"المحكمة منظراً طبيعياً"... ضحكات القضاة وارتباك المتهمين

18 فبراير 2025
من أعمال المعرض (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- "المحكمة منظراً طبيعياً" هو معرض فني هولندي يهدف إلى كسر الصمت حول التعقيدات الإنسانية والقانونية في محاكمات الإرهاب، من خلال دمج الرسومات السريعة والملاحظات الإثنوغرافية، ويعرض تفاصيل 12 قضية إرهاب في المحاكم الهولندية.
- يقدم المعرض رؤية معقدة ومغايرة للصور النمطية حول قضايا الإرهاب، من خلال رسومات تُظهر التناقض بين الروتين اليومي للمحكمة والإجراءات الاستثنائية، مسلطاً الضوء على تأثير الأفكار النمطية في التحقيقات.
- البحث يُظهر كيف تُستخدم الأدلة الاستباقية لإدانة الأفراد بناءً على هوياتهم، حيث تعتمد 70% من قضايا الإرهاب في هولندا على تفسير النيات، محذراً من خطر تحويل الهوية إلى دليل إدانة.

"المحكمة منظراً طبيعياً" هو معرض فني هولندي يكسر الصمت حول التعقيدات الإنسانية والقانونية التي تُحيط بمحاكمات الإرهاب. يدمج المعرض بين الرسومات السريعة التي تنفذ داخل قاعات المحاكم، والملاحظات الإثنوغرافية، ما يُقدم لنا وثيقة بصريّة تفضح التحيزات الخفية في قلب النظام القضائي الغربي. المعرض هو ثمرة تعاون بين الفنانة الهولندية ماختيلد آردسي، والباحثة في علم الجريمة تسنيم أنور، إذ وثّقتا معاً بالرسم والبحث النظري على مدى ثلاث سنوات (2021 - 2024) تفاصيل 12 قضية إرهاب في المحاكم الهولندية. الهدف الرئيسي لهذا المشروع هو إظهار الجانب الإنساني للقانون من خلال كشف التفاعلات اليومية داخل القاعة القضائية، من ضحكات القضاة إلى ارتباك المتهمين، ومن توتر العائلات إلى برودة الإجراءات القانونية. المعرض الفريد من نوعه يُقام في بهو محكمة أمستردام حتى نهاية مارس/آذار المقبل.
على عكس الصور النمطية التي تملأ وسائل الإعلام الغربية في مثل هذه القضايا. من رجال ملتحين بوجوه غاضبة، ونساء مُحجبات في خلفية المشهد، يقدّم المعرض رؤيةً أعقد لما يدور داخل المحكمة. فمن خلال رسومات بانورامية تُظهر القاعة القضائية بكامل تفاصيلها، تسلط اللوحات الضوء على التناقض بين الروتين اليومي للمحكمة، والإجراءات الاستثنائية التي تُفرض على قضايا الإرهاب.
إحدى الرسومات تُصوّر مشهداً من إحدى المُحاكمات، إذ يُسأل متهمٌ عن سبب استماعه إلى خطبة دينية لأحد الدعاة أثناء غسل الصحون. القاضي يعلق مازحاً: "لماذا لا تستمع إلى أغنية بدلاً من ذلك؟". تعكس هذه المحادثة التي تمزج بين السخرية والجدية، كيفية اختزال الأنشطة اليومية لبعض الأفراد بناءً على خلفياتهم الثقافية أو الدينية. هنا، يربط المعرض بين البحث الأكاديمي للباحثة تسنيم أنور والرسوم المعروضة، فيُسلط الضوء على تأثر التحقيقات في قضايا الإرهاب بالأفكار النمطية، إذ إن الاستماع إلى خطبة دينية قد يُعتبر إشارة خطر إذا صدر عن مسلم، بينما يُنظر إليه كحرية تعبير إذا صدر عن آخرين.
في زاوية أخرى من المعرض، هناك رسومات صحافية تقليدية لقضايا إرهاب تُظهر متهمين بملامح عربية لهم لحى كثيفة ونظرات حادة. بجوار هذه الرسومات، تُعرض أعمال تُظهر نفس المتهمين شباباً عاديين، يجلسون خلف أجهزة الحاسوب، يتبادلون الهمسات مع محاميهم، أو يحدقون في الفراغ بتعب. الفارق هنا صادم، فالرسومات الأولى تُجسّد الأسطورة الغربية عن الإرهابي، بينما تُذكّرنا الأخرى بأن هؤلاء بشرٌ قد يكونون ضحايا سوء فهم أو تحيّز.
البحث الذي أجرته تسنيم أنور وثّق كيف تُستخدم الأدلة الاستباقية، مثل التحويلات البنكية أو الرسائل الخاصة لإدانة أفراد بناءً على هوياتهم أكثر من أفعالهم. على سبيل المثال، ذكر البحث أن 70% من قضايا الإرهاب في هولندا تعتمد على تفسير النيات بدلاً من الأعمال الملموسة. يُثبت البحث أن الأنشطة الدينية أو الثقافية، مثل ارتداء الحجاب أو زيارة مسجد، غالباً ما تُضخّم في التحقيقات لتصبح إشارات خطر.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

يُترجِم المعرض هذه النتائج البحثية إلى لوحات تُظهر كيف تُبنى الإدانة من تفاصيل صغيرة، كرسالة على "واتساب" أو صورة في سورية، أو حتى الاستماع إلى خطبة دينية. لا يهدف المعرض هنا إلى تبرئة المتهمين، كما تقول الباحثة تسنيم أنور، بل إلى طرح سؤال جوهري حول دوافعنا لإدانة الأشخاص بتهم الإرهاب، هل يجب أن تكون بناءً على ما فعلوه، أم بناءً على ما نعتقد أنهم قد يفعلونه؟ إن الخطر هنا، كما تقول الباحثة، يتمثل في تحويل الهوية إلى دليل إدانة، فالشاب المسلم الذي يتابع محتوى دينياً على "يوتيوب" قد يُعتبر مشروع إرهابي، بينما الشاب الغربي الذي يتابع مقاطع فيديو عن تفجيرات قد يُنظر إليه باحثا. هذا التحيز لا يقتصر على القضاء، بل يتغلغل في الإعلام والسياسة، كما أن الصور النمطية تؤدي إلى تمرير إجراءات أمنية قاسية تحت شعار الحماية، وقد تؤدي هذه الإجراءات في النهاية إلى تدمير حياة أشخاص أبرياء.

المساهمون