"الشجاعة والسيف"... زبدة أسماء المذابح الإسرائيلية

20 مارس 2025
في حي الشجاعية، شرق مدينة غزة، 18 مارس 2025 (عمر القطّاع/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استأنف الاحتلال الإسرائيلي هجماته على الفلسطينيين في غزة خلال شهر رمضان، مستهدفًا المدنيين ومسببًا مقتل العديد من الأطفال والنساء والشيوخ، وأطلق على العملية اسم "الشجاعة والسيف".
- دراسة للدكتورة داليا غابريلي نوري كشفت أن أسماء العمليات العسكرية الإسرائيلية تُختار بناءً على معايير تشمل الطبيعة والحيوانات والتوراة، بهدف التأثير على تصور الجمهور.
- الجيش الإسرائيلي يستخدم نظامًا يعتمد على أسماء مستوحاة من الطبيعة والتوراة، للتأثير في وعي الجمهور وربط العمليات بالموروث الديني والقومي.

بعد عامٍ ونصف العام من الإبادة، استأنف الاحتلال الإسرائيلي مقتلة الفلسطينيين. باغتهم على مشارف الربيع بمطرٍ من نار، فقتل الجوعى والعطشى في شهر صيام المسلمين، مُجهزاً قبل ساعة الإمساك على مئاتٍ من الأطفال والنساء والشيوخ الذين فُتحت عليهم "بوابة الجحيم الأميركي" أبكر من ساعة الرب يوم الحساب.

لم تعرف العرب كل هذا الموت قبل غزة، فاستبقتها إسرائيل، مُطلقة على حربها المتجددة اسم "الشجاعة والسيف" مقتبسةً من مفردات العرب وشعرها في مديح الموت. "عوز فحيرف" هو الاسم العبري لهذه المقتلة، وعلى الأرجح أنه في زمن رئيس الأركان الجديد إيال زامير، القادم من سلاح المدرعات، اشتقت اللفظة "عوز" (الشجاعة والإقدام) من اسم واحد من أرفع الأوسمة "الشجاعة"، ومن اسم اللواء السابع في كتيبة المدرعات التي تحدر منها القائد الجديد وقادها سابقاً بنفسه.

على أيّ حال، ثمة "أسطورة" متناقلة في إسرائيل تقولُ إن ثمة "حاسوباً غامضاً" يختار أسماء العمليات العسكرية وحروب جيش الاحتلال. غير أن دراسة حول الموضوع أجرتها الدكتورة داليا غابريلي نوري، المتخصصة في دراسة الثقافات، وهي زميلة باحثة في معهد ترومان الإسرائيلي، دحضت أن يكون الأمر على هذا النحو. طبقاً للباحثة، فإن لأسماء العمليات والحروب خلفيات عدّة، هدفها إضفاء المعنى على مضمون الحرب وغايتها، كما أن الجوانب العملياتية والسياسية والنفسية والوعي تلعب دوراً محورياً في تحديد الاسم. وبديهياً، كانت ثمة حروب حملت أسماؤها على طريقة "يأتي الولد واسمه معه"، كحرب "لبنان الثانية" (عدوان يوليو/ تموز 2006)، وقبلها "حرب الغفران" (أكتوبر/ تشرين الأول 1973)، التي اشتق اسمها من توقيت شن الحرب التي تزامنت مع يوم الغفران العبري، و"حرب الأيام الستة" (النكسة)، التي توسعت فيها إسرائيل لتحتل أجزاء من أربع دولٍ عربية في غضون ستة أيامٍ فحسب. ولكن ماذا عن "عناقيد الغضب"، و"أمطار الصيف"، و"أنشودة الحور (الصفصاف)" (كمين أنصارية)، و"غضب الرب"، وغيرها؟

الدراسة المذكورة توصلت إلى أنّ هناك أربعة معايير تُحدد من خلالها أسماء الحروب والعمليات: أسماء الإنسان، وأسماء أماكن "في أرض إسرائيل"، وأسماء النباتات، والحيوانات. وتتفرع هذه الأسماء من عالمين: عالم الطبيعة والحيوان، وعالم "التناخ" (الكتاب المقدس أو التوراة). الدراسة المذكورة فحصت أسماء 81 حرباً وعملية شنّتها إسرائيل منذ قيامها وصولاً لـ"الرصاص المصبوب"، بالإضافة إلى أسماء وسائل وأسلحة قتالية يستخدمها الجيش، ليتبيّن أن هذه الأسلحة أيضاً تتفرع من العالمين ذاتهما، فدبابة "ميركافا" هي من عالم "التناخ" وتحديداً من سفر حزقيال الذي يدور حول "الصعود إلى القصور السماوية وعرش الرّب". أمّا بندقيتا "جليل" و"نقب" فهما من عالم الطبيعة، ومشتقتان من اسميّ منطقة الجليل في شمال فلسطين والنقب جنوبها. وكذلك الحال بالنسبة لطائرة "ليفيه" (وهي اسم من أسماء الأسود)، ومصفحة "بوما" (وهي اسم من أسماء الفهود)، المشتقة من عالم الحيوان.

من بين 239 اسماً للعمليات العسكرية والأسلحة، تبين أن ثلثها مستوحى من عالم الطبيعة، مثل عملية "قوس قزح" التي شنتها إسرائيل على غزة عام 2004، وثلثها الآخر من عالم المفردات التوراتية مثل "عملية سليمان"، أما البقية فهي مزيج من العالمين، مثل "عمود السحاب"، وهي مثال كلاسيكي على اسم مستوحى من المزج بين عالم الطبيعة وتصوراتها، وعالم التوراة، في إشارة إلى "عمود السحاب أمام المعسكر" (سفر الخروج).

اسم العملية العسكرية أو الحرب، كما استنتجت الدراسة المذكورة "لديه القدرة على التأثير على تصور الجمهور له بأن الحرب ناجحة أم لا". وكمثال على ذلك عملية "سلام الجليل" التي كان لها هدف واضح، خلافاً لأسماء ضبابية مثل "شتاء ساخن"، و"قوس قزح"، و"عناقيد الغضب" التي لم يكن لها هدف بالفعل.

على الرغم من كل ما تقدم، فإن الأسطورة حول "الحاسوب الغامض" لم تأتِ من فراغ، فجيش الاحتلال بالفعل استند إلى حاسوب مزوّد بأسماء من العالمين المذكورين، وقبل استخدامه كان لديه أيضاً كتاب يتضمن "شيفرات" واستند إليه لاختيار أسماء الحروب، وفقاً لتقرير مصوّر لقناة "كان" الإسرائيلية بثته في العام 2023؛ لكنها تُقر بأن حروباً وعمليات كثيرة أطلق قادة عسكريون أسماءها وكانت تهدف إلى التأثير في وعي الجمهور من خلال إسقاط "الموروث الديني أو القومي - الوطني".

اليوم إذاً اختار قائد الأركان الجديد لجيش الاحتلال اسماً يكون امتداداً لـ"السيوف الحديدية" المستمدة من التوراة لتوصيف الحرب بين "الخير والشر"/ "الظلام والنور"؟ لعله أراد أن يتحدى العرب أيضاً في مديحها لموت أبناء جلدتها في عز شهرها المبارك. العرب التي لم تعرف قبل آلاف السنين كيف تحيل إسرائيل شمس مارس/ آذار اللطيفة إلى مطرٍ من نار.

المساهمون