"المدرسة الشتوية" تستعرض دور الإعلام بين إمبرياليات متجددة

18 يناير 2025
أقيمت الدورة السادسة للمدرسة الشتوية تحت عنوان "الإعلام في زمن الحرب" (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تناولت الدورة السادسة للمدرسة الشتوية في الدوحة تحديات الإعلام في الصراعات المسلحة، مع التركيز على حرب غزة، ودور الإعلام في تشكيل الوعي وتأثير الأخبار الكاذبة.
- ناقش الأكاديميون تأثير النزعة الإمبريالية على الإعلام، ودعوا إلى صحافة نقدية ومستقلة، وتناولوا "خوارزميات المقاومة" في مواجهة وسائل التواصل الاجتماعي.
- أشار وليد السقاف إلى تحديات وفرص الذكاء الاصطناعي في الصحافة، مثل التزييف العميق، وأكد على أهمية دمج التكنولوجيا لتحسين الممارسات الصحافية وضمان مصداقية المحتوى.

تفترض القراءات والبحوث والمناقشات حول الإعلام أثناء الصراعات المسلحة العودة إلى سيرة مراسل صحيفة تايمز اللندنية أثناء حرب القرم (1853-1856)، ويليام هوارد راسل. ويمكن القول إن لدينا 170 عاماً من الصحافة في هذا الحقل. وعلى هذا الافتراض نبني ونعدل خلال وقوفنا أمام تحولات كبرى تصنعها الحرب كما هي عادة التاريخ، وصولاً إلى اللحظة الراهنة، أي اللحظة التي وقعت فيها حروب في العالم، وفي مركزها حتماً حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة. وعلى هذا، تنشأ تحديات جديدة عاينتها الدورة السادسة من المدرسة الشتوية التي اختتمت أول من أمس الخميس في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة.

فلا المراسل الحربي في القرم منتصف القرن التاسع عشر هو ذاته في سياق القرم المعاصرة التي تقع تحت حكم الروس وهم يواصلون حربهم ضد أوكرانيا، وبأدوات مختلفة في أغلب وجوهها عن الحروب الكلاسيكية، ولا حرب إبادة غزة لها علاقة بطرفين متصارعين، أكثر من أنها طرف إبادي عنصري لم يكترث وهو يرى قيامة القطاع إعلامياً تسقط كثيراً من المواصفات المهنية الإعلامية، وأولاها الأخلاق العادية.

تناولت المحاضرات العامة لأكاديميين متخصصين في دراسات الإعلام منذ السبت الماضي، والجلسات النقاشية لأوراق عشرين من طلبة الدكتوراه من مختلف دول العالم، والطاولة المستديرة، ميراث الصحافة، مضافاً إليه المستقبل الذي نتلمسه في سياقات غير مسبوقة، في رأسها التكنولوجيات التي تستعمل الذكاء الاصطناعي في كثير من مجالات الحياة منها القتل "الذكي"، ومواقع التواصل ذات الخوارزميات الذكية، والصحافة التي تخضع لسؤالين حول التبعية لقوى الاستعمار الجديد، واستفادتها من عصر الذكاء الاصطناعي.

ما الذي تعلمناه من التجربة الأخيرة؟ هذا سؤال بين أوراق الباحثين، والمقصود بالتجربة حرب الإبادة الإسرائيلية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومن هذه التجربة اندلعت الأسئلة حول دور الإعلام في تشكيل الوعي العام أثناء الحرب، وتأثير الأخبار الكاذبة والدعاية في توجيه الرأي العام، والإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي. وكلك، كيف نحقق التوازن بين الحاجة إلى تقديم المعلومات الدقيقة والحفاظ على أمن الأفراد، وكيف نتعامل مع الصور الفوتوغرافية والفيديوهات، ومواجهة التلاعب بالمعلومات والتزييف الإعلامي.

من الخلاصات المؤثرة التي تصف هذا التاريخ الراهن إعلامياً ما قاله أستاذ الإعلام والاتصالات في كلية غولدسميث في جامعة لندن، ديس فريدمان، حول تأثير النزعة الإمبريالية المستمر على الإعلام. ركز نقد الباحث على كيفية تشكيل العوامل الهيكلية والاقتصادية والأيديولوجية للصحافة بما يتماشى مع المصالح الإمبريالية، داعياً إلى صحافة أكثر استقلالية ونقدية تتحدى البنى السلطوية بدلاً من تعزيزها. ففي السردية الليبرالية للصحافة تبدو على الدوام صفة الرقيب المحايد هي المفضلة لإعطاء الصحافي مكانته الرفيعة، إلا أن الأخير يصبح أداة دعائية حين تصطف المؤسسات الإعلامية في القوى الإمبريالية مع مصالح الدولة والشركات لتبرير أو تطبيع الأعمال الإمبريالية. وجادل فريدمان بأن وسائل الإعلام الرئيسية غالباً ما تفشل في تحدي السرديات الرسمية حول الحروب، وتعمل بدلاً من ذلك باعتبارها أدوات لتبرير التدخلات العسكرية.

