الكوميديا السورية في موكب الترحال

الكوميديا السورية في موكب الترحال

25 سبتمبر 2021
يخلو المشهد الكوميدي السوري حالياً من حوارات الشارع وهمومه (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

كيف لمسلسل أن يحتّل ضحكاتَك ويرسمها من دون إدراك؟ هكذا تفعل الدراما في تكوينها الحسي حين تنقل خيالك إلى عالم طريف من الفكاهة، يتقن صانعه إعادة صياغة الواقع بقالب درامي ساخر. وعلى الرغم من تطور أشكال الكوميديا عالمياً، عبر قوالب درامية تتراوح بين الرمزية المبالغ فيها، والكوميديا المباشرة القائمة على الموقف اللحظي، فتكاد تغيب الإنتاجات الكوميدية عن خارطة الدراما السورية، وسط نداء الجمهور المطالب بأعمال جديدة.

تشكل الكوميديا جزءاً من أرشيف المشاهدة لدى المتابع السوري الذي سرعان ما يستذكر مباشرة مسلسلات أثيرة في ذهنه، أبرزها "سلسلة النجوم"، التي بدأها حكم البابا وأكملها ممدوح حمادة، واستمرت لأربعة أجزاء تحت إدارة المخرج هشام شربتجي.

بدوره، يشكّل ياسر العظمة عموداً في الكوميديا السورية عبر سلسلة "مرايا" التي تعد الأطول عربياً، منذ التسعينيات حتى النسخة الأخيرة التي قُدّمت في الجزائر. وعلى الرغم من نيّة العظمة العودة للحكايات الكوميدية عبر مسلسل "السنونو"، إلا أنّ ظروف التصوير دفعت بالمسلسل للتأجيل عاماً كاملاً، مع عدم تلهّف كبير من قبل الجمهور بعد مشاهدة الفيديو الترويجي للعمل الذي صوّر كاملاً على متن باخرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وجمع فنانين عرباً في توليفة جديدة من الدراما المشتركة.

الجمهور، أيضاً، يرتقب ماذا يقدّم الكاتب ممدوح حمادة، بعد غيابه عن آخر عمل قدّمه، وهو "الواق واق"، قبل أربع سنوات، وهو مسلسل كوميدي صوّر بشكل كامل في دولة تونس، لكنه تعثر في الوصول إلى الجمهور من دون تحقيق نسب متابعة عالية، أو تفاعل من قبل المشاهدين، كما حدث مع أعمال حمادة السابقة مع المخرج الليث حجو، مثل "ضيعة ضايعة"، و"الخربة"، و"ضبو الشناتي".

وتعود سلسلة "بقعة ضوء" العام المقبل، بنسخة جديدة تحمل رقم الجزء الخامس عشر، ولكن مع شك كبير من قبل الجمهور بقدرة المسلسل على إعادة تثبيت أقدامه، بعد حالة كبيرة من التعثر نالتها الأجزاء الأخيرة، لاستلام الدفة من قبل مخرجين غير مختصين بصناعة الكوميديا، وضعف في مستوى اللوحات، وغياب النجوم المؤسسين للعمل عن المواسم الأخيرة.

مقابل ذلك، تتشكل حالة رفض للأعمال الكوميدية الرديئة، ذات الإنتاج المنخفض، والتي باتت تعرف بـ "دراما البوتكس"؛ لاعتمادها على جميلات شكلاً من دون الأداء، والمبالغة في التركيز على الإيحاءات الجنسية، وتسليع صورة المرأة، وهذا ما انتقل بدوره إلى اسكتشات كوميدية يجري إنتاجها لمنصات التواصل الاجتماعي، وتحظى بنسبة مشاهدة عالية عبر تفاعل "أضحكني"، وآلاف التعليقات القائمة على الشتيمة والتسخيف.

هذا يعني خلو المشهد الكوميدي اليوم في سورية من حالة الحوارات اليومية القريبة للغة الشارع، إذ يغيب صوت "كسمو" عن حارات دمشق، ولا يجد العابرون نموذجاً على الشاشة يشبه "رمزية" في "كسر الخواطر"، يعثرون على سيارة الأجرة الصفراء لكن مع غياب لـ "أبو جانتي" عنها، ولا من ينقل لهم أسرار البيوت إلى التلفزيون مثل "دنيا أسعد سعيد"، وحتى من يقرأ لهم الواقع ويسقطه على المستقبل السياسي والاجتماعي لسورية مثل "أسعد" و"جوده".

وفي حين يدافع البعض عن فكرة عدم إمكانية صناعة كوميديا سوداء من واقع النزيف المرير الذي تعيشه سورية من ويلات الحرب والدمار وتقييد الحريات والغلاء والعقوبات الاقتصادية، فإنّ الكوميديا، وهي المتنفس الدرامي الأكثر رفاهية، تجد تطوراً ملحوظاً في دول مجاورة، كمصر والخليج، بينما ترزح الدراما السورية تحت رؤية مقيدة، تقوم على تصوير البلاد بمشهد الانتصار على التطرف، والتكتم عن مأساة الناس في الشوارع بصيغة توافقية مشتركة، بين نظام لا يريد أن يظهر فشله في إدارة الحكم وتحويله سورية إلى أرض محروقة، وبين دول إقليمية لا تريد عرض واقع المرار السوري بعد الربيع العربي، والاكتفاء بأعمال مسطحة من البيئة الشامية ودراما الصالونات المرفهة.

وحتى ذلك الوقت، تبقى الكوميديا ملمحاً أساسياً من بنية الدراما السورية؛ فلن يجد السوريون موسيقى تصويرية تصرخ عن واقعهم أكثر من موسيقى طاهر مامللي في شارة "بقعة ضوء"، وصوت ديمة أورشو تغني "يا ناس خلوني بحالي... وحدي ومرتاح بالي... في هيك وفي هيك... يابا هيك بيحلالي".

المساهمون