استمع إلى الملخص
- فيلم "الرقم 24" يروي قصة غونار سونستيبي، قائد المقاومة النرويجية ضد النازيين، ويبرز التحديات والصراعات الأخلاقية التي واجهها في مقاومته.
- يعالج الفيلم قضايا أخلاقية معقدة تتعلق بحدود المقاومة والقرارات الصعبة، مما يثير تساؤلات حول العواقب المتضاربة لقرارات المقاومة في السياق المعاصر.
يحضر نوع جديد من الأفلام في السوق، يُطلق عليه "أفلام نتفليكس الحربية". ما الذي يميّزها؟ أفلامٌ أوروبية تدور أحداثها في الغالب خلال الحرب العالمية الثانية (بعضها يتناول الحرب العالمية الأولى)، وتميل إلى التركيز على قصص غير معروفة لم تصل قطّ إلى الشاشة الكبيرة، ربما بسبب خصوصيتها أو جنسيتها، أو لأنها خرجت إلى النور في العقود الأخيرة. هناك سمة أخرى، أنها في الغالب ليست أفلام حرب بالمعنى الدقيق للكلمة، بل تتناول ما حدث للمجتمعات المدنية في ذلك الوقت، سواء كانت مرتبطة بالهولوكوست أم لا. ليست بالضرورة أفلام آكشن ومغامرات، بل هي دراما إنسانية مرتبطة بالعواقب والتوترات الاجتماعية خلال أوقات الحرب.
واضح أن هناك سوقاً لهذا النوع، فيظهر كل أربعة أو خمسة أشهر فيلم دنماركي أو بريطاني أو هولندي أو إيطالي (فيلم "قطار الأطفال"، للمخرجة كريستينا كومنشيني آخرها، وتدور أحداثه بعد فيلمنا مباشرة) أو، كما في حالتنا، فيلم نرويجي من العدم، يقدّم قصة أخرى غير معروفة من الحرب العالمية الثانية. من بين كل هذه الأفلام، كان الاستثناء الوحيد الذي خرج مظفّراً من فئة "أفلام نتفليكس الحربية"، رغم أنه لم يكن ملائماً تماماً للشروط وكان بالفعل إنتاجاً أكبر وأكثر طموحاً منذ البداية، إعادة الإنتاج الألمانية لفيلم "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية"، الذي أصبح فيلماً مرموقاً، حائزاً على جوائز، وبداية المسيرة الدولية لمخرجه، إدوارد بيرغر، الذي دخل مرة أخرى إلى سباق جوائز أوسكار عن فيلمه الأخير "اجتماع سرّي".
لن يحدث الشيء نفسه مع فيلم جون أندرياس أندرسن، لكن "الرقم 24" (Number 24) يخرج من التحدّي الحربي لمنصة نتفليكس. إنه فيلم عن المقاومة النرويجية للنازية، ويركّز أكثر من أي شيء على تجارب غونار سونستيبي (يجسّده في شبابه شور فوتنه بريان)، أحد قادة المقاومة النرويجية ضد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، الذي نجا ليحكي القصة ويصبح رمزاً وطنياً لجهوده وتضحياته في تلك المعركة غير المتكافئة.
اللافت أن فيلم أندرسن يعمل حيث تنهار معظم الأفلام الأخرى، أي في السرد الموازي الذي يعمل إطاراً للقصة. من المعتاد أن تُروى أفلام من هذا النوع باستخدام شخص يُخبِر شخصاً آخر في الوقت الحاضر بما حدث له منذ فترة طويلة، باستخدام هذا المخطّط كذريعة درامية لاسترجاع سردٍ طويل. وهنا، نرى ذلك من البداية، عندما يظهر غونار (يلعب دوره إريك هيفيو) عجوزاً مريضاً ليتحدث إلى مجموعة من الطلاب في إحدى المدارس عن تجاربه في الحرب. سيصبح هذا المورد السردي، في مرحلة معيّنة، مفتاحاً لدمج الأفكار الأكثر إثارة للاهتمام التي يعمل عليها الفيلم.
