الكاتب والممثل هاني السعدي يرحل مع "آخر أيام الحب"

14 فبراير 2025
يعتبر الراحل من مؤسسي الدراما الفانتازية في سورية (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وُلِدَ هاني السعدي في صفورية الفلسطينية وانتقل إلى دمشق، حيث بدأ مسيرته الفنية في التمثيل وشارك في أفلام دريد لحام، مما أكسبه خبرة في الدراما وانتقل إلى الكتابة الدرامية.
- يُعتبر السعدي من مؤسسي الأعمال الفانتازية في الوطن العربي، حيث تعاون مع نجدت أنزور في مسلسلات ناجحة مثل "الكواسر"، وقدم أعمالاً بدوية مثل "البركان".
- عاد السعدي إلى الدراما الاجتماعية مع بداية الألفية، وقدم مسلسلات جريئة، وابتعد عن الساحة الفنية بسبب تراجع صحته، وتوفي عن عمر 81 عاماً.

هناك في بلدة صفورية الفلسطينية التي هجّر أهلها، وُلِدَ الكاتب الكبير هاني السعدي قبل النكبة بأربعة أعوام، ولم يكن يعرف أن عائلته ستهاجر البلاد وهو صغير بعد الاحتلال وتستقر في دمشق، حيث ترعرع وبدأ في مرحلة الشباب برسم ملامح شخصيته الفنية، واستطاع أن يبرهن على أهمية وجوده بين التمثيل والكتابة، فشارك بتقديم أهم الأعمال الدرامية.

رحلة التمثيل

شارك هاني السعدي في أداء عدة أدوار تمثيلية بين السينما والتلفزيون، وكانت له أدوار ثانوية اجتهد بأدائها، لكنه برز بشكل أكبر مع الفنان دريد لحام في أفلامه الشهيرة، خاصةً "التقرير" و"الحدود"، عدا لعبه أدواراً مختلفة في أفلام شهيرة مثل "المتبقي" و"حبيبتي يا حب التوت" والمسلسل الشهير "حرب السنوات الأربع" الذي ذاع صيته في سورية وقتها.

من التمثيل استطاع السعدي أن يشكّل مخزوناً فنياً جيداً ويكتسب الصنعة الدرامية وأدواتها دونما دراسة أكاديمية للموضوع، فانتقل بعدها بالتدريج من أمام الكاميرا إلى خلفها ليحكي قصصاً متنوعة على الورق فتُنَفَّذ على الشاشة مع حضور أهم النجوم السوريين، وقد كان يلعب هو بعض الأدوار في الأعمال التي يكتبها حتى ابتعد من أمام الشاشة فيما بعد وبقي خلفها.

في الأعمال الفانتازية

يعتبر السعدي من مؤسسي هذه الأعمال التي انتشرت كالنار في الهشيم في أرجاء الوطن العربي، فالشراكة التي قدمها الكاتب مع المخرج نجدت أنزور في مسلسلات "الكواسر" و"الجوارح" و"الفوارس" و"البواسل" و"الموت القادم إلى الشرق" حققت وقتها "الترند" في زمن لم يكن يعرف هذا المصطلح، وأحبَّها المتابعون العرب، لا سيما في الخليج.

استمرت هذه السلسلة محققةً نجاحاً تلو آخر، لا سيما أن الأدوار قدمها أهم النجوم السوريين، على رأسهم الفنان أيمن زيدان والفنان سلوم حداد، فشكَّلَ علامة فارقة في هذا النوع من الأعمال، وقلَّما استطاع غيره أن يقدم مثيلها.

في الأعمال البدوية

لم تكن أعمال السعدي التي دخلت البيئة البدوية بأقل أهمية من التاريخية، فقد حقق مسلسله "البركان" انتشاراً واسعاً ولعب دور لبطولة فيه الفنان رشيد عساف، بالإضافة لمسلسل "غضب الصحراء" الذي قدمه المخرج هيثم حقي، وقد اختار سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الكاتب السعدي ليصيغ رؤيته على الورق في مسلسل "صراع على الرمال".

تدور أحداث هذا العمل حول عرب حماد وعرب وضاح الذين يوجد بينهم خلاف منذ سنوات طويلة، وحين يرفض وضاح تزويج ابنته الهنوف إلى ذياب، يقرر ذياب الانتقام بإذكاء الخلافات بين القبيلتين، ليترجم هذه الحرب على الشاشة المخرج الراحل حاتم علي، ويحقق العمل متابعات واسعة في الخليج العربي.

