي في قضايا الاجتماع المغربي. من ثمّ، أضحى صاحب سلطة قويّة ينزعها بسهولة من الصحافي "المُتمرّس" على التنمر والصمت أمام إغراءات دعم الدولة. 

المساهمون