الدراما المغربية... صناعة الوهم والمتاجرة فيه

الدراما المغربية في رمضان... صناعة الوهم والمتاجرة فيه

05 ابريل 2021
يفضّل الجمهور متابعة الدراما والبرامج العربية على المغربية (Getty)
+ الخط -

كلّما حلّ شهر رمضان، تكاثر اللغو والنحيب داخل التلفزيون المغربي، إذ تتحوّل معه الشاشة الصغيرة إلى حلبة صراع بين العديد من المخرجين المغاربة، الذين يحرصون على أن تكون أعمالهم التلفزيونية في قائمة البرامج المختارة والمُدعّمة، من أجل مواصلة الكتابة والتصوير والتوضيب. هذا عاملٌ مهم ومُشجّع للمنتوج الفني الوطني، غير أنّ فئة أخرى، قد لا تتنازع حول إمكانية قبول مشروعها ضمن برامج رمضان، بقدر ما تخرج للاحتجاج غير المشروع، حتى يتمّ وضع عملها الفني السخيف في الدقائق الأولى من لحظة الإفطار، حيث المُشاهد يكون أكثر عرضة للقنص واستمالة فكره ودغدغة مشاعره صوب مشاهد العمل.

العاملون داخل مجال التلفزيون، يعرفون قيمة الـ "نصف ساعة" الأولى من لحظة الإفطار، وما يتبعها من أرقام قياسية على مستوى مشاهدة أعمال رمضان. هكذا، يلجأ التلفزيون المغربي إلى تكثيف البرامج الهزلية السريعة، التي لا تتعدّى دقائق معدودة لإتاحة الفرصة لإمطار المُشاهد بسيل من البرامج الكوميدية المُخصّصة حصراً لهذا التوقيت بالذات من أجل الحصول على نسب عالية من المشاهدة، يتباهى بها التلفزيون داخل منابر إلكترونية رسمية منذ صبيحة اليوم الثاني من شهر رمضان. على هذا الأساس، يتحوّل تلفزيون رمضان، في المغرب، إلى سوق عمل، وإلى إمبراطورية لاستنزاف المال، من دون أنْ يُخوّل لنفسه التفكير في تغيير خطّته وفتحه ورشاته البصريّة على المستجدات الفنية، التي شهدتها الشاشة الصغيرة في مختلف بلدان العالم، والتقليل من برامج الضحك الساخرة داخل بلد يئن تحت سلطة البطالة وقهر الجوع.

يروّج التلفزيون المغربي خلال شهر رمضان، الجهل وتفاقم البلاهة من خلال ما يعرضه من برامج وسيتكومات ومسلسلات، فرغم الرأسمال المادي الكبير الذي يتوفّر عليه هذا الجهاز، لم يستطع الخروج من "سلفيته" البصريّة القاتلة للفنون والجمال، وإلى كل أشكال التذوّق الفني البديع، التي يُمكن أن تُقدّمها الشاشة الصغيرة للناس داخل بيوتهم. ولأنّ من ميزة هذا الوسيط، بالمقارنة مع السينما، اقتحام عقول الناس في عقر دارها، فإنّ هذه الصفة تجعله يتوغّل بشكل فجّ ومُتوحّش، لا ليعمل على تهذيب نفوس الناس، وإحلال قيم الترابط الاجتماعي، بين الأفراد وتربيتهم على الفنّ والجمال وطرح الأسئلة الحارقة عما ينخر ذواتهم كأشخاص سياسياً واجتماعياً، ويعمل على تحويل هذا الواقع المزري، الذي يعيش فيه المُشاهد، ليغدو مادة للضحك والاستسهال والترفيه.