في الدراما الاجتماعية

رغم أن الكاتب الراحل بدأ مسيرته بأعمال اجتماعية حققت نجاحاً لافتاً مثل "حارة نسيها الزمن"، "دائرة النار" و"أبو البنات"، إلا أن اهتمامه بالأعمال الفانتازية فيما بعد جعل الناس يشعرون أن هذا هو مكانه الأنسب.

لكن مع جنوح الدراما السورية مع بداية الألفية الجديدة نحو القصص الاجتماعية وسيطرتها بشكل أكبر على باقي الأنواع، استطاع السعدي أن يعود بقوة ليسطّر حكايات جريئة جديدة باقية إلى اليوم، فقدمَ مسلسل "خلف القضبان" الذي أخرجه الليث حجو وتناول فيه حكايات عدة عن واقع المجتمع السوري ومعاناة العائلات الفقيرة، وكانت له لمسة خاصة في مسلسله البوليسي "خط النهاية".

كذلك، استطاع في مسلسل "أبناء القهر" أن يتحدث عن التفكك الأسري ومعاناة وضياع الشباب بسببه، ليحقق وقتها صيتاً ذائعاً وينال جائزة أفضل مسلسل عربي في مؤتمر باريس الطبي، واستطاع أن يستمر بالنجاح من خلال مسلسل "عصر الجنون" بجزأيه الذي حقق انتشاراً أكبر ليصل العمل بقوة إلى مشاهدي الوطن العربي مع قوة أداء الممثلين مثل بسام كوسا وباسل خياط وقصي خولي وسلاف فواخرجي، فكانت شراكة السعدي مع المخرج مروان بركات مثمرة في هذه الأعمال، لكنها لم تستمر.

بعدها انتقل الكاتب إلى شراكة جديدة مع المخرج يوسف رزق لتحقق أيضاً نقلة نوعية جديدة في مسيرته بدأت بمسلسل "قتل الربيع"، ولاحقاً مع مسلسل "حاجز الصمت" الذي تحدث فيه عن معاناة مرضى الإيدز، ونال استحسان الجمهور، وحاز على تنويه وشكر وزارة الصحة السورية ومركز مكافحة الإيدز بعد أن حقق العمل مشاهدات واسعة بجزأيه. استمر النجاح في مسلسل "أسياد المال" بقصص اجتماعية جريئة عن العلاقات بين الناس والحب والزواج والتفكك الأسري أيضاً.

كذلك، لم تغب القضية الفلسطينية عن هاني السعدي، فقدم عام 2009 مسلسل "سفر الحجارة" مع رزق أيضاً، وفي العام نفسه دخل الدراما العربية المشتركة قبل ظهور هذا المصطلح بشكل واسع ليصنع مسلسل "آخر أيام الحب"، الذي لعبت بطولته النجمة سلاف فواخرجي والنجم المصري ياسر جلال، الذي يحكي قصة حب لطيفة جمعت بين امرأة سورية وشاب مصري أيام الوحدة بين سورية ومصر.

ابتعاد هاني السعدي عن الساحة الفنية

بعد تقديمه مسلسلي "سفر الحجارة" و"آخر أيام الحب" عام 2009، غاب الكاتب هاني السعدي عن الساحة الفنية بشكل كلي، وقد عزت ابنته روعة السعدي ذلك إلى قلة اهتمام الوسط الفني به وبأعماله، إضافةً إلى تراجع صحته بالتدريج بسبب إصابته بألزهايمر. ورغم أن هناك أعمالاً درامية عدة مكتوبة وجاهزة لديه، إلا أن أحداً لم يتبنَّها، حتى استطاعت ابنتاه روعة وربا السعدي أن تسوّقا مسلسلاً فانتازياً قديماً كان قد كتبه بعنوان "فرسان الظلام: ذئاب الليل"، والذي عُرض في رمضان 2023، ليكون آخر أعماله.

رحل هاني السعدي عن 81 عاماً متأثراً بمرضه، تاركاً إرثاً فنياً كبيراً، وعائلة مكونة من خمس فتيات، من بينهم روعة وربا اللتين اشتهرتا ممثلتين منذ صغرهما في الدراما السورية.

المساهمون