"اللّذة القاتلة": جماليات تصوير رغم ضُعف السيناريو

21 مارس 2025
"اللذّة القاتلة": ضعف السيناريو أفقده رزانته وانسيابيته (الموقع الإلكتروني لـ"برليناله")
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "اللذة القاتلة" يتناول قصة عائلة ألمانية تتعرض حياتها للاضطراب بعد دخول الشابة ثيودورا، التي تنتمي إلى مجموعة سرية خطرة، مما يضيف عنصر التشويق والإثارة.
- يستكشف الفيلم قضايا الفوارق الاجتماعية والاقتصادية من خلال أحداث هامشية، مثل التظاهرات ونقاشات استغلال العمالة، مما يضيف عمقًا فكريًا رغم ضعف التوازن الفني بظهور مجموعة آكلي لحوم البشر.
- يتميز الفيلم بجماليات بصرية وأداء قوي للممثلين، مما ساهم في الحفاظ على جاذبيته رغم ضعف السيناريو وتشتت القصة.

 

اختارت الألمانية نِلِ مولر ـ شتوفن، في أول روائي طويل لها بصفتها مخرجة (كتبت له السيناريو أيضاً)، ثيمة ما بعد الواقع، أو، بعبارة أخرى، واقعاً مُتطرّفاً، تتناسل منه معطيات غير قابلة للتصديق، أو موجودة، لكن نُداري تصديقها أو استيعاب ما فيها، لأنّ محتواها متوحّش وصادم. هذا في "اللذة القاتلة (Delicious)"، المعروض في بانوراما الدورة الـ75 (13 ـ 23 فبراير/شباط 2025) لـ"مهرجان برلين السينمائي (برليناله)".

اعتمدت مولر ـ شتوفن، في طريقة بنائها فيلمها هذا، على سرد خطي. أيّ أنّها لم تخرج على القواعد والعناصر الكلاسيكية. ربما سياق القصّة وعدم احتوائها على أحداث ثانوية كثيرة أرغمها على ذلك، إضافة إلى أنّها أول تجربة لها في إخراج فيلم طويل (100 دقيقة): عائلة ألمانية تمضي عطلة الصيف في منزلها الجميل في فرنسا، للاستراحة من ضغوط الحياة والعمل، فإستر (فاليري باخنر)، الزوجة والأم، تعمل في مجال الرقمنة والبرمجيات، وزوجها جون (فاهري ياردِم) رائد أعمال وباحث، يكتب مقالات علمية وينشرها في مجلات متخصّصة.

رحلتهما الصيفية نشاطٌ سنوي، مع ابنهما المُراهق فيليب (كاسبر هوفمان)، وابنتهما الطفلة ألبا (نايلا شوبيرت). هذه مناسبة اعتادوها، فيمضون إجازتهم تلك في منطقة ريفية جميلة. لكنّ شيئاً حدث لهم، أفسد عليهم تلك المتعة، بعد دخول الشابة ثيودورا (كارلا دياز) بيتهم وحياتهم، إثر حادث سير "مُفتعل"، وتمكث معهم بعد إقناع الزوجين/الوالدين بأنْ تكون مُدبّرة المنزل، وفي الوقت نفسه تنتظر شفاءها من جرح يدها، الذي سبّبه الحادث. بعد ذلك، تبدأ سلسلة أحداث، تتفكّك فيها العائلة، المتماسكة ظاهرياً، مع ظهور سلوك غريب، يتبيّن لاحقاً عليه أنّ ثيودورا تنتمي إلى مجموعة سرّية خطرة.

فتح "اللذة القاتلة" مقاربات عدّة عن الفوارق الاجتماعية، بتطرّقه إلى أحداثٍ هامشية، كمصادفة العائلة تظاهرة وأحداثَ شغب، أخّرت وصولهم إلى المنزل. عندما سأل جون سائق السيارة عن السبب، أجابه بحسرة إنّه ضعف الأجور، فالأمر يعنيه أيضاً. كما بُثَّت التظاهرة على تلفاز المقهى، وهذا تأكيد على ترسيخ هذا المفصل الاقتصادي الفرنسي في سياق التلقّي.

