استمع إلى الملخص
- يعود تاريخ السجل إلى العهد العثماني ويشمل مواقع من مختلف الحقب التاريخية، ويخضع لحماية قانون السياحة والآثار لعام 2018، مع جهود لإعداد ملاحق قانونية جديدة لحماية المباني التراثية الحديثة.
- تُحدث قاعدة البيانات باستمرار لتوثيق الاعتداءات الإسرائيلية وتُستخدم لخدمة الباحثين والمؤسسات، مع جذور تعود إلى القرن الثامن عشر.
يوثق السجل الوطني للآثار الفلسطينية، حتّى اليوم، نحو سبعة آلاف موقع أثري في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، منها ألفا موقع رئيسي، إضافة إلى 60 ألف قطعة أثرية تحتفظ بها وزارة السياحة والآثار، بينها 1700 قطعة نقدية نادرة تمثل تاريخ النقد الفلسطيني منذ ظهوره. هذا السجل، الذي يمثل الذاكرة المادية للشعب الفلسطيني، لا يقف عند حدود التوثيق فحسب، بل يشكّل درعاً في مواجهة محاولات الاحتلال الإسرائيلي لطمس الهوية وسرقة التراث عبر التهويد والمصادرة والتدمير، سواء في الضفة الغربية أو خلال الإبادة الجارية في غزة.
يُعدّ السجل الوطني المصدر الرئيسي للمباني والتلال والمعالم الأثرية واللّقى المتحركة. ويقول فراس عقل، مدير السجل الوطني والحفاظ في وزارة السياحة والآثار، إنّ هذا السجل يتضمن مواقع وآثاراً تعود إلى مختلف الحقب التاريخية، من أقدم العصور الحجرية حتى الفترة العثمانية. القطع تُحفظ في مخازن الوزارة وفق معايير علمية دقيقة تراعي مادة القطعة ودرجة الحرارة والرطوبة المناسبة، بما يضمن سلامتها واستمرارية دراستها.
ويضيف عقل في حديث لـ"العربي الجديد" أن هذا السجل لم يبدأ مع السلطة الفلسطينية، بل هو عملية تراكمية منذ العهد العثماني، مروراً بالانتداب البريطاني والحكم الأردني. فقد أصدرت حكومة الانتداب في فلسطين عددين خاصّين من مجلة "الوقائع الفلسطينية" عامَي 1927 و1944، تضمنا توثيقاً لمواقع أثرية مهمة، وهو ما شكّل أساساً لإضافة مواقع جديدة مع كل اكتشاف لاحق. أمّا اليوم، فيدار السجل عبر برنامج إلكتروني يضم صوراً وبيانات جغرافية وإحداثيات دقيقة، ويُحفظ على خوادم محلية وأخرى خارج البلاد تحسّباً لأي قصف أو اجتياح إسرائيلي.
يخضع العمل لحماية قانون السياحة والآثار الصادر عام 2018، الذي يحمي المباني والمواقع التي شُيدت قبل عام 1917. لكن القانون يعاني من ثغرة كبرى، إذ لا يشمل المباني التي أنشئت بعد ذلك التاريخ، وهو ما يجعل كثيراً من الأبنية التراثية الحديثة عرضة للإهمال أو الإزالة. ويشير عقل إلى أن الوزارة تعمل على إعداد ملاحق قانونية جديدة لإدراج هذه المباني وحمايتها، إضافة إلى حصر اللقى الأثرية في الحيازات الخاصة والمتاحف والأفراد، مع ضرورة التحقق من قانونية هذه الحيازة، خصوصاً ما يتعلق بالجنيه الفلسطيني الذي لا يشمله القانون الحالي.
يؤكد محمد جرادات، نائب مدير عام السجل، أن قاعدة البيانات تُحدث باستمرار لتوثيق الاعتداءات الإسرائيلية التي تطاول المواقع الأثرية، سواء بالمصادرة أو التدمير أو السرقة، كما يجري إدخال نتائج التنقيبات وضبط القطع الأثرية المصادرة من السوق السوداء أو التي تستعيدها الأجهزة الأمنية الفلسطينية. لكل قطعة استمارة دقيقة تشمل اسمها ومكان العثور عليها ومكوناتها ومقاساتها، لتُحفظ ضمن قاعدة البيانات الرقمية.
وتُستخدم هذه البيانات في خدمة الباحثين والبلديات والمؤسسات الحكومية، كما تُقدَّم للمنظمات الدولية التي تطلب معلومات عن المواقع المهددة بالخطر، وقد برزت أهميتها خلال حرب الإبادة في غزة، إذ جرى استخدام السجل لتوثيق ما طاول المواقع الأثرية من دمار، ولمنع محوها من الذاكرة.
تعود جذور المسوحات الأثرية في فلسطين إلى نهاية القرن الثامن عشر، حين أجرت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت عام 1798 أولى عمليات المسح على طول الساحل من غزة إلى عكا. وفي عام 1865، تأسس "صندوق استكشاف فلسطين"، الذي أثمر عن تثبيت تسعة آلاف مسمى عربي تاريخي على خرائط باللغة الإنكليزية. وقد جرت أعمال واسعة بين 1870 و1877، أسفرت عن إنتاج 26 لوحة وخارطة تغطي معظم فلسطين، مرفقة بوصف تفصيلي لكل موقع. ومع حلول عام 1927، بدأ استخدام الإحداثيات الفلسطينية التي سمحت بدقة أكبر في تحديد المواقع، وهو ما ساعد لاحقاً في حوسبة هذه الخرائط وإدراجها في السجل الوطني.
لكن بعد النكبة عام 1948، استولى الاحتلال الإسرائيلي على قاعدة البيانات الخاصة بالانتداب البريطاني، وقام بطمس الأسماء الفلسطينية التاريخية وإحلال أسماء عبرية بدلاً منها. ومع الزمن، تقلص عدد المواقع الأثرية الفعلية على الأرض، إذ أزال الاحتلال أجزاء كبيرة منها. ففي بلدة يطا قضاء الخليل مثلاً، كان هناك 17 موقعاً أثرياً، لم يبق منها سوى ثلاثة، بعد أن دمّر الاحتلال 14 موقعاً بالكامل.
منذ عام 1967، جرت أعمال تنقيب في أكثر من 1100 موقع فلسطيني، بعضها له أهمية خاصة للصراع مع الاحتلال. القدس مثلاً تحتل قيمة عليا لدى الفلسطينيين باعتبارها محوراً للأحداث التاريخية والدينية، فيما يُعد وادي خريطون شرق بيت لحم من أقدم المواقع، إذ يعود تاريخه إلى نصف مليون عام. كذلك تُعتبر مغارة العبيدية عند بحيرة طبريا ومغائر جبل الكرمل في حيفا من أقدم المواقع على مستوى فلسطين التاريخية.
كما شكّلت مغارة شقبا في رام الله وتل السلطان في أريحا علامات بارزة للحضارة النطوفية، فيما ارتبطت الحضارة الكنعانية بالعصر البرونزي، تاركةً معاقل مهمة مثل القدس وتل النصبة وخربة سيلون وتل بلاطة في نابلس وتل الرميدة في الخليل، أما تل تعنك وخربة بلعا في جنين ومجدو في فلسطين التاريخية فتمثل شواهد أخرى على رسوخ هذه الحضارة.