الدراما المشتركة... تجربة تحولت إلى ظاهرة

الدراما المشتركة... قراءة في تجربة تحولت إلى ظاهرة

01 نوفمبر 2021
مسلسل "خمسة ونص" جمع بين قصي خولي ونادين نسيب نجيم (تويتر)
+ الخط -

يمكن القول إنّ تجربة الدراما السورية – اللبنانية، خرجت من كونها تجربة وحسب، وربما بات من المناسب أن يلصق بها صفة الظاهرة نظراً لاستمرارها وحضورها على الساحة الدرامية العربية، حتى أضحت منافساً مهماً للدراما السورية نفسها، ذات الانتشار العربي الكبير. 

سلكت هذه التجربة طريقها للمنافسة، من كونها خرجت تدريجياً من عباءة القالب التقليدي للدراما السورية، أي مسلسل من 30 حلقة يعرض في رمضان، إذ حجزت الأعمال المشتركة اللبنانية - السورية مكاناً قوياً لها على المنصات الرقمية التي باتت خياراتها أمام المتلقي العربي تتسع شيئاً فشيئاً، سيما أنها لم تتقيد في زمن العرض والقالب، وهذا ما رفع عن الكتاب والمخرجين وحتى المنتجين لهذا النوع من الدراما، أعباء التقييد التقليدية الزمانية والوقتية، وباتت شركات الإنتاج تجد فيها مجالاً للإنتاج وتحقيق الأرباح على مدار العام. 

حجزت الأعمال المشتركة اللبنانية - السورية مكاناً قوياً لها على المنصات الرقمية التي باتت خياراتها أمام المتلقي العربي تتسع شيئاً فشيئاً

تلك التجربة التي تحولت في ما بعد إلى ظاهرة، ولدت نتيجة تعثر عجلة الإنتاج في سورية، بسبب ظروف الحرب الدائرة هناك، لا سيما في الأعوام الأولى منها، وكانت ضرورة وحاجة ملحة ليس فقط بالنسبة للمنتجين، وإنما بالنسبة للكوادر من ممثلين وكتاب ومخرجين بهدف الإبقاء على حضورهم على الشاشات، والحفاظ على أعمالهم ومردودها. لكن يجد البعض أن الوضع الحالي الذي تعيشه هذه الظاهرة، خرج من كونه حاجة وضرورة، مع انتفاء الحاجة وعودة شركات الإنتاج لتعمل في سورية، مع انخفاض وتيرة الحرب، وبدأت الأصوات تخرج من داخل الوسط الدرامي السوري، تشير إلى أنّ هذه الظاهرة باتت تهدد هوية الدراما السورية، التي انخفض منسوب إنتاجها السنوي بالمقارنة مع الدراما المشتركة السورية - اللبنانية.  

على الجهة المقابلة، أي لبنانياً، كانت التجربة محطة لتقديم الممثلين والنجوم اللبنانيين إلى الشاشات، بل باتت شركات الإنتاج اللبنانية حريصة على إنتاج هذا النوع من الأعمال، وباتت تخصص لها كل ميزانياتها ووقتها، ولا شك أن الممثل اللبناني وجد فرصة لتطوير مهارته بالاحتكاك مع نظيره السوري، صاحب الخبرة في هذا المجال، وهو أمر ذو خلاف، إذ يرفضه الكثير من الممثلين اللبنانيين، بكونه ترويجاً لتفوق الممثل السوري على نظيره اللبناني، معتقدين بأن الممثل اللبناني كان ينقصه رغبة الشركات للإنتاج، ليتطور ويبرز على الساحة الدرامية. 

وتبقى الأسئلة مطروحة ومشروعة، حول نجاح هذه التجربة، وكيف حافظت على استمرارها إلى الآن، وفيما إذا كانت ستبقى مع زوال الأسباب المؤدية لها. ويرى الممثل اللبناني طلال الجردي، أن "تجربة الدراما السورية - اللبنانية، نجحت في مكان ما، لا سيما في البدايات"، معتبراً أن "الأفكار كانت طازجة وجديدة ولقيت لها صدى"، ويقر الجردي بأن النجاح الذي حققته الدراما المشتركة (اللبنانية – السورية) كان بفضل السمعة التي حققتها الدراما السورية قبل الحرب، والتي يعتقد أنها كانت في المرتبة الأولى عربياً، ويشير إلى أن البدايات حملت لكوادر الطرفين استفادة مشتركة، حيث إن انتشار الدراما السورية ساهم في تقديم الممثل اللبناني عربياً من خلال الأعمال المشتركة، فيما استفاد المنتجون السوريون من الخبرات التقنية لدى اللبنانيين والتي يفتقدها المنتج السوري، أو على الأقل يمتلكها العنصر اللبناني. 

