الرقابة في "النعامة والطاووس"

الرقابة في "النعامة والطاووس"

29 ابريل 2021
المخرج صلاح أبو سيف (تويتر)
+ الخط -

"النعامة والطاووس"... هذا العنوان هو اسم فيلم كتبه الراحلان صلاح أبو سيف ولينين الرملي عام 1970. كان في نية المخرج الكبير وقتها أن يُرشِّح الوجهين الجديدين نجلاء فتحي ومحمود ياسين.

الرقابة على المصنفات الفنية لم توافق على السيناريو المقدم لها، وبالتالي لم تتم إجازته. السبب الذي قدمته الرقابة وقتها هو أنّ موضوع الفيلم شائك، لأنه يتعرض للمشاكل الزوجية الجنسية، وما يترتب عليها من اضطراب وتوتر في العلاقة الزوجية. 

أوصت الرقابة بحذف الكثير من المشاهد الحساسة؛ والتي تُمثّل صلب العمل، ومن دونها يصبح الفيلم تحصيل حاصل. ولكن صلاح أبو سيف لم ييأس. حاول محاولات كثيرة وعلى مدار سنين طويلة. كل مرة كانت دائما تقابل برفض السيناريو. نجد محاولته في عام 1976 حين رشح الوجهين الجديدين آنذاك، أحمد زكي ويسرا. ولكن كالعادة رُفض السيناريو.

حاول مرة أخرى - بعد عشر سنين - بوجهين جديدين أيضاً هما: يحيى الفخراني وسماح أنور. جاء أيضا الرفض الذي هو القاسم المشترك الأعظم في كل تلك المحاولات. 

رحل صلاح أبو سيف وجاء ابنه محمد أبو سيف ليقدم الفيلم للرقابة من جديد علها تحن وتوافق. كون أن مدكور ثابت كان وقتها مديرها. محاولة علّ السيناريو يخرج إلى النور. كانت المحاولة الجديدة في التسعينيات مع وجهين جديدين هما مصطفى شعبان وبسمة، ومعهم لبلبة.

يظل السؤال المعلق دوما في هذا الشأن يطرح نفسه: لماذا أصرّت الرقابة على رفض هذا السيناريو، كل هذه المدة الطويلة؟ هل قدم محمد أبو سيف/ الابن ما كان يطمح إليه الأب صلاح أبو سيف؟

موقف
التحديثات الحية

لا شك أن موضوع الفيلم سبق عصره في طرح مُبكر لمسألة الجنس في العلاقات الزوجية في بلاد مثل بلادنا. حيث الثقافة الجنسية معدومة في الفضاء العام. يحل محل هذه الثقافة عندنا الجهل والتعتيم والتضليل والتورية والمسكوت عنه. لا وجود لتربية جنسية منذ الصغر بالمدارس عندنا. بينما في كل العالم المتحضر والدول المتقدمة توجد هذه التربية بنزوع منطقي وعلمي للتوعية. يترتب على هذا عندنا الكثير من التعاسة الزوجية بل والمآسي. وطرح هذه المسألة يكاد يكون من المستحيل في عمل فنيٍ؛ وبالذات في عام 1970. 

ولعل ما زاد الطين بلّة هو اسم الفيلم. فلقد كان له عدة تسميات: كان اسمه الأول مدرسة الجنس، ثم تغير إلى تزوج وعش سعيداً، ثم مدرسة الحب.

يظل السؤال الملح أيضاً: هل خرج الفيلم كما أراده صلاح أبو سيف فيلماً متجاوزاً ومتحرراً من القيود كما في حالة "حمام الملاطيلي" فيلم صلاح أبو سيف الجريء جداً والمُثير للدهشة والعجب موافقة الرقابة عليه، وتعنتها مع فيلم "مدرسة الجنس"؟ 

لكي نفهم ما قُدّم من النسخة الحديثة على يد محمد أبو سيف، علينا أن نُلقي الضوء على توجهات الرقابة الجديدة وقتها. 
 تلك التوجهات كانت جزءاً من استراتيجية عامة للنظام السياسي السائد حينها، ألا وهو: تدجين الثقافة والفن واسئناسها بحيث تُجاز معظم الأعمال السينمائية بتصرف، بتحايل، غير مكتوب بين صانع الفيلم والجهة الرقابية؛ لكي نجد أنفسنا في نهاية الأمر أمام نسخ شبه معقمة لا تقترب كثيراً من طموح السينما الحقيقي، في الجرأة والاقتحام والمواجهة. بشكل أكثر وضوحاً نستطيع أن نطلق عليها أفلاما، ولكن ليس سينما. فالسينما الحقيقية تمتلك الطموح في المواجهة والصياغة الجمالية المتفردة، وهو تحديداً تم سحقه أو نزعه.

أصبحنا نشاهد أفلاماً مصنوعة بقدر من الحرفية الجيدة؛ ولكنها منزوعة الروح والتميز والشخصية. أفلام منزوعة الدسم أو سمها أفلاما بلاستيكية لا روح فيها ولا لون ولا طعم.

دلالات

المساهمون