ولا ننسى، أنّ من برنامج الأعمال الفنية، التي أعلنها التلفزيون المغربي بقناتيه الأولى والثانية (دوزيم) قبل أيام، نجد سلسلة متنوّعة البرامج والمسلسلات والسيتكومات، لدى القناة الأولى مثل: "قهوة نص نص" (هشام الجباري)، "أحلام سيتي" (مراد الخودي)، "دار الهنا" (إدريس الروخ)، مسلسل "بنات العساس" (إدريس الروخ)، مسلسل "سالف عذراً" (جميلة البرجي) وغيرها.

ونفس الأمر تعتمد عليه القناة الثانية، وهي تضع على قائمة إنتاجها الفني شعار "أحسن رمضان"، إذ من الأعمال التي تقترحها هذه السنة على المُشاهد المغربي نجد "باب البحر"، و"كلنا مغاربة"، و"قيسارية أوفلا"، "والفذ tv"، و"حديدان وبنت الحراز 5"، و"دايزو القوام"، و"دار السلعة" وغيرها.

غير أنّ المتأمّل لهذه الإنتاجات الفنية، التي يقترحها التلفزيون الرسمي بقناتيه الأولى والثانية قبل أيام، لا يلبث أن يكتشف أنّ لا شيء يتغيّر داخل هذا التلفزيون، بالطريقة التي جعلت بعض الناس تتساءل عما إذا كانت هذه الوجوه الفنية، تعمل باستقلال مع كوكبة من المخرجين وتُقدّم مشاريعها عن بعد، أم أنّها باتت موظّفة لدى التلفزيون، بحيث أنّها نفسها لا تتغيّر وأسلوبها في التمثيل أضحى متجاوزاً بالنظر إلى التجارب الجديدة المُغيّبة داخل عدد من الأعمال الدراميّة، مع أنّها درست في معاهد عليا وحصلت على شواهد أكثر تخصّصاً في مجال التمثيل والإخراج والمونتاج وفنون الصورة.

لكن، مع ذلك، يتعمّد التلفزيون تجاهل هذه الكفاءات ووجوهها خلال شهر رمضان، ويقتصر على وجوه فطرية رغم أهميّة بعضها، إلا أنّ أداءها غدا مُبتذلاً بحكم تكرار أسلوبها في التشخيص، ومدى عدم قدرة أجسادها وملامحها على التفاعل مع الكاميرا. فمنطق أنّها وجوه "مخضرمة" تجعل المخرجين يقبلون بشراهة على اختيار هذه الوجوه في كاستينغات واهية، قد لا ترتكز على الحضور والأداء وإنّما فقط بإرسال صور فوتوغرافية، أو اتصالات هاتفية من مؤسّسات فنية نافذة لا أكثر. 

إنّ مثل هذه السلوكيات المُقيتة وغير المهنية، لم تعُد تخفى على المُشاهد المغربي، الذي اعتاد خلال شهر رمضان، على الهجرة صوب قنوات عربية وأجنبية للاستمتاع بما تُتيحه من برامج فنية ومسلسلات تاريخيّة ودرامية وأفلام تلفزيون، وإنْ تظل في حاجة إلى الفحص والتحليل والنقد، فهي تتميّز بسحر صورة ومتعة مشاهدة وإطلاق العنان أكثر للجسد، بالمقارنة مع سياسة الترفيه التي ينهجها التلفزيون المغربي إبان كل شهر رمضان.

ورغم أنّ هذه الخروقات الفنية تتكرّر في كل سنة، فإنّ التلفزيون يُحاول مراراً قوقعتها داخل خطابات بصريّة إشهارية مُضخّمة، لكنّه لا ينتبه إلى انّ تفكير المُشاهد المغربي قد تغيّر بسبب هذه المحطّات الأجنبية التي غدا يرافقها بشكل يومي في سفرها البصري، وبأنّه (التلفزيون) يُورّط نفسه بمثل هذه الإشهارات المُفخّخة التي يتعمّد إمطار المُشاهد بها يومياً، بحكم أنّ الصورة التلفزيونية، غير مُلغزة ومُشفّرة وتتميّز بالوضوح وبخطابها الأيقوني الذي يُفصح ويُظهر.

المساهمون