التونسيون يرفعون الصوت ضد المرسوم 54

التونسيون يرفعون الصوت ضد المرسوم 54

13 ديسمبر 2022
خلال تظاهرة للصحافيين التونسيين في أكتوبر (ياسين محجوب/Getty)
+ الخط -

يتواصل القلق في الوسط الصحافي والحقوقي والسياسي في تونس إزاء المرسوم 54 المتعلّق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، والصادر في 13 سبتمبر/أيلول الماضي، مما دفع أكثر من 300 شخصية إلى إطلاق إعلان موجّه للرأي العام المحلي والدولي وللرئيس قيس سعيّد، تحذر فيه من "ضرب الحريات العامة والفردية، وتحديداً حرية الصحافة وحرية التعبير".

وهذه ليست المرة الأولى التي يُرفع فيها الصوت ضد هذا المرسوم الذي يثير مخاوف بشأن استغلاله في استهداف الصحافيين والناشطين الحقوقيين عبر منصات التواصل الاجتماعي، فالفصل 24 منه ينص على عقوبة السجن لمدة خمسة أعوام وبغرامة مالية تصل إلى أكثر من 15 ألف دولار، "لكلّ من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال، لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذباً للغير، بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني". وتُضاعف العقوبة إذا كان المتضرر موظّفاً أو مسؤولاً في الدولة. وينص الفصل التاسع منه على أنه يمكن "لوكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق أو مأموري الضابطة العدلية المأذونين في ذلك كتابياً أن يأمروا بتمكينهم من البيانات المعلوماتية المخزّنة بنظام، أو حامل معلوماتي، أو المتعلّقة بحركة اتصالات، أو بمستعمليها، أو غيرها من البيانات التي من شأنها أن تساعد على كشف الحقيقة". أعطى هذا التفصيل مجالاً واسعاً للشرطة العدليّة بمعاينة المعطيات التي أُلزم مزوّدو خدمات الاتصالات (ISPs) بتخزينها لمدة غير محددة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول حماية البيانات وخصوصية المواطنين الرقمية. كما يهدّد هذا الفصل حق الصحافيين في سرية المصادر، المنصوص عليها في صلب الفصل 11 من المرسوم عدد 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر.

وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الموافق 10 ديسمبر/كانون الأول، أطلقت أكثر من 300 شخصية حقوقية وسياسية وثقافية وإعلامية تونسية إعلاناً تحت عنوان "دفاعاً عن حرية التعبير والصحافة في تونس". ودعا الموقعون على الإعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى سحب المرسوم 54 "لما يمثله من خطر على حرية التعبير وعلى الحريات العامة والفردية"، ودعوا أيضاً إلى تشكيل "هيئة وطنية للدفاع عن ضحايا المرسوم 54 وضد كل التضييقات والممارسات القمعية التي يتعرض لها الصحافيون والناشطون والمعارضون"، وكذلك إلى "تنظيم تحرك سلمي للدفاع عن حقوق وحريات الشعب التونسي التي اقتلعت بعد نضالات مريرة لأجيال من الحقوقيين والسياسيين وبدماء شهداء الوطن الطاهرة". وشددوا على أن "لا وجود لإعلام حر إلا في ظل قضاء مستقل، ولا قضاء مستقل إلا في ظل إعلام حر".

من بين الموقعين على الإعلان: المفكر يوسف الصديق، وحمة الهمامي الذي يعدّ واحداً من أبرز الوجوه المعارضة لسياسة قيس سعيّد، والنائبة السابقة وواحدة من أبرز الوجوه النسوية الحقوقية في تونس بشرى بلحاج حميدة، ونقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي نقيب الصحافيين التونسيين.

كما تطرق الإعلان إلى ما تعرض له مدير موقع بيزنس نيوز، نزار بهلول، على إثر الملاحقة القضائية بحقه التي استندت إلى المرسوم المثير للجدل. وكان بهلول قد مثل، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أمام فرقة مكافحة الإجرام على خلفية مقال نشره موقع بزنس نيوز بالفرنسية، وعنوانه: Najla Bouden, la gentille woman (نجلاء بودن، المرأة اللطيفة)، بعدما قدمت وزيرة العدل ليلى جفال شكوى ضده، متهمة إياه بـ"نشر أخبار غير صحيحة وثلب (شتم) رئيسة الحكومة نجلاء بودن والادعاء بالباطل".

ووصف نقيب الصحافيين التونسيين، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، المرسوم بـ"الخطير". وقال: "سنتصدى له، ونطالب سعيد بسحبه فوراً، كما نطالب باستخدام نصوص قانونية منظمة للقطاع الإعلامي، وهي المرسومين 115 و116، للفصل في قضايا النشر".

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، نبهت بشرى بلحاج حميدة إلى أن "الحريات العامة والفردية وحرية الصحافة في تونس تواجه اليوم أخطاراً حقيقية، بعد تتالي المحاكمات بحق الصحافيين والناشطين السياسيين، وهي مؤشرات خطيرة عن تراجع تونس عن أبرز مكاسب ثورتها".

يذكر أنه منذ إعلان الرئيس التونسي عن إجراءاته "الاستثنائية"، يوم 25 يوليو/تموز 2021، تشهد البلاد تراجعاً في مجال الحريات، وفقاً لما تؤكده منظمات حقوقية محلية ودولية، وهو ما تنفيه السلطات، إذ يؤكد سعيّد في كل ظهور إعلامي على احترامه الحريات العامة والفردية وحرية الصحافة. لكن تونس تراجعت 21 نقطة هذا العام في مؤشر حرية الصحافة الذي تعده منظمة مراسلون بلا حدود.

المساهمون