استمع إلى الملخص
- فيلم "الهوى سلطان" تميز بتناوله حياة مواليد الثمانينيات في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، وحقق إيرادات تجاوزت 75 مليون جنيه في مصر و12 مليون ريال سعودي، مما يعكس جاذبية الأفلام غير التقليدية.
- نجاح أفلام مثل "الهوى سلطان" و"الحريفة" يشير إلى تشبع السوق بالأفلام التجارية الرديئة، مما يدفع الجمهور للبحث عن تجارب سينمائية جادة، ويشجع على إنتاج المزيد من الأفلام الجادة والمغامرة.
نستطيع القول الآن إن السينما المصرية تعيش أفضل فتراتها الإنتاجية منذ ما يقارب عقدين من التراجع والانهيار، بعدما وصل حجم الإنتاج للعام الثاني على التوالي إلى أكثر من 40 فيلماً في العام، وأصبح عام 2024 الأعلى منذ سنوات طويلة بواقع 44 فيلماً. يدل هذا العدد على الازدهار الإنتاجي للسينما المصرية، ولكنه لا يعبر بالضرورة عن الازدهار الفني ولا عن جودة الأفلام. مع ذلك، أتاحت هذه الموجة الإنتاجية الجديدة الفرصة لخروج بعض الأعمال غير التقليدية التي يمكن لنا الوقوف عندها والبناء عليها.
أبرز هذه الأعمال التي خرجت عن السياق فيلم "الهوى سلطان"، بطولة منة شلبي وأحمد داود، وتأليف وإخراج هبة يسري. مثّل الفيلم حالة استثنائية في العام الماضي وعلامة تتوقف عندها السينما المصرية المعاصرة، لعدة أسباب؛ أولها تحقيق الفيلم نجاحاً تجارياً كبيراً وغير متوقع، رغم عدم توافر أي عنصر تجاري جاذب للجمهور، فالعمل رومانسي، وربما هو الفيلم الرومانسي الوحيد هذا العام، والأول منذ ما يقارب عامين. ولدى الأفلام الرومانسية المصرية تاريخ من الإخفاقات في شبّاك التذاكر، لذلك فإن صناعة عمل رومانسي مخاطرة كبيرة، نجح صناع الفيلم في تجاوزها.
لا يضم الفيلم نجوم شبّاك تذاكر، وهو تجربة أولى للمخرجة هبة يسري في السينما، وأخيراً هو فيلم غير موجه في الأساس إلى الجمهور الشاب أو جيل "زد"، الأكثر تأثيراً في شبّاك التذاكر، فهو يدور عن حياة مواليد الثمانينيات في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، بأبطال في الأربعينيات من العمر، يعانون من فشل في الحياة العاطفية، إلى أن يصل بطلا العمل في النهاية إلى قرار الزواج متأخرين، بعد رحلة طويلة مليئة بالتخبط والتجارب الفاشلة. الفيلم مليء بإشارات الحنين إلى الماضي، خاصة إلى عصر ما قبل مواقع التواصل الاجتماعي. يحتفي "الهوى سلطان" بذلك الزمن، سواء من اختيارات الأغاني لبهاء سلطان وشيرين وجورج وسوف، أو بمواقع التصوير، أو في عادات بطلي العمل، مثل مشاهدة أفلام الأبيض والأسود، وتبادل إفيهات الأفلام القديمة.
لعلّ نجاح "الهوى سلطان" التجاري حدث غير مسبوق، وجرت العادة أن مثل هذه الأفلام تكون زيادة عدد في مواسم العرض، ولا تطمح إلا للحصول على الإشادات النقدية أو تجاوز عشرة ملايين جنيه في الإيرادات، بما يكفي لتغطية تكاليف إنتاج العمل على الأقل. لكن المفاجأة كانت في احتلال الفيلم المركز الخامس في قائمة الأعلى من حيث الإيرادات في 2024، بأكثر من 75 مليون جنيه، ومتفوقاً على أكثر من 35 فيلماً تجارياً مختلف في العام. وفي الوقت نفسه، احتل المركز الـ19 في السعودية في عام 2024، بأكثر من 12 مليون ريال سعودي، وهي إيرادات خيالية بالنظر إلى مقومات الفيلم.
