الشائعات والنفور من الأخبار يهددان ديمقراطية الدنمارك

الشائعات والنفور من الأخبار يهددان ديمقراطية الدنمارك

23 يونيو 2022
ارتفاع في نسبة النفور من الأخبار بين الشباب (كريستيان فيريغ/ Getty)
+ الخط -

يبدو أن جائحة كوفيد-19 والأخبار الزائفة التي رافقتها عبر منصات التواصل الاجتماعي أعادت ثقة الدنماركيين بوسائل الإعلام والصحف التقليدية. وعلى الرغم من ذلك، تشير التقارير المحلية والعالمية، وآخرها الصادرة عن معهد رويترز للأبحاث، إلى تزايد في أعداد "المتهربين من الأخبار".

وفي الحالة الدنماركية، ارتفعت نسبة المتهربين من متابعة الأخبار بين الفئات الشابة خلال 5 سنوات، من 14 إلى 20 في المائة اليوم. وحتى في ظل الثقة بالوسائل الإعلامية المهنية بين الشعب الدنماركي، بواقع نحو 58 في المائة، شهدت المتابعة المتواصلة أو الدائمة للأخبار انخفاضاً من 54 إلى 49 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية.

وكانت مؤسسة الإعلام الدنماركي قد درست اتجاهات الشباب، وأشارت إلى زيادة عند الآباء والأمهات بنحو 10 في المائة ضمن الشباب المصنفين أنهم "هاربون من الأخبار". وأشارت الدراسة الدنماركية، المتزامنة مع التقرير الذي أصدره معهد رويترز، إلى أن المتهربين من الأخبار "يمثلون مشكلة خطيرة"، وذلك ربطاً بما تراه المؤسسة "أزمة للديمقراطية وللمستقبل، لجهة قيام الشباب بواجبهم المدني ومواكبة حقيقة ما يجري في مجتمعهم".

وغير بعيد من ذلك، تشير دراسة معهد رويترز إلى وجود تطور سلبي يتعلق بدور السلطة الرابعة وأهميتها في بعض المجتمعات. توضح الدراسة أن نسبة الشباب الدنماركي (تحت 35 عاماً) العازف عن متابعة الأخبار تصل إلى نحو 10 في المائة، وتفسير ذلك يعتمد على "تأثير الأخبار السلبي في مزاج المستجيبين، وشعورهم بإرهاق الأخبار".

ووفقاً لنتائج استطلاع بحثي عالمي شارك فيه 93 ألفاً من متلقي الأخبار في 46 دولة (ويمثلون في القارات عددياً نحو نصف سكان العالم، مستثنى منهم العرب)، أجرته شركة دراسة السوق يوغوف، فإن العلاقة بين الجمهور الدنماركي والإعلام أفضل حالاً حتى منها في الولايات المتحدة. أشار الاستطلاع إلى أن الجمهور الأصغر سناً على المستوى العالمي بات ميالاً بشكل متزايد إلى تلقي الأخبار عبر منصة تيك توك.

وفيما تتزايد ثقة الناس في كوبنهاغن بوسائل إعلامهم (نحو 58 في المائة) نجدها في أكبر أسواق الإعلام الأميركية لا تتجاوز 26 في المائة، وهو تراجع بنسبة 3 في المائة خلال أعوام الجائحة.

والاتجاه نحو مصادر من خارج الوسائل المهنية والاحترافية يبدو الأكبر في الهند، إذا يذهب 72 في المائة من السكان إلى استقاء أخبارهم عبر الشبكة الإلكترونية، ومن خلال هواتفهم، لا الحواسيب. وفي القارة الأفريقية، ليس أقل من 65 في المائة يختارون أخبارهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب تدفق الأخبار عبر البريد الإلكتروني. وحتى بريطانيا ليست بمنأى عن تيار التهرب من متابعة الأخبار، إذ تظهر الدراسة أن ليس أقل من 46 في المائة يتجنبون الأخبار "في بعض الأحيان، أو في كثير من الأحيان"، وفي ذلك تضاعف في النسبة مقارنة بما كان الوضع عليه عام 2016.

في كل الأحوال، وبمتابعة التقرير الشامل لمعهد أبحاث رويترز، وبرعاية مؤسسات إعلامية عدة وشركة غوغل، من الملاحظ سقوط العالم العربي من قائمة الاستبيانات والمتابعة، رغم أنه تقرير شمل أغلب القارات، ودولاً لا تصنف فيها حرية الإعلام في مستوى جيد.

إلى ذلك، يرى متابعون أن ما يعرف بـ "الصحافة البناءة" تتحمل مسؤولية صناعة إعلام رزين، وغرس بعض الأمل، من دون التخلي عن قصصها النقدية لأجل الدفع بالسلطات للبحث عن حلول. وينطبق ذلك على مسائل عالمية لا تقتصر على جائحة فيروس كورونا، بل تتعداها إلى التغيرات المناخية ودور الإنسان فيها. في المقابل، يرى باحثون ومتخصصون أن مسؤولية الصحافة تتزايد أيضاً لمنع توسع اللامبالاة بالأخبار، وخصوصاً مع تفاقم حالة اليأس بين بعض الفئات التي تستشعر نتائج عدم المساواة والحروب وأزمات الاقتصاد والجوع والتغيرات المناخية أكثر من السابق. 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ويبدي القائمون على اتجاهات الإعلام وعلاقته ببناء مجتمع ديمقراطي معرفي في الدنمارك قلقاً على الشباب بين 12 و19 سنة، بسبب تسليمهم بصحة ما يتدفق إليهم من أخبار على وسائل التواصل الاجتماعي من دون فحص أو نقد للمصادر. إذ بينت دراسة أعدها معهد كانتار غالوب لمصلحة مؤسسة الإعلام الدنماركي، وشملت 255 شاباً وشابة، أن 50 في المائة منهم يستهلكون الأخبار من تطبيقي تيك توك وفيسبوك، باعتبارها صحيحة وغير خاضعة لانتقاد محتواها للتيقن من مصدرها.