في نقده لمؤسسات إعلامية كبرى وخلال ندوة الطاولة المستديرة عقب أيام من محاضرته التي افتتحت أعمال المدرسة، دعا فريدمان إلى تجنب الحتمية التكنولوجية، وذكر بثورات الربيع العربي التي وصفها كثيرون بـ"ثورة فيسبوك". وقال: "انظروا إلى الأشياء كيف تغيرت منذ ذلك الحين"، في إشارة إلى موقف "فيسبوك" وخوارزمياته من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.

والخوارزميات تذكر ببعضها، وهي من أشد المواضيع إثارة للغضب حين نتحدث عن غياب العدالة بعد التشدق بها زمناً طويلاً. وفي هذا السياق، تحدث تيزيانو بونيني، وهو أستاذ مشارك في علم اجتماع الثقافة في جامعة سيينا الإيطالية، في محاضرته عن "خوارزميات المقاومة في زمن الحرب"، والعنوان يستند إلى الكتاب الذي صدر العام الماضي "خوارزميات المقاومة: النضال اليومي ضد قوة المنصات من تأليف مشترك بين بونيني وإميليانو تيري.

وطرح المحاضر كيفية تطوير الناشطين السياسيين والحركات الاجتماعية والعمال العالميين والمؤثرين تكتيكات المقاومة الخوارزمية، من خلال استخدام الخوارزميات نفسها التي تتحكم في حياتنا. بهذا المعنى، فإن "خوارزميات المقاومة" تشير إلى الطرق والأساليب التي يستخدمها الأفراد والجماعات لمقاومة وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات العمل الرقمي، والإعلانات الموجهة.

بحسب تيزيانو بونيني، فثمة أهمية لفهم كيفية عمل الخوارزميات، والتحيزات التي تحتويها، والديناميكيات التي تخلقها، وعليه ينبغي تطوير عقلية نقدية لطرح الأسئلة حول مخرجات الخوارزميات، والتعرف إلى أنماط التلاعب، وتقييم الدوافع وراء تصميمها، وكذلك ما سماها "المقاومة التكتيكية" باستخدام الثغرات على سبيل المثال أو الاستخدامات غير المقصودة للمنصات لمقاومة منطقها السائد.

ضم برنامج هذه الدورة خمس محاضرات عامة مفتوحة للجمهور، وطاولة مستديرة، وورشة عمل، قدمها نخبة من الأكاديميين المتخصصين في دراسات الإعلام، منهم: ديس فريدمان (جامعة غولدسميث، لندن)، ودينا مطر (كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن)، وزاهرة حرب (جامعة سيتي في لندن)، ووليد السقاف (معهد الدوحة للدراسات العليا)، وتيزيانو بونيني (جامعة سيينا).

وإضافة إلى ذلك، قدم طلبة الدكتوراه مشاريع بحثية في جلسات متخصصة ومغلقة، تناولت دراسات حالة من مناطق مختلفة، مثل فلسطين، وأوكرانيا، وروسيا، وسورية، والعراق، وإيران، وباكستان، وأفغانستان، والصين، وآسيا الوسطى، والبلقان والمكسيك، ومواضيع مثل مشاركة الصحافيين في الحرب، والتحيزات الثقافية والأيديولوجية في التغطية الإعلامية، والرقابة الخوارزمية في وسائل التواصل الاجتماعي.

في رؤيته حول مستقبل الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي تناول وليد السقاف، وهو أستاذ مشارك في الصحافة وتكنولوجيا المعلومات في معهد الدوحة للدراسات العليا، التغيير الذي فرضه الذكاء الاصطناعي على الصحافة، مسلطاً الضوء على عرقلة الذكاء الاصطناعي ممارسات وسائل الإعلام التقليدية. وشدد السقاف في محاضرته على دور الذكاء الاصطناعي المتزايد في العمليات المتعلقة بالصحافة، من رصد الاتجاهات وإنشاء المحتوى والتقارير الاستقصائية إلى التفاعل مع الجمهور في الوقت الفعلي، والتحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، بما فيها زيادة التزييف العميق والتضليل والاستبدال المحتمل للوظائف.

مستقبل الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي ــ بحسب خلاصة السقاف ــ هو فرصة لتحسين الممارسات الصحافية من خلال دمج التكنولوجيا، مع التركيز على تمكين الصحافيين وضمان مصداقية المحتوى، مستعيداً العبارة الشهيرة التي تفيد بأن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الصحافي، ولكن سيحل محله صحافي آخر يجيد التعامل مع هذا الذكاء. من الأمثلة التي ساقها السقاف، وهي مما أثارت اللغط والمخاوف، الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي، فمثل هذه الصور التي تبدو مرصودة للتعاطف مع غزة مثلاً "تسمم الأجواء وتطيح بالثقة".

المساهمون