ويشير الجردي إلى أن الممثل اللبناني حقق استفادة كبيرة من هذا النوع من الدراما، أولاً من خلال الانتشار، أي انتشار الدراما السورية، وثانياً من خلال الاحتكاك وتكوين العلاقات بين العنصر اللبناني والسوري، ما أدى لصناعة أعمال كانت جيدة ولاقت نجاحاً، مشيراً إلى أنه في فترات لاحقة تم اللجوء إلى أعمال، تم تركيبها لتصنع دراما مشتركة، وليست ذات معنى. 

سينما ودراما
التحديثات الحية

وحول نجاح الدراما السورية اللبنانية المشتركة في ما قدمته سابقاً واستمرارها مستقبلاً، يرى الجردي أن أي عمل درامي يمكن أن يحقق النجاح طالما هناك نص جيد بـ"بحتوتة" منطقية، يؤديها العناصر من ممثلين ومخرجين ومنتجين بالطريقة الصح، لكنه يلفت إلى اتجاه الدراما المشتركة للاعتماد على النجوميات، وتفصيل بعض الأعمال على مقاس بعض النجوم، أصبحت الدراما المشتركة تنحدر، وذلك من خلال الابتعاد عن الثوابت الأساسية لأي عمل دراما في العالم، وهي نص جيد وإخراج جيد وممثلون جيدون، وما يتضمنه من مشروع ورؤية، واللجوء والاتكاء على اسم فلان أو فلانة بدأت درجة التصنيف تهبط لهذا النوع. 

فشل الأعمال التي اعتمدت على النجوم فرض عودة الأعمال التي تحمل مشروعا ورؤية وقصة يمكن تنفيذها

لكن الجردي يشير إلى أن فشل الأعمال التي اعتمدت على النجوم، فرض عودة الأعمال التي تحمل مشروعا ورؤية وقصة يمكن تنفيذها، لا سيما مع دخول المنصات على خط العرض والإنتاج في آن، والتي بدأت بوضع ثوابت بينها وبين المنتج مختلفة عما كانت عليه بين المنتج والتلفزيون. الممثل السوري محمد آل رشي، الذي وضعت أمامه "العربي الجديد" الاختيار في ما إذا كانت الدراما السورية اللبنانية المشتركة، ضرورة أم حلا لأزمة مؤقتة، بالإشارة إلى توقف عجلة الإنتاج في سورية مع بداية الحرب، فضل اختيار الضرورة، معللاً بأن الوضع كان يملي على صناع الدراما السوريين اللجوء إليها، وكان الخيار باتجاه لبنان هو الأمثل، وانطلقت بتجارب ناجحة، كان لآل رشي مشاركة في واحدة منها من خلال مسلسل "الأخوة". 

وحول فرضية أنّ الدراما المشتركة، أفقدت الدراما السورية هويتها، لا يعتقد آل رشي بصواب هذه الفرضية، مشيراً إلى أن الدراما المشتركة، السورية – اللبنانية، كانت خطاً موازياً للدراما السورية، وليس مزاحماً لها، ويضيف: "الدراما السورية فقدت هويتها من داخلها، أي من داخل سورية، لا سيما بعد الحرب، حين وجد صناع الدراما أنه لم يعد بإمكانهم خداع المتلقي والكذب عليه". 

الدراما المشتركة السورية – اللبنانية، كانت خطاً موازياً للدراما السورية، وليس مزاحماً لها

وحول استمرارية التجربة ونجاحها، يرى آل رشي أن الاستسهال والنظرة التجارية للإنتاج أثر عليها، لكن هذا لا يعني أنها لم تلفت النظر وتقدم نماذج ناجحة، معتقداً أن الاستمرار برهن تحقيق التوازن بين الجانب التجاري من جهة والفكري من جهة أخرى، قائلاً: "لست ضد التجربة، على العكس أرى فيها خروجا من الأطر الكلاسيكية التي اعتدنا عليها".  

ويذهب آل رشي إلى أنّ التجربة سيكون لها الاستمرار، لكونها تحقق أهدافها التجارية والربحية بالنسبة لشركات الإنتاج، وبدأت تستقطب شريحة واسعة من الجمهور، لافتاً إلى أنّ هناك من يحاولون الآن تحقيق التوازن، وتقديم أعمال ذات عمق وبعد فكري، وأنّ ذلك لا يتعارض مع الجانب التجاري للإنتاج.

المساهمون