الجائحة تعيد الجدل بشأن حق المتاحف في بيع أعمالها

الجائحة تعيد الجدل بشأن حق المتاحف في بيع أعمالها

11 ابريل 2021
متحف بالتيمور للفن أحد الذاهبين إلى بيع اللوحات (فرانس برس)
+ الخط -

تضررت المتاحف الأميركية بشدة من جائحة كوفيد 19، وبات بإمكانها أخيراً بيع لوحات، للتعويض عن خسائرها، وهي فرصة يعتزم بعض المتاحف اغتنامها لتجديد مجموعاته وتنويعها، فيما يخشى البعض الآخر أن يشكّل ذلك انحرافاً عن هدف المتاحف.

قبل الوباء، لم يكن من المسموح استخدام المتاحف عائدات مبيعاتها التي تسمى "نقل ملكية"، إلا لشراء أعمال أخرى بدلاً من تلك التي باعتها. إلا أن جمعية أميركا الشمالية لمديري المتاحف الفنية رفعت هذا الشرط في إبريل/ نيسان 2020، وسمحت للمتاحف بأن تلجأ خلال السنتين المقبلتين إلى بيع أعمال معروضة فيها لتأمين موارد تحسّن أوضاعها المالية.

في سبتمبر/ أيلول الفائت، بادر متحف بروكلين الذي كان يعاني أصلاً من صعوبات مالية قبل الوباء إلى بيع 12 عملاً، أحدها لمونيه واثنان لدوبوفيه، بهدف إنشاء صندوق صيانة لمجموعته.

وفي فبراير/ شباط 2021، كشف مدير متحف "متروبوليتان" ماكس هولين، أن هذا المتحف الذي يعتبر الأبرز في نيويورك سيستخدم عائدات بيع الأعمال هذه السنة، لتغطية تكاليف الحفاظ على مجموعته، وخصوصاً لجهة دفع رواتب الموظفين المكلفين هذه المهمة.

وقلل ماكس هولين من أهمية هذا القرار الذي وصفه بأنه مؤقت. وقال لفرانس برس إن "مؤسسات كثيرة كانت تلجأ إلى نقل الملكية منذ عقود"، مضيفاً أن المتحف لا يعتزم بيع أعمال في عام 2021 أكثر مما كان يبيع في السنوات السابقة. وأضاف: "نعتقد أن هذا يفيد في تطوير مجموعتنا".

أصول مالية

في الواقع، يُعَدّ بيع المتاحف الأعمال الفنية موضوعاً مثيراً للجدل. فعالم المتاحف الأنكلو ساكسونية منفتح بشكل عام على مبيعات مدروسة، لكن معظم دول الثقافة اللاتينية، ومنها فرنسا، تعارض ذلك.

وشكك رئيس مركز "بومبيدو" سيرج لاسفين، في "فائدة" خيار بيع المتاحف أعمالاً، "سواء أكان ذلك للتعويض عن الصعوبات المالية أو "كأداة إدارة جيدة للمجموعة".

واعتبر المحامي لورنس آيزنستاين الذي رفع الصوت أخيراً ضد المسؤولين في "متحف بالتيمور للفن" أن "تَحَوّل الأعمال المعلقة على الجدران إلى أصول مالية سيكون مقلقاً جداً".

وكان هذا المتحف المخصص للفنون يعتزم بيع ثلاثة أعمال رئيسية من مجموعته، منها لوحة لوارهول يقدّر ثمنها بنحو 65 مليون دولار.

وكان الغرض من بيع هذه اللوحات تأسيس صندوق حفظ لمجموعة المتحف الذي يعتبر الأهم في هذه المدينة ذات الغالبية السوداء، و"تحقيق التوازن" فيها من خلال اقتناء أعمال فنانين وفنانات من الأقليات.

لكنّ المتحف صرف النظر عن هذا البيع في تشرين الأول/ أكتوبر بعد الانتقادات التي تعرّض لها، وقرر جمع هذه الأموال من خلال التبرعات، على ما أوضح مديره كريستوفر بيدفورد.

وترفض معظم المتاحف بيع قطع مهمة من مجموعاتها كما كان سيفعل متحف بالتيمور، إذ تعتبر أن مهمتها تتمثل بالحفاظ عليها قدر الإمكان.

من هذا المنطلق، لا يبيع متحف متروبوليتان إلا أعمالاً يملك نسخاً أخرى منها، أو أعمالاً لفنان يملك المتحف "أكثر من عشرين عملاً له من الفترة نفسها"، على ما شرح هولين.

لكن متاحف أخرى أقل شهرة أقدمت على هذه الخطوة. فمتحف إيفرسون في سيراكيوز (ولاية نيويورك)، باع في أكتوبر/ تشرين الأول لوحة لبولوك مقابل 12 مليون دولار، ما أثار حفيظة جزء من الوسط، وهو أيضاً ينوي فتح مجموعته للتنوع.

وعلّق الكاتب في صحيفة "وول ستريت جورنال"، تيري تيتشاوت على الأمر، قائلاً إن "متحفاً فنياً باع روحه"، متهماً المؤسسة بـ"خيانة ثقة الجمهور".

متحف بروكلين- غيتي
في سبتمبر/ أيلول الماضي باع متحف بروكلين 12 عملاً (غيتي)

كذلك أبدى لورنس آيزنستاين خشيته من أن يسحب المانحون والسلطات دعمهم المالي من المؤسسات التي تبيع أكثر مما ينبغي، إذ سيسألونها: "ما حاجتكم إلى أموالنا؟ بيعوا أعمالكم بدلاً من ذلك". وسيجعل ذلك "من الصعب جداً على المتاحف أن تظل الحارسة الموثوق بها للإرث الثقافي الأميركي".

تقادُم

إلا أن ضمّ أعمال فنانين من الأقليات إلى المجموعات يشكّل استجابة لمطالبات قوية، زادتها حركة 2020 ضد عدم المساواة العرقية. لكنّ كثراً في الوسط الفني يرون أن ذلك ينبغي أن يكون من خلال إضافة هذه الأعمال إلى المجموعات القائمة راهناً، لا استبدال ما هو موجود بغيره.

ومع أن "متروبوليتان" جعل التنويع أولوية، فهو لا يستخدم مجموعته الحالية لتحقيق ذلك، على ما أكد، مفضلاً الاتكال في ذلك على دعم الجهات المانحة له.

ولاحظ أستاذ القانون في جامعة كنتاكي بريان فراي، أن قوانين المتاحف الأميركية، وهي بمعظمها مؤسسات خاصة، لكنها لا تتوخى الربح، تشكل في ذاتها ضمانة كافية ضد إمكان الانجراف أكثر من في عمليات نقل الملكية.

وقال: "لا أعتقد على الإطلاق أن المتاحف ستبدأ بتحويل مجموعاتها إلى نقود بطريقة فوضوية"، ملاحظاً أن "كثراً يشعرون بالذعر المبالغ فيه" في هذا الصدد.

ودعا مدير "بالتيمور ميوزيوم أوف آرت" كريستوفر بيدفورد، إلى إعادة النظر في الإطار الذي وضعته جمعية مديري المتاحف، وهو ما يؤيده مديرو المتحف بشكل متزايد. ورأى أن المتاحف "تقع في التقادم" لأنها "ترفض تحديث نماذج تفكيرها وطرق عملها".

(فرانس برس)

المساهمون