الفرق الفنية المصرية... خطوات أخيرة على طريق الاختفاء

الفرق الفنية المصرية... خطوات أخيرة على طريق الاختفاء

05 ابريل 2021
فريق وسط البلد (يوتيوب)
+ الخط -

هل تعيش الفرق الموسيقية المستقلة في مصر حالياً كبوة مؤقتة، أم أنّ هذا النمط في الإنتاج وصناعة الموسيقى يتجه نحو مراحله الأخيرة، في ظل صعود أنماط أنواع موسيقية أخرى أكثر شعبية؟ الحقيقة أنّ إعطاء جواب حاسم على هذا السؤال قد يكون تضليلاً، لكنّ تتبع مسار هذه الفرق في مصر، وحتى في العالم، يقودنا في اتجاه غير متفائل إطلاقاً.

انحسار الروك
عوامل كثيرة ساهمت في رسم هذه الصورة القاتمة لمستقبل الفرق الموسيقية المستقلة، أولها ارتباط مفهوم الفرقة بالصورة الغربية. ففكرة الفرق عموماً في مصر، مستنسخة من تجارب فرق الروك الغربية. وهي التجارب التي تراجعت واختفت في دول الغرب لأسباب عدة، بينها تراجع جمهور هذا النمط الموسيقي، وعدم تطويره، وابتعاد الجمهور بحثاً عن أنماط موسيقية تشبه أكثر العالم بشكله الحالي، بكلّ تناقضاته وعنفه وسرعته.

شركات الإنتاج
هذا عامل أوّل. أما العامل الثاني، فهو مصريّ خالص، ومرتبط بشكل الإنتاج الموسيقي في مصر. منذ عقود طويلة، حصرت شركات الإنتاج في مصر (والعالم العربي عموماً) نشاطاتها في دعم أفراد وليس مجموعات. وبذلك رسمت صورة وحيدة لشكل النجومية، وهي نجومية مرتبطة بمغنّ أو مغنية وحدهما. وفي ذلك ربح متبادل: تدعم الشركة فناناً/ة صاعداً/ة، تنتج له ألبوماً، وفي حال نجح تمضي معه عقد احتكار طويل، فتزيد من عائداتها، وهو ما يفعله نسبياً الفنان/ة النجم/ة. وهي الطريقة التي أثبتت جدواها طوال سنوات، خصوصاً مع مغني موسيقى البوب. هذه الشركات انقرضت تقريباً في مطلع الألفية الجديدة، مع احتكار شركة "روتانا" بشكل شبه كامل، السوق الغنائية المصرية والعربية، قاضية على أيّ هامش ممكن للمنافسة.

مع فيروس كورونا باتت إقامة الحفلات شبه مستحيلة

أما الفنانون الذين يتمتعون بشهرة ونجومية وثراء فأنشأوا شركات إنتاج خاصة بهم. لكنّ عام 2008 بدا فيه أنّ شيئاً ما يحرّك سوق الإنتاج الراكدة: دخول منافس جديد ومختلف، وهي الشركات: شركات اتصال، شركات مشروبات غازية... اختارت هذه الجهات الاستثمار في الموسيقى من الباب الإعلاني أولاً وأخيراً، وهو ما أتاح ظهوراً أكبر وأوسع للفرق الموسيقية. أما القاسم المشترك بين الطرفين فهو الجمهور، إذ تخاطب هذه الشركات شريحة الشباب والمراهقين، وتخاطب الفرق المستقلة الشريحة نفسها. وقتها، كانت الفرق هي الأقرب إلى هذه الشريحة العمرية، نظراً إلى استخدمها كلاماً يشبه كلامهم، وموسيقى مختلفة عن تلك التقليدية. هكذا، انتقلت هذه الفرق من المسارح المستقلة الصغيرة إلى شاشات التلفزيون التي تدخل كلّ البيوت. وتحولت هذه الشركات إلى منتج سخي متوفر مع هذه الفرق.

وإلى جانب هذه العلاقة الإعلانية ــ الموسيقية واصلت الفرق إقامة الحفلات، ورفع مدخولها. لكن، بالتوازي مع تغير الوضع السياسي المصري والعربي والعالمي، وتزعزع الوضع المجتمعي الثابت، وهو ما رسّخه فيروس كورونا منذ 2020، بدأت هذه الفرق، تدريجياً، تتراجع أكثر، لترتفع مكانها أنواع موسيقية أخرى، تخاطب شريحة المراهقين تلك، بكلمات أخرى تشبه واقعهم الحالي، بعيداً عن التفاؤل ورسائل التنمية البشرية التي تحملها أغاني أشهر الفرق المصرية.

ظهرت موسيقى جديدة بمغنّ واحد: المهرجانات، والتراب، والراب... وهي موسيقى كلفتها قليلة جداً، وكلماتها تتماشى مع الواقع الحالي. وهو ما يظهر كذلك، في الأنواع الدرامية الأكثر شعبية في مصر، كمسلسلات محمد رمضان والعنف الموجود فيها على سبيل المثال. مع فيروس كورونا إذاً باتت إقامة الحفلات شبه مستحيلة، فتفككت تدريجياً، وتوزّع أعضاء الفرق على مهن أخرى في محاولة لكسب أموال من قطاعات ما زالت مفتوحة.

خيارات الفنانين
مع تغير شكل العالم والموسيقى والعلاقات البشرية نتيجة الوباء، باتت خيارات الأفراد أكثر أنانية، وبات صعباً جمع 4 أو 5 موسيقيين، يملكون الأفكار الموسيقية نفسها، وفي الوقت نفسه، لديهم متسع من الوقت للقاء وتقديم محتوى موسيقي متكامل، خصوصاً أنّ الجمهور بات بدوره أكثر انعزالاً، ويفضّل الاستماع إلى موسيقاه المفضلة عبر "سبوتيفاي"، بدلاً من حضور حفلة بكمامة وإجراءات تباعد اجتماعي.

دلالات

المساهمون