استمع إلى الملخص
- الدراسة شملت 51 ناجية، وأظهرت أن 80% منهن تخلصن من الخلايا النائمة، مع معدل بقاء دون انتكاس تجاوز 90% لمن تلقين دواء واحداً و100% لمن تلقين مزيج الدواءين.
- تؤكد الباحثة أنجيلا دي ميكيلي أن النتائج تمنح أملاً جديداً في الوقاية من الانتكاس، مع الحاجة لدراسات أوسع لتأكيد النتائج وتحقيق تحول تاريخي في مفهوم الشفاء من السرطان.
في اختراق طبي غير مسبوق قد يغيّر قواعد المعركة ضد سرطان الثدي عالمياً، أعلن باحثون من جامعة بنسلفانيا الأميركية عن نتائج تجربة سريرية هي الأولى من نوعها، نجحت في رصد "الخلايا السرطانية النائمة" في أجساد الناجيات والتخلّص منها باستخدام أدوية متوفرة بالفعل في الأسواق.
هذه الخلايا الكامنة، التي لا تظهر في الفحوص التقليدية أو صور الأشعة، تُعدّ السبب الخفي وراء عودة المرض بعد سنوات من الشفاء الظاهري. وما يجعل الاكتشاف أكثر إثارة أن العلاج اعتمد على إعادة توظيف أدوية موجودة أصلاً لعلاج أمراض أخرى، بدلاً من تطوير عقاقير جديدة تستغرق سنوات من البحث والاختبارات والموافقات.
كابوس الانتكاس
رغم أن نسب النجاة من سرطان الثدي ارتفعت بفضل الكشف المبكر والعلاجات المتقدمة، إلا أن خطر الانتكاس يظلّ كابوساً يلاحق الناجيات. وتشير الدراسة، المنشورة في مجلة Nature Medicine بتاريخ 2 سبتمبر/أيلول، إلى أنّ نحو ثلاثة من كلّ عشرة مرضى معرضون لاحتمال عودة الورم، ما يحوّل حياتهم إلى دورة علاجية دائمة لا تقضي على المرض نهائياً.
وتوضح الدراسة أنّ بعض الأنواع العدوانية، مثل السرطان الثلاثي السلبي وسرطان الثدي إيجابي البروتين، قد تعود خلال سنوات قليلة فقط، بينما يمكن أن يظهر سرطان الثدي الإيجابي لمستقبلات الإستروجين بعد عقد أو حتى عقدين من العلاج. وحتى اليوم، لم يكن هناك وسيلة للتنبؤ بمن قد يواجه الانتكاس أو طريقة فعالة للوقاية منه.
تقول الباحثة الرئيسية في الدراسة أنجيلا دي ميكيلي، الرئيسة المشاركة لبرنامج أبحاث سرطان الثدي في جامعة بنسلفانيا، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "اعتمدنا في التجربة على بروتوكول سريري يُعرف باسم CLEVER، شملت 51 ناجية أنهين علاجهن خلال السنوات الخمس الماضية وكانت فحوصهن سليمة، لكن باستخدام فحوص متقدمة اكتشفنا وجود خلايا سرطانية نائمة في نخاع العظام".
خضعت المريضات لست دورات علاجية متتالية باستخدام دواء واحد أو مزيج من دواءين. وبعد فترة متابعة تراوحت بين 6 و12 شهراً، أظهرت النتائج أن 80% من المريضات تخلصن نهائياً من الخلايا النائمة.
وكانت النتيجة الأبرز أنّ معدل البقاء دون انتكاس بعد ثلاث سنوات تجاوز 90% لمن تلقين دواء واحداً، وبلغ 100% لمن تلقين مزيج الدواءين. وحتى بعد متابعة استمرت 42 شهراً، لم تُسجل سوى حالتَي انتكاس فقط. يطلق الباحثون على هذه الخلايا مصطلح "المرض المتبقي المجهري" لأنّها لا تنقسم بسرعة ولا تُكتشف بالوسائل التقليدية، لكنها تحتفظ بقدرتها على الاستيقاظ والانتشار حتى بعد سنوات طويلة، مسببةً سرطاناً انتقالياً خطيراً.
وتوضح دي ميكيلي: "تمثل مرحلة السكون هذه فرصة ذهبية للهجوم. لقد اكتشفنا أنّ أدوية لم تكن فعالة ضد الأورام النشطة يمكنها أن تكون سلاحاً قوياً ضد الخلايا الكامنة، وهذا يؤكد أن خصائصها الحيوية مختلفة تماماً".
مهاجمة السرطان وهو نائم
وتضيف الباحثة أن الخوف من عودة المرض يرافق المريضات حتى بعد إعلان الشفاء، مؤكدة: "اليوم، وللمرة الأولى، يمكننا مهاجمة السرطان وهو نائم قبل أن يستيقظ. هذه الدراسة تمنح أملاً جديداً وتثبت أن الوقاية من الانتكاس لم تعد حلماً بعيداً. لا نريد أن يبقى الخيار الوحيد للمريضات هو الانتظار القلق، بل نسعى لتقديم بدائل أكثر أماناً وثقة".
ورغم أن النتائج مبشّرة للغاية، يشدد الفريق البحثي على أنّ الطريق ما زال طويلاً، إذ إنّ التجربة شملت 51 مريضة فقط، ما يستلزم دراسات أوسع وأكثر تنوعاً لتأكيد النتائج. غير أنّ العامل المطمئن هو أن الأدوية المستخدمة معروفة ومتوفرة بالفعل، ما يتيح تسريع الانتقال إلى نطاق أوسع من التجارب وربما تطبيق الاستراتيجية في الممارسة الطبية خلال سنوات قليلة.
وتختتم دي ميكيلي تصريحها قائلة: "لأول مرة، يصبح من الممكن التفكير في منع عودة سرطان الثدي قبل أن يبدأ، عبر القضاء على الخلايا النائمة التي كانت حتى الأمس القريب لغزاً عصياً على الاكتشاف والعلاج. وإذا أثبتت الدراسات الموسّعة نجاح هذه المقاربة، فقد نكون أمام تحول تاريخي في مفهوم الشفاء من السرطان، من الاكتفاء بغياب الورم إلى ضمان منع الانتكاس نهائياً".