وعلى الرغم من أن هيئة البث العام (دي آر) تضع في تصرف الأصغر سناً نافذة إعلامية تحت عنوان "أخبار سهلة/خفيفة" وبلغة مبسطة، وتشرح فيها بعض المفردات، فعلى ما يبدو بات الإيقاع السريع يبعدهم عن المصادر الجادة والموثوقة. وتثير هجرة مصادر صحافية رزينة قلقاً لدى مؤسسة أوضاع الأطفال، المعنية بالصحة النفسية للصغار وحقوقهم في المجتمع.

وأكدت الخبيرة في الوسائط الرقمية في المؤسسة، كاميلا ميهلسن، أنها فحصت استهلاك الشباب للأخبار والمعلومات للتعرف إلى ما يحصل حول العالم، فوجدت أن وسائل التواصل باتت مصدراً "من دون أن يثير لدى الكثيرين منهم شكاً في صحة ما يتلقونه".

ويستعرض معدو الدراسة جائحة كورونا كمثل على ما كان يدور على تيك توك وفيسبوك. فخلال حملات تقديم اللقاح في البلد، انتشرت على المنصتين شائعة تقول إنه "إذا أخذتم اللقاح فستصابون بالبدانة". وهكذا، راح الأطفال في سنّ 13 سنة يرددون رفضهم اللقاح أمام أهاليهم والهيئات التدريسية بحجة أنهم سيصابون بالبدانة.

ويعتقد الرئيس التنفيذي لمؤسسة الإعلام الدنماركي، مادس براندستروب، أن الدراسة توضح تزايد افتقار الشباب لانتقاد المصادر. واعتبر في تصريحات نقلتها صحيفة إنفورماسيون وهيئة البث العام أن الظاهرة راجت أكثر "خلال عامين من الجائحة والحرب في أوكرانيا"، إذ تعرض هؤلاء لتدفق هائل من المعلومات غير الدقيقة، "وعليه، نرى أنه لا بد من اتخاذ خطوات لمعالجة هذا الخلل".

وترى كاميلا ميهلسن أن الدنمارك بحاجة إلى "تعليم الصغار كيفية العثور على المصادر التي يمكن الوثوق فيها". وأكدت أن مؤسسة أوضاع الأطفال تسعى لتأسيس "روابط بين ما ينشر على وسائل التواصل ولفت الانتباه إلى ضرورة التحلي بنظرة ناقدة ومتفحصة للمصدر، من خلال مشاركة الآباء والمؤسسات".

وتسترعي الدراسة اهتماماً من مؤسسة الإعلام الدنماركي لكونها قادرة على تقديم توصيات بما يجب فعله. وفي الاتجاه نفسه، يذكر مديرها التنفيذي أنه "إذا تمكنا من تعليم الأطفال والشباب في سن مبكرة أهمية طرح أسئلة نقدية عمّا نراه ونسمعه، فذلك يعتبر حيوياً في تكوين مواطنين ديمقراطيين، وعليه سيجري التواصل مع وزارة التربية والتعليم، والرابطة الوطنية للسلطات المحلية (البلديات)، لمعرفة كيف يمكنهم تنفيذ المهمة بشكل مشترك".

اتجاه اليافعين إلى تلقي الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي ينظر إليه على أنه يؤدي إلى فقدان الشباب الثقة بوسائل الإعلام الإخبارية الرزينة، وفقاً لمؤسسة أوضاع الأطفال. الدراسة الدنماركية تشير إلى أن تطبيق تيك توك بات الوسيلة المفضلة للفئة بين 13 و16 سنة، وأن فيسبوك يجتذب الفئة بين 16 و19 سنة. وبالنسبة إلى المهتمين باتجاهات اليافعين، فإن ذلك يمثل "مشكلة ديمقراطية، حين يصبح تلقي الأخبار غير خاضع للفحص، ما يؤدي إلى غياب تماسك المعرفة لديهم، وتنتشر معلومات مضللة ونظريات مؤامرة"، وفق ما تشير ميهلسن.

ويقع بعض اليافعين، حتى 15 سنة، ضحايا منصات يمينية متطرفة، تسعى لتجنيد بعضهم للقيام بأعمال إرهابية بحق البيئات المهاجرة، كذلك كشفت الاستخبارات الدنماركية عن يافعَين أوقفا بعد ارتياد منصات متطرفة وإبداء رغبة في تنفيذ هجمات مستوحاة من تلك التي وقعت في بعض الدول الغربية.

ومع ذلك، أشارت الدراسة إلى أن 73 في المائة من المستطلعين اليافعين أكدوا أن "تدفق المصادر والأخبار وتعددها مهمان للمجتمع الديمقراطي". في المقابل، أشار الصغار من تلاميذ الابتدائية (حتى 13 سنة) بنسبة 11 في المائة إلى أنهم يتجنبون الأخبار لأنها تحتوي على الكثير من السلبيات، وذلك وفقاً لمعدي الدراسة أكثر بـ10 في المائة عمّا كان عليه مع آباء هؤلاء الصغار حين كانوا في سنّهم.

المساهمون