 

 

كما أحال نقاش الزوجين/الوالدين وصديقين لهما، أكي (يوهان فون بولو) وزوجته كورا (سينا مارتنز)، على مائدة الطعام، إلى ثيودورا التي تخدمهم، كونها إسبانية جاءت إلى فرنسا للعمل نادلة في فندق. اقترح أكي على جون توظيفها في مصنعه بإسبانيا، فينتقل الحديث إلى استغلال العمالة وتحويل المصانع إلى بلدان تُقدّم أجوراً زهيدة، وهذه فكرة أطلقها فيليب وتبنّاها. إضافة إلى سياقات أخرى تقود، مباشرة أو تورية، إلى مسألة الفوارق الاجتماعية والطبقية.

القِيم الفكرية لـ"اللذة القاتلة" في جهة، ومحور القصة في جهة أخرى تماماً: أي أنّ الفيلم مُشتّت وغير منسجم في مفاصل عدّة، كأنّ مولر ـ شتوفن ضائعة في الفصل الأخير، مع ظهور مجموعة شبابية تنتمي ثيودورا إليها، سيظهر أنّ أفرادها آكلي لحوم البشر، يستهدفون الطبقات الثرية والسيّاح، كأنّهم بذلك ينتقمون منهم، لأنّ الأثرياء يمصّون دماء الكادحين، عبر ضعف الأجور، واستغلال العمالة الرخيصة، بحسب منطقهم.

ظهور آكلي لحوم البشر مفصلٌ أضعف الفيلم فنياً، وأنهى سلاسته، وأطاح الإيقاع المتوازن الذي بدأ به. فـ"اللذة القاتلة" كان سيظهر أقوى، فنياً وفكرياً، لو أنّه استمر بفكرة الفوارق الاجتماعية. لكنه ألغى هذا المنطلق، ذاهباً إلى الواقعية المتطرّفة، وهذه جزئية جاءت بمثابة مقتضى تجاري، خاصة أنّ المنصّة الأميركية "نتفليكس" موزّعته الحصرية، ما يُمكِّن من فهم معطيات عدّة.

أمّا جمالياته، فكثيرة ومتنوّعة، رغم ضعف السيناريو، منها اختيار فضاءات الأحداث: بيت ريفي قديم، جميل وفاتن، يحتوي على مسبح وأشجار، في منطقة هادئة وساحرة. كما ضُبِطت الكادرات وزوايا التصوير بدقّة وجمال، إذْ اعتمد المُصوّر فرانك غْريبي في معظمها على صُور ثابتة وواسعة، مع استعمال تقنية "الزوم"، بتقريب البؤرة أو إبعادها. كما استغلّ الديكور الداخلي للمنزل، خاصة تفاصيله القديمة، لخلق كادرات سينمائية في كادرات أخرى، عبر النوافذ الكبيرة والأبواب. واستفاد من الخيوط المتداخلة للنور، وحلزونية السلالم، والسقيفة، لصنع صُور جميلة للغاية.

هذه مشاهد تُثير نوعاً من الهدوء والحميمية في المتلقّي، خاصة بعد تركيبها وفق سياق متسلسل ورزين، حافظ فيها المونتاج (أندرياس فودراشْكا) على انسيابية الفيلم.

"اللذة القاتلة" فيلمٌ سينمائي كان سيكون أجمل لو تمّت تنقية السيناريو من الشوائب، التي رغم قلّتها، غيّرت مساره وأذابت هويته، فوسّعت الهوّة بينه وبين المتلقّي. أكثر من هذا، أنقصت من مقتضياته الفنية. لكنّ قوّة أداء الممثلين حافظت على بعض تفاصيله، فجعلته مقبولاً.

المساهمون