استمع إلى الملخص
- القتلة يظهرون بوجوه مكشوفة في مقاطع الفيديو، مما يعقد التعايش معهم بعد عودتهم للحياة اليومية، ويثير تساؤلات حول تقبل المجتمع لهم.
- إباحية الجريمة أصبحت ظاهرة عالمية، تتسلل من وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحات الحرب، مما يفرض تحديات أخلاقية وإنسانية جديدة على المجتمع والسلطات.
منذ أن تحولت الهواتف المحمولة إلى جزء من حياتنا اليوميّة، وتبنّتها وسائل التواصل الاجتماعي والبث المباشر، تحوّل القتل إلى مهارة استعراضية. في مختلف أنحاء العالم، يسعى المجرم أو القاتل إلى أن تكون جريمته موثقة بيده، وليس بيد الآخرين.
يحضر هذا في الهجمات الإرهابية في أوروبا، وجنود الاحتلال الإسرائيلي الذين يوثقون جرائمهم في قطاع غزة وكأنهم يلتقطون صورة سيلفي. الأمر نفسه مع جنود الأسد الذين وثّقوا الإعدامات الميدانية في سورية. كل من حمل سلاحاً للقتل، نراه يوثق كاشفاً وجهه. كل هؤلاء، لم يعد مهمّاً أن تختفي هوياتهم، بل يرون ضرورة نشرها علناً، مع التأكيد أنهم هم أنفسهم من ارتكبوا الجريمة.
القاتل هنا، ضمن هذه الصيغة، يخاطب المشاهد مباشرةً، يُحدّق فيه من وراء الشاشة معلناً جريمته، من دون أن ترفّ له عين، بل نراه يضحك أحياناً. أن يتحول القتل إلى "محتوى" والجثث إلى خلفية وديكور، جعل الجريمة فعلاً يومياً، بل حتى فعلاً يستحق أن يظهر القاتل فيه مكشوف الوجه من دون لثام.
هل نحن أمام القاتل الإنفلونسر؟ أي ذاك الذي يوثّق جريمته ويبثها لحصد أكبر عدد من الإعجابات؟ هكذا، أمسى كل شيء مباحاً في سبيل إنتاج "المحتوى". هؤلاء، جنوداً كانوا أم إرهابيين أم مسلحين، يظهرون بوجههم وهوياتهم الواضحة، أي أولئك أنفسهم، قد يعودون إلى منازلهم وقراهم وأحيائهم، يتعرف إليهم من رآهم على الشاشات. كيف يمكن لمن حول هؤلاء أن يطيقوا الحياة إلى جانبهم؟
ألّا يستحي القاتل من جريمته، بل يبثها ويتبناها علناً، ويكشف وجهه، يمثّل هذا كله امتداداً ربما لسياسات الرعب التي تعيشها منطقتنا، حيث القتلة ومجرمو الحرب يعودون إلى منازلهم. وهذا ما كشفه إلقاء القبض على مجرمي الحرب في سورية. بعضهم وثّقوا جرائمهم بأنفسهم، وظهرت وجوههم.
الأمر نفسه مع جنود الاحتلال الذي وثّقوا بكاميراتهم وهواتفهم الفظائع التي ارتكبوها أثناء حرب الإبادة على قطاع غزة، هؤلاء أوجههم معروفة، وجرى التعرف إليهم لاحقاً، وبعضهم يلاحقه القضاء، لكن المرعب مرة أخرى هو عدم التفكير مرتين قبل التصوير والتوثيق.
كأننا نعيش في عالم ما بعد الرعب؛ فمن يقتل يفخر بجريمته ويتباهى بها، ويبثها علناً، لنا نحن المشاهدين الذين نتأمل في أوجه القتلة. نعم، هذه الصورة تبثّ الرعب والخوف، لكن أثرها اشتد حالياً ليتركنا أمام أسئلة حول إنسانيتنا نفسها، وعجزها عن إيقاف مقتلة، حتى لو كان القاتل نفسه يبثّ لنا جريمته.
إباحية الجريمة التي نعيشها الآن أصبحت أمراً عالمياً، ولم يعد من السهل ضبطها، خصوصاً أننا واجهنا هذا السؤال سابقاً حين رفضت معظم وسائل الإعلان نشر مانيفستو تيد كازينسكي عام 1995. تكرّر الأمر في السنوات السابقة مع تأكيد الشرطة في أميركا على وسائل الإعلام عدم نشر المانيفستو الخاص بمطلقي النار على الأبرياء. بصورة ما، نحن أمام "محتوى" تحاول السلطات صدّه، لكن أيهما أشد وطأة علينا؟ أن نرى وجه القاتل يرتكب جريمته؟ أم نقرأ بلاغته ومحاولة تبرير هذه الجريمة؟
تسللت أساليب بثّ الجرائم من عالم التواصل الاجتماعي إلى عالم الحرب والقتل، فنرى ذات الوضعية لالتقاط سيلفي أمام بحيرة، ثم الوضعية نفسها لسيلفي وراء كومة من الجثث. هذا يهدّد قدرتنا على الإدراك في بعض الأحيان. هذه الأشكال والقوالب لاستعراض الذات، تحتوي التناقضات بأكملها، ويظهر فيها الوجه دائماً علامةً لا يمكن نسيانها، علامة على الشخص الذي لم يعد يخفي جريمته.