قصّة سمعناها من قبل. غونار شابٌّ يقرّر الانضمام إلى المقاومة عندما يستولي النازيون بسرعة، وبقليل من الجنود، على أوسلو ويسيطرون على النرويج كلّها. جنباً إلى جانب مجموعة متنامية ومتضاربة من الناس، يبدأ في التميّز بفضل جدّيته وصرامته، يكرّس نفسه تماماً للقتال، ومستعد لأي عمل. بينما لم يستطع الآخرون التخلي تماماً عن بعض الإغراءات، مثل الشرب، والخروج مع الفتيات، عاش غونار فقط من أجل القضية. أكثر من ذلك، كان عنيداً.
"الرقم 24" (هذا هو الرقم المخصّص له) سيعرض الهجمات والأعمال المختلفة التي نفّذها غونار ورجاله بنجاحٍ يزيد أو يقلّ، مع المشاكل والصراعات المتوقعة، والزملاء المحاصرين والمعذّبين الذين قد يسلمّونهم، والاستعدادات السرّية، والتوترات الدائمة بسبب احتمال اكتشافهم. حتى الآن، لا شيء جديد. ولكن، شيئاً فشيئاً، يظهر موضوع أضحى محورياً للعديد من القصص التي تركّز على صراعات الحرب (مسلسل "لا تقل شيئاً"، عن النضال المسلّح في أيرلندا الشمالية، له نفس المحور الموضوعي): كيف تتعامل مجموعات المقاومة مع المتعاونين، أو الخونة أو المشتبه في "لعبهم للفريق الآخر"؟
قتل النازيين شيء، والتعامل بالطريقة نفسها مع أفرادك شيء آخر تماماً، بغضّ النظر عن عددهم أو المشتبه في كونهم خونة. ينطبق الأمر نفسه على ما يسمّى "الأضرار الجانبية"، المرتبطة بقنبلة مزروعة لقتل زعيم نازي، وما إلى ذلك. ما المسموح والممنوع في أوقات الحرب؟ ما حدود أخلاقيات المقاومة؟ وما يمكن أن يتحمّله الناجون؟ هذه القضية المقارَبة من منظورٍ ما آنذاك، وربما تُحلَّل باختلاف اليوم، يتردّد صداها في حاضر القصّة، عندما يكشف غونار عن شكوكه وتساؤلاته المعنية. هذا ما يسمح للفيلم بأن يكون أكثر إزعاجاً وإرباكاً، وأقل روتينية مما يبدو عليه.
غونار، حينها أو الآن، ليس شخصاً ودوداً أو محبوباً، وليس من أولئك الذين يحاولون وعظ أو تحميس أتباعهم بكاريزمتهم، بل على العكس تقريباً: رجلٌ صارم وجاف، يدرك أن ما يفعله صعب وشاق، وإشكالي في بعض جوانبه، لكنه يعتبره الخيار الوحيد الممكن إذا أراد النرويجيون أن يكوّنوا دولة حرة مرة أخرى، من دون سيطرة النازيين عليهم. تتناقض هذه الفلسفة مع الطريقة التي يُحلل ويُقرأ بها العديد من السلوكيات والتضحيات والقرارات الشخصية الصعبة اليوم (مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وخياراتها المختلفة ليست بعيدة أبداً عن هذا النقاش). لا يتخذ "الرقم 24" موقفاً متحيّزاً، لكنّه لا يشكّك في النضال من أجل الحرية، فالنازيون أشرار، ولا أحد يشكّك في ذلك، بل يشكّك في العواقب المتضاربة لقرارات يتخذها الثوّار ضد بني جلدتهم. لا إجابة واضحة عن هذا السؤال، أو إذا كان الأمر كذلك؛ فإنها تبقى غير مريحة بالقدر ذاته.