تجربة مثل "الهوى سلطان" لن تخرج إلى النور في ظروف أخرى، أو في وقت كانت السينما المصرية لا تُنتج أكثر من عشرة أفلام في العام، لكن حالة الإقبال الجماهيري في مصر على الأفلام، مع إيرادات شبّاك التذاكر السعودي، جعلت المنتجين أكثر شجاعة ومخاطرة، لأنه في حال عدم تحقيق إيرادات في مصر، فإن أقل الإيرادات في السعودية تضمن عدم الخسارة، بسبب انخفاض قيمة الجنيه أمام الريال السعودي، والعكس أيضاً، لأن هناك أفلاماً اكتفت بتحقيق نجاح كبير في مصر بدرجة لا تقارن بالسعودية، مثل فيلم "الحريفة".
سبب هام وراء نجاح أفلام مثل "الهوى سلطان" و"الحريفة" وغيرهما أيضاً يرجع إلى تشبع السينما المصرية بالأفلام التجارية الرديئة وقليلة الجودة والتكلفة، ما عطّش الجمهور إلى التجارب السينمائية الجادة، وأضفى حالة من الاحتفاء الزائد بها، بغض النظر عن قيمتها الفنية الحقيقية. لذلك، فإن من أهم النتائج المتوقعة من المنافسة السينمائية في عام 2024 ككل، إثبات فشل توليفة الأفلام الرديئة، وإعطاء الفرصة للأسماء الجديدة في الإخراج والتمثيل، خاصة بالنظر إلى قائمة إيرادات مجموع أفلام السينما المصرية هذا العام، فإن أكثر من نصفها (25 فيلماُ) لم تستطع تجاوز خمسة ملايين جنيه في الإيرادات، وثلث القائمة تقريباً لم تتجاوز المليون جنيه من الأساس.
لا نستطيع عزل فيلم "الهوى سلطان" عن الأجواء التي صاحبت إنتاجه، فهو مكمّل لتجارب أخرى مهدت لنجاحه التجاري الضخم، ومنها تجربة الفيلم الاجتماعي الكوميدي "وش في وش" في عام 2023، الذي كان نجاحه مفاجئاً في شبّاك التذاكر وقتها بأكثر من 35 مليون جنيه، ومن بعده تجربة فيلم "الحريفة" بجزأيه في عام 2024، وهو أول فيلم شبابي من دون أبطال معروفين وموجه إلى المراهقين، ينجح في مخالفة التوقعات وتحقيق إيرادات ضخمة قاربت من 200 مليون جنيه للجزأين في عام 2024. وأخيراً فيلم "رحلة 404" لمنى زكي.
احتل "رحلة 404" مرتبة متقدمة في قوائم مصر والسعودية خلال العام الماضي، بأكثر من 12 مليون ريال سعودي و27 مليون جنيه مصري، وهو فيلم من فئة الأفلام التي لا يفضلها المنتجون، فيلم من بطولة نسائية لا يصنف آكشن أو كوميدي، ويخوض تحديات رقابية ومصنف للكبار فقط، وتعثر إنتاجياً ورقابياً لفترة طويلة، ودخل المنافسة محكوماً عليه بالفشل. ومع ذلك وجد جمهوره في السينما، متفوقاً على العديد من الأعمال التجارية التي كان صناعها يراهنون بالتأكيد على نجاحها. وقد تكون الظروف السيئة التي واجهها قد ساهمت في الترويج له إعلامياً، ما أدّى إلى استقطابه شريحة جماهيرية كبيرة.
مثّل بعض الأعمال محطاتٍ فارقة في واقع السينما المصرية، ودرساً على استمرار أهمية الجمهور المصري في المعادلة، سواء من الناحية الاقتصادية أو الترويجية، وتأكيداً لعدم الاختلاف الكبير بين تفضيلات الجمهورين المصري والسعودي، وكذلك تظل هذه التجارب عوامل مشجعة للبناء عليها بإنتاج العديد من التجارب الجادة والمغامرة في عام 2025.